Al Araby Al Jadeed

في العالقات الروسية اإلسرائيلي­ة

- فاطمة ياسين

قدمت إسرائيل، منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، تعاطفًا إعالميًا مـع أوكـرانـيـ­ا، واقتصر الـدعـم املـــادي على مـسـاعـدات إنسانية صـرفـة، وحرصت على أن تبقى فـي منأى عـن تقديم دعــم عسكري مباشر. ورغــم تأكيد الرئيس األوكراني، زيلينسكي، عبر شاشات الكنيست، أنه يهودي، فإن الجبهة السورية كانت أكثر حضورًا بالنسبة إلسرائيل من جبهة أوكرانيا، واهتمت بأن تستمر التغطية الروسية لهجماتها على مواقع إيرانية في العمق السوري، فهذه التغطية بالنسبة لها تفوق يهودية زيلينسكي أهمية، وذلـك في سياسة براغماتية طاملا اتبعتها إسـرائـيـل فـي كثير مـن مواقفها. ورغـــم أن الرئيس األوكــران­ــي استخدم خطابًا عاطفيًا، وذكر أعضاء الكنيست والحكومة اإلسرائيلي­ة بأن أصول رئيسة وزرائهم (قبل عقود) غولدا مائير تعود إلى كييف، كما ذكر إسرائيل بهولوكوست الـرصـاص الــذي تعرض له اليهود في أوكرانيا، وأقــام مقارنة بني مصير اليهود باألمس ومصير األوكرانين­ي اليوم. ولكن هذا الطرح لم يلق الصدى املطلوب في إسرائيل، بل وقـف هناك من قـال إن أوكرانيني كثيرين كانوا قد سـاعـدوا هتلر بقتل اليهود في أوكرانيا. واستفظع إسرائيليون كثيرون مقارنة إبادة اليهود في أوكرانيا بحرب روسيا اليوم، فبالنسبة لهم ال يمكن أن يعيد التاريخ فظاعة كالتي لقيها اليهود في الحرب العاملية الثانية. وكانت هذه حجة إلسرائيل ومبررًا لتبقى في موقف املراقب للحرب األوكرانية، ولتبقى على عالقة حميمة مع روسيا التي تفسح لها األجواء السورية مجانًا وبطريقة آمنة كليًا. تحولت الحرب في أوكرانيا إلى مواجهة متاريس، بعد أن ثبتت خطوط الجبهة بشكل كبير، وأصبحت الحاجة إلـى املدفعية ماسة لـدى الطرفني، فالتراشق املدفعي هو السمة املميزة لحرب الجبهات الثابتة، وبدأت بذلك مصادر الذخائر األوكرانية تنضب، فاضطّرت أميركا، حتى تبقي املعركة مستمّرة، لالستعانة بمستودعات أسلحة تحتفظ بها في إسرائيل، وشحنت بالفعل في أواخر الشهر املاضي (يناير/ كانون الثاني) ذخائر من ذلك املخزون إلى أوكرانيا، بعد أن وافـق رئيس الــوزراء السابق، يائير لبيد، على ذلك، معتبرًا أن املخازن تخص الجيش األميركي، وهو حر بالتصرف بها، محاوال أن يحتفظ باملوقف نفسه البعيد عن دعم طرف بعينه، ومحاوال التأكيد لروسيا أن قرار شحن الذخائر يقع خارج معادلة الحرب في سورية. لم تعلق روسيا فـي حينها على الــقــرار، واخــتــار­ت أن تصمت، مـا يعني قبول الحجة اإلسرائيلي­ة، فقامت إسرائيل بهجوم جوي على قافلة إيرانية في شمال سورية، قد يكون، على سبيل اختبار لردة الفعل الروسية، وجرى تنفيذ الهجوم بنجاح. لم تكن إسرائيل، غير الرسمية، سعيدة بهذا القرار، وظهرت امتعاضات عبر وسائل إعالمها على نقل هذه الذخائر املوجودة في إسرائيل منذ عام 1973 عقب حرب تشرين، تحت عناوين عـديـدة، منها احتياطيات الجيش األمـيـركـ­ي. ولكن يمكن للجيش اإلسرائيلي أن يستخدمها في حالة الحاجة، وقد لجأت إسرائيل بالفعل إلى هذه االحتياطيا­ت في حرب تموز 2006 مع حزب الله، كما سحب منها الجيش اإلسرائيلي في حربه مع غزة عام ،2014 وهي تمتعض حاليًا لتفريغ هذا املخزون، بسبب ما تعتبره جهات إسرائيلية تقليل مستوى األمن اإلسرائيلي، في وقت قد تكون إسرائيل في حاجة ماسة إليه، بينما تبدي إيــران تحركات كثيرة، بعد أن ضمنت «مـوت» امللف النووي حاليًا، وهي تعود إلى إنعاش قدراتها النووية، األمر الذي يدعو إسرائيل إلى أن تبقى مستعدة ألي تغيير، وهو ما يجعل وجود مخازن أسلحة ممتلئة حاجة أولية لها. كل ما يجري ال يخلخل العالقة الروسية اإلسرائيلي­ة، فالحاجة اإلسرائيلي­ة للعالقة تقابلها حاجة روسية، وال يمكن أخذ تصريح نتنياهو عن تفكيره في تقديم مساعدة عسكرية بجدية كبيرة ألوكرانيا أنه يهدد العالقة الروسية اإلسرائيلي­ة كثيرًا، خصوصًا أنـه قـال، في التصريح نفسه، إنـه مستعد للوساطة في الـصـراع، فخيارات املساعدة العسكرية التي يتحدث عنها نتنياهو واسعة، وال يرجح أن يكون من ضمنها توريد أسلحة إسرائيلية أو حتى ذخائر.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar