Al Araby Al Jadeed

في مواجهة التطرّف الفاشي اإلسرائيلي

- مصطفى البرغوثي

كــــمــــ­ا تـــــوقــ­ـــعـــــن­ـــــا، أدت إجــــــــ­ــــــــرا­ءات الـــقـــم­ـــع اإلسرائيلي­ة، وارتـكـاب مجزرة وحشية في مخيم جنني راح ضحيتها عشرة شهداء، فــــي 26 الـــشـــه­ـــر املــــاضـ­ـــي (يــــنــــ­ايــــر/ كـــانـــو­ن الـثـانـي) إلــى انـفـجـار الـوضـع فـي فلسطني، واســـتـــ­نـــفـــار الــــدولـ­ـــة املـــــجـ­ــــاورة، والــــوال­يــــات املــتــحـ­ـدة، إلرســــال مبعوثيها إلـــى املنطقة، ومـنـهـم رئــيــس وكــالــة املــخــاب­ــرات املــركــز­يـة، ولـــيـــا­م بــيــرنــ­ز، ووزيـــــر الــخــارج­ــيــة أنـتـونـي بــلــيــن­ــكــن. ولـــــم يـــكـــن ذلـــــك االنــــفـ­ـــجــــار ســـوى نــــمــــ­وذج مـــصـــغـ­ــر ملــــا يــمــكــن أن تـــصـــل إلــيــه األوضـــــ­ــــاع فــــي فـــلـــسـ­ــطـــني، بــســبــب ســيــاســ­ة الحكومة الفاشية اإلسرائيلي­ة وإجراءاتها. وهي إجـراءات ال تتوقف عن التصاعد، من تـصـعـيـد الــقــمــ­ع والـتـضـيـ­يـق عــلــى األســــرى واألســـــ­ـيــــــرا­ت فــــي ســــجــــ­ون االحــــــ­تــــــال، إلـــى إطــــاق يـــد املـسـتـعـ­مـريـن املـسـتـوط­ـنـني بعد عملية الــقــدس لـشـن اعـــتـــد­اءات على القرى الفلسطينية واملركبات في الـشـوارع، التي وصلت إلى 150 اعتداء يوميًا، بما في ذلك حـرق بيوت، ومركبات، وإطــاق الرصاص عــــلــــ­ى الـــفـــل­ـــســـطــ­ـيـــنـــي­ـــني ورجـــــــ­ـم ســـيـــار­اتـــهـــم بالحجارة، إلى شن حملة واسعة من هدم بـــيـــوت الـفـلـسـط­ـيـنـيــني فــــي مـــديـــن­ـــة الـــقـــد­س واألحياء املحيطة بها، مثل جبل املكبر، إلى إغـــاق مــدن وقـــرى بأكملها، ومنها مدينة أريـــحـــ­ا الــتــي تـمـثـل املــنــفـ­ـذ الــوحــيـ­ـد لسكان الـضـفـة الـغـربـيـ­ة إلـــى الـــخـــا­رج عـبـر الجسر مع األردن. ولــــــــ­م يــــــتــ­ــــورع الـــــفــ­ـــاشـــــ­ي بــــــن غــــفــــ­يــــر الــــــذي صــــار وزيـــــرًا لـــأمـــن عـــن إصـــــدار تعليماته

لـــإســـر­ائـــيـــل­ـــيـــني بـــحـــمـ­ــل الـــــســ­ـــاح وإطــــــا­ق الــنــار عـلـى كــل فلسطيني يـشـتـبـهـ­ون فيه، بـــاإلضــ­ـافـــة إلــــى دعـــوتـــ­ه مـــع حــكــومــ­تــه إلــى تسليح املستعمرين املستوطنني املتطرفني، وتـــشـــك­ـــيـــل عــــصــــ­ابــــات ومـــلـــي­ـــشـــيــ­ـات مــنــهــم تنظم االعـتـداء­ات على الفلسطينين­ي. وفي توجيهاته ملسؤول شرطة الـقـدس، قـال بن غفير بالحرف الواحد: «أغلق عينيك وافعل بهم (الفلسطينين­ي) كل ما حلمت به». ويـتـرافـق ذلــك كله مـع تحضيرات لتشريع حــوالــى 70 بـــؤرة استيطانية استعمارية جديدة في الضفة الغربية، ومـع تحريض أرعـــــــ­ــن لـــتـــنـ­ــفـــيـــ­ذ الـــتـــط­ـــهـــيــ­ـر الـــــعــ­ـــرقـــــ­ي ضــد الـــتـــج­ـــمـــعــ­ـات الــســكــ­انــيــة فــــي مـــســـاف­ـــر يـــطـــا، والـــــخـ­ــــان األحـــــم­ـــــر، والـــشـــ­يـــخ جــــــــر­اح، ومـــن اقــتــحــ­امــات ال تــتــوقــ­ف لـلـمـسـجـ­د األقــصــى، فـــي مـــحـــاو­لـــة لـتـحـقـيـ­ق تــقــســي­ــمــني: زمــانــي ومــكــانـ­ـي، لـــه. وصــعــدت الـحـكـومـ­ة الفاشية كـــذلـــك حــمــلــة الـــعـــق­ـــوبـــات الـــجـــم­ـــاعـــيـ­ــة ضـد عائات املناضلني واألسرى الفلسطينين­ي، بتشريع إغاق بيوتهم تمهيدًا لهدمها من دون إجـــراءات قضائية، واعتقاالت واسعة ضدهم، وتهديدات بترحيلهم. لكن كل هذه االجراء ات، كما كتب صحافيون إسرائيليون عديدون، عديمة الجدوى، فما فشل القمع في تحقيقه، لن يحققه مزيد من القمع والتنكيل. وفــي الــواقــع، يـكـرر حكام إســرائــي­ــل مــا وصــفــه أيـنـشـتـا­يـن بـالـجـنـو­ن، عــــنــــ­دمــــا يــــــــك­ــــــــرر­ون فــــعــــ­ل الــــــشـ­ـــــيء نـــفـــسـ­ــه، ويتوقعون نتائج مختلفة. هـــــنـــ­ــاك حــــقــــ­ائــــق رئـــيـــس­ـــيـــة تـــمـــخـ­ــضـــت عــن أحـــداث األســبــو­ع املــاضــي، أولـهـا أن اإلدارة األمــيــر­كــيــة عـــاجـــز­ة عـــن الــقــيــ­ام بــــدور بــنــاء،

بسبب انحيازها املطلق إلسرائيل، وبسبب ضــعــفــه­ــا أمــــــام اإلســـرائ­ـــيـــلــ­ـيـــني، فــرئــيــ­ســهــا جـــو بــــايـــ­ـدن، ووزيــــــ­ر خــارجــيـ­ـتــهــا بـلـيـنـكـ­ن، لـــم يـتـوقـفـا عـــن إدانـــــة الـعـمـلـي­ـة الــتــي جــرت فــي الــقــدس، ووصـفـهـا بأنها «اعــتــداء على الـحـضـارة اإلنـسـانـ­يـة»، ولــم يدينا املـجـزرة التي ارتكبها الجيش اإلسرائيلي الرسمي فــي مخيم جــنــني، وال عـمـلـيـات هـــدم بيوت الــفــلــ­ســطــيــن­ــيــني، وال قـــتـــل 35 فـلـسـطـيـ­نـيـًا، بمن فيهم ثمانية أطفال منذ بداية الشهر املاضي (يناير/ كانون الثاني). ولم يوجد فـي جعبة وزيــر الخارجية ســوى مواصلة تـــرداد جملة «حـــل الــدولــت­ــني»، الـــذي دمرته جــــرافــ­ــات االســـتــ­ـيـــطـــا­ن اإلســـرائ­ـــيـــلــ­ـيـــة، وهــو يعرف تمامًا لو أن إدارته جادة في سعيها لحل الدولتني، لهددت إسرائيل بالعقوبات، حــــتــــ­ى تـــــوقــ­ـــف عــــلــــ­ى األقــــــ­ــــل االســــتـ­ـــيــــطـ­ـــان املستشري، الذي دمر أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقلة. وفـي رده على املطلب الـفـلـسـط­ـيـنـي بـتـفـعـيـ­ل مــــبــــ­ادرة ســيــاســ­يــة، عرض تطوير شبكة الهواتف املحمولة! وبما أن اإلدارة األميركية بدت عاجزة تمامًا، وضعيفة أمام الحكومة اإلسرائيلي­ة، بعدم قدرتها على تنفيذ خطوات صغيرة سبق أن وعـــدت بـهـا، مثل إعـــادة فتح القنصلية األميركية في القدس، وفتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وفتح املعبرالوح­يد لـــأردن (جـسـر املـلـك حسني) 24 ســــاعـــ­ـة يـــومـــي­ـــًا، صـــــار واضــــحــ­ــًا أن كـل الضغط األميركي كان موجهًا نحو الجانب الفلسطيني إلعادة التنسيق األمني املهني واملرفوض شعبيًا. وثــانــيـ­ـة الــحــقــ­ائــق، أن الــعــالـ­ـم واملــحــي­ــط في املـنـطـقـ­ة ال يلتفتان إلـــى الفلسطينين­ي إال عندما يقاومون الظلم واالحتال والتمييز الـــعـــن­ـــصـــري الــــــــ­ذي يــــتــــ­عــــرضـــ­ـون لــــــه. وأكـــــد ذلـــك مــا ثـبـت مــــرارًا أن عـلـى الفلسطينين­ي االعــــتـ­ـــمــــاد عـــلـــى الــــنـــ­ـفــــس، وعــــــــ­دم انـــتـــظ­ـــار املساعدة من الخارج. وثـــالـــ­ثـــًا، إن وصــــول الــفــاشـ­ـيــني إلــــى الـحـكـم فـــي إســـرائــ­ـيـــل، وتــرســيـ­ـخ أكــثــر الـحـكـومـ­ات عنصرية وتطرفًا، يؤكدان أن أغلبية املجتمع اإلسرائيلي والحركة الصهيونية ال تؤمن بـحـل وســـط مــع الفلسطينين­ي، بــل تسعى لضم كامل أرض فلسطني وتهويدها. وفي لقائه مع شبكة ،CNN لخص رئيس الوزراء اإلســرائـ­ـيــلــي، بـنـيـامـن­ي نـتـنـيـاه­ـو، سياسة حكومته بـالـقـول إن أولـويـتـه التطبيع مع الــــدول الـعـربـيـ­ة، وإنـــهـــ­اء «الـــصـــر­اع العربي اإلســــرا­ئــــيــــ­لــــي»، وبــــعـــ­ـد االنــــتـ­ـــهــــاء مــــن ذلـــك الــــعـــ­ـودة لـلـفـلـسـ­طـيـنـيـني لــلــتــو­صــل إلــــى ما سماه «سامًا عمليًا»، ومضمونه رضوخ الفلسطينين­ي لــعــبــو­ديــة االحـــتــ­ـال ونــظــام األبــارتـ­ـهــايــد اإلســرائـ­ـيــلــي، مــع إعــفــاء كامل ملسؤولية إسرائيل عن شؤون واحتياجات حياتهم في إطار ما سماه «حكم أنفسهم». ورابعًا، الحاجة امللحة فلسطينيًا لإسراع فــــــي إنــــــهـ­ـــــاء حـــــالــ­ـــة االنـــــق­ـــــســــ­ـام الـــــداخ­ـــــلــــ­ـي، وتوحيد قـواهـم فـي قـيـادة وطنية مـوحـدة تـكـون قــــادرة عـلـى مـواجـهـة خـطـر الفاشية املنفلتة من عقالها. وخـــامـــ­ســـًا، إن الـــطـــا­بـــع الـــفـــا­شـــي لـحـكـومـة االحتال يمثل فرصة ال تعوض فلسطينيًا لــكــشــف مــنــظــو­مــة االحـــتــ­ـال واألبـــار­تـــهـــاي­ـــد الـعـنـصـر­ي وتـعـريـتـ­هـا، وتصعيد املطالبة عـــربـــي­ـــًا ودولـــــي­ـــــًا، بـــوقـــف الــتــطــ­بــيــع مــعــهــا، وفرض العقوبات واملقاطعة عليها. لـــم يــكــن االنـــفــ­ـجـــار الـــــذي شــهــدتــ­ه فلسطني األســبــو­ع املــاضــي ســوى سيناريو مصغر لــانــفــ­جــار الـكـبـيـر الــــذي يـمـكـن أن يــحــدث، إن أمـــعـــن­ـــت حـــكـــوم­ـــة إســـرائــ­ـيـــل فــــي جـــرائـــ­م الـقـتـل والـتـنـكـ­يـل، أو أقــدمــت عـلـى عمليات تـطـهـيـر عـــرقـــي فـــي مــنــاطــ­ق ج، أو صــعــدت إجراءاتها القمعية ضد األسرى واألسيرات فــي الــســجــ­ون اإلســرائـ­ـيــلــيــ­ة، أو إن سمحت بـــارتـــ­كـــاب كـــبـــرى الــكــبــ­ائــر بـــاالعــ­ـتـــداء على املـــســـ­جـــد األقـــــص­ـــــى وتــــدنــ­ــيــــســ­ــه، وواصــــلـ­ـــت ســــيــــ­اســــة قــــتــــ­ل الـــفـــل­ـــســـطــ­ـيـــنـــي­ـــني، وتـــدمـــ­يـــر األمل لديهم.

العالم والمحيط في المنطقة ال يلتفتان إلى الفلسطينيي­ن إال عندما يقاومون الظلم واالحتالل والتمييز العنصري الذي يتعرضون له

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar