Al Araby Al Jadeed

الغارات على أصفهان تأديب أم تأنيب؟

- أحمد رحال

تـتـسـبـب املـشـاكـس­ـة اإليـــران­ـــيـــة فـــي الـحـرب األوكـــــ­ـرانــــــ­يــــــة بـــغـــضـ­ــب أمــــيـــ­ـركــــي واضـــــــ­ح، ووصــــــو­ل الـــطـــا­ئـــرات املـــســـ­يـــرة اإليـــران­ـــيـــة، ودفـــــعـ­ــــة الـــــصــ­ـــواريـــ­ــخ الـــبـــا­لـــيـــسـ­ــتـــيـــ­ة، إلـــى الـحـدود الشرقية ألوروبـــا، دعمًا لروسيا في حربها على أوكرانيا، كان مقلقًا لحلف شـمـال األطـلـسـي (الــنــاتـ­ـو)، عـــدا عــن تـمـدد إيـــران وأدواتــهـ­ـا وتغولهما، مـع تهديدات حـــرســـه­ـــا الـــــثــ­ـــوري الــــتـــ­ـي طــــاولــ­ــت مــنــابــ­ع مـــصـــاد­ر الــطــاقـ­ـة، وخـــطـــو­ط نــقــل الــتــجــ­ارة العاملية، وحتى العبث بمصير عـدة دول عربية أوصلتها إيران نحو الهاوية. لــــم تـــكـــن اســــتـــ­ـفــــزازا­ت إيـــــــر­ان خـــافـــي­ـــة عـلـى أحــــــد، وقـــــد تـــكـــون فــــي جـــزئـــي­ـــة مــــا تــخــدم االسـتـرات­ـيـجـيـة األمــيــر­كــيــة، كـونـهـا حـافـزًا لـزيـادة تسليح بعض الـــدول التي تعتمد عـــلـــى املـــــخـ­ــــزون األمــــيـ­ـــركــــي مـــــن الــــســـ­ـاح، لــكــن مـــا تـفـعـلـه طـــهـــرا­ن يــقــع تــحــت أنــظــار صــانــع الــقــرار­يــن، الـسـيـاسـ­ي والـعـسـكـ­ري، األمــيــر­كــيــن واإلســـرا­ئـــيـــلـ­ــيـــن، والـــوالي­ـــات املــتــحـ­ـدة وإســرائــ­يــل تــتــأهــ­بــان وتـنـتـظـر­ان ذريـــعـــ­ة تـــبـــرر عــمــا عـسـكـريـًا ضـــد طـهـران الـــتـــي تـــجـــاو­زت املــســمـ­ـوح لــهــا فـــي بعض املـنـاطـق، بـل وتخطت الـخـطـوط الـحـمـراء، خــصــوصــًا عــنــدمــ­ا تـقـصـف قـــاعـــد­ة التنف فـــي شـــرقـــي ســـوريـــ­ة الـــتـــي تـخـضـع لـنـفـوذ الـتـحـالـ­ف الـــدولــ­ـي الــــذي تــقــوده الــواليــ­ات املتحدة، وأدى إلى جرح عناصر من جيش ســوريــة الــحــر، أو عـنـدمـا تـقـتـرب عناصر مليشيا حزب الله مسافة عشرات األمتار من خط فك االشتباك في الجوالن السوري املــوقــع عـــام 1974 لتنصب أسـلـحـة يمكن استخدامها ضد الجيش اإلسرائيلي عبر حدود الجوالن. إيـران التي ال يقلقها فقط حجم الخسائر الـفـادحـة الـنـاجـمـ­ة عــن ضــربــات املـسـيـرا­ت فــــــي الــــعـــ­ـمــــق اإليــــــ­ــرانـــــ­ـــي، عــــبــــ­ر مـــســـيـ­ــرات قصفت مـصـانـع لـلـصـواري­ـخ الباليستية والـــطـــ­يـــران املـسـيـر وبــعــض املــســتـ­ـودعــات، واستهدف الهجوم أيضًا بعض بطاريات الــــدفــ­ــاع الــــجـــ­ـوي، وال يــقــلــق إيـــــــر­ان أيــضــًا ضـــخـــام­ـــة بـــنـــك املــــعــ­ــلــــومـ­ـــات الــــــــ­ذي بـــاتـــت تمتلكه تـل أبيب وواشـنـطـن لكل أدواتـهـا ومشاريعها العسكرية والنووية في داخل إيـــــران وخـــارجــ­ـهـــا، مـــا يـقـلـق إيـــــران الــيــوم حـــجـــم (وعــــمـــ­ـق) الــــخـــ­ـرق االســـتــ­ـخـــبـــا­راتـــي ألعدائها في صفوف قياداتها السياسية والعسكرية واألمنية ومفاصلها، وحتى قيادات أدواتها في العراق لبنان وسورية واليمن. عندما يـكـون نـائـب وزيـــر الــدفــاع اإليــرانـ­ـي جاسوسًا لبريطانيا (أعلن في 14 يناير/ كــــانـــ­ـون الـــثـــا­نـــي ،2023 عــــن تــنــفــي­ــذ حـكـم اإلعـــــد­ام فــي عـلـي رضـــا أكـــبـــر­ي، لـكـن إيـــران نـفـت أن يــكــون اسـتـلـم منصب نــائــب وزيــر الدفاع)، وعندما يكون محمد شوربا نائبًا للمسؤول األمني في الوحدة 910 الخاصة بحزب الله عميا إلسرائيل (الـوحـدة 910 تلقب «الوحدة السوداء»، وهي إحدى أهم وحــدات منظومة االستخبارا­ت الخارجية للحزب، وتـضـم وحـــدات قتالية نخبوية)، وقـــد ســـرب شــوربــا لـلـمـوسـا­د اإلسـرائـي­ـلـي مـعـلـومـا­ت فــي غــايــة األهــمــي­ــة عــن مـحـاولـة تقفي آثار رئيس األركان اإلسرائيلي، غابي أشـــكـــن­ـــازي، ووزيـــــر الـــحـــر­ب إيـــهـــو­د بـــــاراك، وكــشــف أكــثــر مــن 17 مـتـعـاونـًا مــع الـحـزب داخل إسرائيل. وأكـدت مصادر أن لشوربا دورًا مهمًا في بعض املعلومات التي سهلت عملية اغتيال عماد مغنية، وكان أحد أهم كوادر حزب الله، في عام .2008 وعــنــدمـ­ـا تـقـصـف املـــســـ­يـــرات اإلسـرائـي­ـلـيـة نهاية ديسمبر/ كانون األول العربة رقم 8 التي تحمل ساحًا خاصًا إيرانيًا على حـــدود الـبـوكـمـ­ال الـسـوريـة، وهــي مموهة ضـمـن قـافـلـة تـضـم عـــشـــرا­ت الـــعـــر­بـــات، ثم تعود املسيرات نهاية شهر يناير/ كانون الـثـانـي إلـــى قـصـف قـافـلـة إيــرانــي­ــة أخـــرى، دخلت من العراق إلى ساحة األسطورة في قرية الـهـري قـرب البوكمال، وبعد دقائق من وضعها في مستودعات سرية، عندها نـــدرك مــدى اخــتــراق املــوســا­د اإلسرائيلي قــيــادات فـي الـصـفـوف األولـــى فـي الحرس الـثـوري اإليـرانـي وفـي صفوف حـزب الله، لتعزل إيـــران على الـفـور قـائـد قواتها في ديـــــر الـــــــز­ور ومـــحـــي­ـــطـــهــ­ـا، الــــحـــ­ـاج عــســكــر، وتـنـصـيـب الــحــاج عــبــاس بــديــا عــنــه، مع فتح تحقيق باألمر، وتلك الخروق غيض مــن فـيـض، ومـــا تــم إعــانــه مــن خـــروق في قــيــادات إيـــران أقــل بكثير مما تـم إخـفـاؤه إيرانيًا وامتنعت عن كشفه إسرائيل. شهدت مياه الخليج العربي، نهاية الشهر املاضي (يناير/ كانون الثاني) مناورات عــســكــر­يــة أمــيــركـ­ـيــة إســرائــي­ــلــيــة اشـتـركـت فيها وحدات من كل أنواع القوات املسلحة (البرية والبحرية والجوية)، بما تملك تلك القوات من قمة تقنيات الحروب الحديثة، ووصفت املناورات بالكبرى واألضخم بن البلدين، وكــان على إيـــران قـــراءة الرسالة واملـــــغ­ـــــزى، خـــصـــوص­ـــًا أن تـــلـــك املــــنــ­ــاورات تجري في عمق مناطقها الحساسة، فكان قصف املواقع اإليرانية في أصفهان كأنه مشروع تدريبي باألسلحة الحية، توجت بـــه تــلــك املــــنــ­ــاورات، والـــرســ­ـالـــة األمـيـركـ­يـة اإلســـرائ­ـــيـــلــ­ـيـــة كـــانـــت واضــــحــ­ــة، بـــشـــأن مـا هـــو مــمــنــو­ع عــلــى إيــــــرا­ن امـــتـــا­كـــه، أو ما هــي املـنـاطـق الـتـي يـمـنـع الـعـبـث فـيـهـا، أو مواقع ومسارح يمنع على إيـران الوجود فيها، إضافة إلى مشاريع يجب وقفها أو تحجيمها. قــــوة رســـالـــ­ة قــصــف مـــواقـــ­ع اسـتـراتـي­ـجـيـة عسكرية في أصفهان أنها كانت بالعمق اإليــــرا­نــــي، وأحـــرجــ­ـت الـــقـــا­دة الـعـسـكـر­يـن والـــســـ­يـــاســـي­ـــن اإليـــــر­انـــــيــ­ـــن. وقــــــد أصــبــح خطاب إعام طهران املعتاد من االحتفاظ بــحــق الـــــرد بـــالـــز­مـــان واملــــكـ­ـــان املــنــاس­ــبــن أســـطـــو­انـــة مـــشـــرو­خـــة، عــــاجـــ­ـزًا عــــن إقـــنـــا­ع حتى الــداخــل اإليــرانـ­ـي املــؤدلــ­ج، فما بالك بـأتـبـاعـ­هـا فــي الـــخـــا­رج؟ وأن يــقــود تفكير قــــادة إيــــران إلـــى رد مـــحـــدو­د فــي خـواصـر أميركية ضعيفة في الـعـراق وسـوريـة، أو مجنبات إسرائيلية هشة يمكن خرقها في محيط الجوالن الـسـوري، أمـر قد يتسبب إليران بمزيد من الضربات التأديبية، وقد يفتح على طهران أبواب جهنم، مع قيادة عسكرية إسرائيلية جديدة بوزير دفاعها ورئــــيــ­ــس أركـــانــ­ـهـــا الــــــذي وصـــفـــه زمـــــاؤه بـــالــــ «مـــتـــفـ­ــلـــت»، إضــــافــ­ــة لـــرئـــي­ـــس حــكــومــ­ة مــقــتــن­ــع تـــمـــام­ـــًا أن لـــغـــة الــــقـــ­ـوة هــــي الــلــغــ­ة الوحيدة التي تفهمها إيران. الــــردود الـسـابـقـ­ة إليــــران وحـــزب الـلـه على عـــمـــلـ­ــيـــات اســــتـــ­ـهــــداف مــلــيــش­ــيــاتــه­ــمــا فـي ســــوريــ­ــة والـــــعـ­ــــراق وإيـــــــ­ــران، ومـــــا ســمــيــت بالردود االنتقامية، وخوفًا من االنخراط فـــي مــواجــهـ­ـة خـــاســـر­ة بــالــتــ­أكــيــد، حــاولــت إيــــران فيها عـــدم املــســاس بـحـيـاة الجنود األميركين واإلسرائيل­ين، كما جـرى في عملية قصف جدران قاعدة عن األسد في العراق ردًا على اغتيال قائد فيلق القدس، قــاســم سـلـيـمـان­ـي، وكــذلــك فـعـل حـــزب الله بعدة عمليات في مزارع شبعا عامي 2016 ،2017و وكانت تتقصد عدم إيقاع خسائر بـشـريـة بـالـجـنـو­د اإلسـرائـي­ـلـيـن، وتـهـدف لــضــربــ­ات أقـــــرب إلــــى املــســرح­ــيــة، غـايـتـهـا فقط شد عصب حاضنتها «املقاومة». في صميم االجتماعات العسكرية واألمنية، وحـتـى السياسية الـتـي التقى فيها قـادة

تدرك طهران اليوم أن أي خطأ في الحسابات العسكرية سيفتح عليها أبواب جهنم، في وضع داخلي إيراني متأزم، وخارجي متأهب

وجـــــــن­ـــــــراا­لت أمــــيـــ­ـركــــيــ­ــون مـــــع مـــســـؤو­لـــن إســرائــي­ــلــيــن، لــوحــظ أن هــنــاك مـتـغـيـرا­ت جــديــدة فــي طريقة التعاطي مــع الـوجـود اإليـــران­ـــي فـــي ســـوريـــ­ة، وأن ســيــاســ­ة «جــز العشب» أو «ضـرب فائض القوة» املتبعة مع تمدد إيران وتخطيها قواعد االشتباك فــــي ســــوريــ­ــة، لــــم يـــعـــد مـــعـــمـ­ــوال بـــهـــا، وأن التعاطي الـجـديـد سيكون بـضـرب جـذور التموضع اإليراني في سورية، وضـرورة وقـف نشاطات إيــران بما يخص املشروع الـنـووي، وأن تحجيم مشروع الصواريخ الــبــالـ­ـيــســتــ­يــة ومـــــشــ­ـــروع املــــســ­ــيــــرات بـــات هــدفــًا أمـيـركـيـًا إســرائــي­ــلــيــًا، أو عـلـى األقــل أن واشــنــطـ­ـن لـــم تـعـد تـضـع «فــيــتــو» على غـــــــار­ات الــــطـــ­ـائــــرات اإلســـرائ­ـــيـــلــ­ـيـــة، بــدلــيــ­ل إجــــــــ­ـراء مــــــنــ­ــــاورات مـــشـــتـ­ــركـــة مـــعـــهـ­ــا عـلـى مقربة مـن الــحــدود اإليـرانـي­ـة، إضـافـة إلى السفن الحربية التي تـدربـت على حـدود املياه اإلقليمية إليـران، ومهمة لجم إيران كـــان مطلبًا مــن حـلـف الــنــاتـ­ـو، فـاملـسـيـ­رات والصواريخ اإليرانية شكلت دعمًا للقوات الروسية في حربها في أوكرانيا وتسببت بقلق أوروبي. كــائــنــًا مـــن كــــان مـنـفـذ الـــضـــر­بـــات األخــيــر­ة داخل إيـران، إن كانت مشتركة (أميركية - إسرائيلية) أو فردية بموافقة ضمنية من اآلخر، فالرسالة وصلت إلى طهران وبقوة، وعـــــدم الـــــرد اإليــــرا­نــــي وابــــتــ­ــاع الـصـفـعـة، حتى لو كانت مؤملة/ هو املتوقع، وإن ما تسميه طهران «الصبر االستراتيج­ي» هو املـرشـح للبقاء، بل ذهبت إيــران إلـى أبعد مـن ذلـــك، فـي مـحـاولـة للتملص مـن أعباء الــرد العسكري، عندما شككت بــأن تكون إسرائيل وراء الهجوم الـذي طـاول مواقع في أصفهان، وأنها ما زالت تمارس عملية التحقيق والتدقيق والتحليل والتمحيص لتعرف الجهة التي تقف خلف الهجوم، أو يمكن أن نتوقع ردًا إيرانيًا محدودًا، على غـرار ما سبق من ردود، ألن طهران اليوم تدرك أن أي خطأ في الحسابات العسكرية سيفتح عليها أبواب جهنم، في ظل وضع داخـلـي إيـرانـي مــتــأزم، وخـارجـي متأهب، قــــد يــوقــعــ­هــا بــــن فـــكـــي كـــمـــاش­ـــة، ويــشــكــ­ل قاعدة للتخلص من سلطة املالي. يبقى الــســؤال الـــذي يـــراود دوال متضررة مــــــن االنــــــ­ـفـــــــا­ت اإليــــــ­ــرانـــــ­ـــي فــــــي املـــنـــ­طـــقـــة، ومتضررة من مبدأ تصدير الـثـورة الذي تــحــول إلـــى تـصـديـر اإلرهـــــ­ـاب، ودمــــر عـدة عـــواصـــ­م عـــربـــي­ـــة، هـــل مـــا تـــم مـــن ضــربــات فـــي أصـــفـــه­ـــان هـــي تـــأديـــ­ب إليـــــــ­ران، لـوقـف تــحــرشــ­اتــهــا وتــدخــات­ــهــا بــــدول مــجــاورة ووقف مشروع هالها الشيعي، أم ضربات تأنيب محدودة لتجاوزها خطوطا حمراء ترفضها تل أبيب وواشنطن؟

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar