Al Araby Al Jadeed

العدوان على غزة: إنجازات مؤقتة ومشروطة لنتنياهو

أظهر العدوان اإلسرائيلي على غزة مرة أخرى أنه من السابق ألوانه «نعي» رئيس الحكومة اإلسرائيلي­ة بنيامين نتنياهو أو الحكم عليه بالفشل

- حيفا ـ امطانس شحادة

بعد مرور أيام على انتهاء العدوان اإلسرائيلي على غزة، الذي سمي باسم «الدرع والسهم»، بـــدأت تتضح دوافـــع ومسببات ونـتـائـج هذا الـــــعــ­ـــدوان فــــي تــحــلــي­ــات الـــصـــح­ـــافـــة ومـــراكــ­ـز األبــــحـ­ـــاث اإلســـرائ­ـــيـــلــ­ـيـــة. وتـــبـــن­ي أن الــــدواف­ــــع الـسـيـاسـ­يـة كــانــت أهـــم بكثير مــن العسكرية لـــدى صــنــاع الـــقـــر­ار فـــي إســـرائــ­ـيـــل، خصوصًا لـدى رئيس الـــوزراء بنيامني نتنياهو. هناك إجــمــاع لــدى املحللني العسكريني واألمنيني فـــي إســـرائــ­ـيـــل عــلــى أن الـــحـــر­ب األخـــيــ­ـرة على غــــزة كـــانـــت نــاجــحــ­ة عــســكــر­يــًا، كــونــهــ­ا بـــدأت بـــمـــبـ­ــادرة مـــن الــجــيــ­ش اإلســـرائ­ـــيـــلــ­ـي، وكــانــت قصيرة، ونجحت إسرائيل في اغتيال عدد من القيادات امليدانية لحركة الجهاد اإلسامي، مــن دون أن تـقـع إصــابــات جـديـة مـوجـعـة في صفوف الجيش واملدنيني. لـــكـــن بـــاملـــ­قـــابـــل، هـــنـــاك شـــبـــه إجــــمـــ­ـاع عـــلـــى أن «إنـــــجــ­ـــازات» الــــعـــ­ـدوان عــلــى الــقــطــ­اع سـتـكـون مــؤقــتــ­ة، ولـــن تــــؤدي إلـــى تغيير استراتيجي جدي أمام غزة، ولم تخلق واقعًا جديدًا على الــــحـــ­ـدود الــجــنــ­وبــيــة. كــمــا لـــم تــتــغــي­ــر جــذريــًا معادالت الردع أمام حركتي الجهاد اإلسامي وحماس. بعد يـوم من انتهاء الـعـدوان، قالت صحيفة «هـــآرتـــ­س» فــي افـتـتـاحـ­يـتـهـا، األحــد املـــاضــ­ـي، إن «الـحـقـيـق­ـة املــــرة هـــي أن الحملة الحالية بني إسرائيل والجهاد، مثل كثير من قبلها، كانت حربًا اختيارية ال جــدوى منها وال منفعة وال حكمة سياسية. ما كان ينبغي

أن تبدأ في املقام األول». رئيس مجلس األمن الــقــومـ­ـي األســـبــ­ـق غـــيـــور­ا أيـــانـــ­د أوضـــــح، في مقالة بموقع «وايــنــت»، أن الحملة على غزة لم تهدف إلى تحقيق أي تغيير استراتيجي، وإنما الحفاظ على الوضع القائم وترميمه، وبذلك كانت أهدافها ونتائجها متواضعة. فـــــــــ­ـإذا كـــــانــ­ـــت أهــــــــ­ــــداف الــــــحـ­ـــــرب الـــعـــس­ـــكـــريـ­ــة محدودة للغاية، ولـم تـرم إلـى تحقيق تغيير اســـتـــر­اتـــيـــج­ـــي أمـــــــا­م غـــــــزة، إذًا ملـــــــا­ذا كــــل هـــذا الـتـهـلـي­ـل مـــن قــبــل صــنــاع الـــقـــر­ار والــحــكـ­ـومــة، خصوصًا مـن قبل رئـيـس الحكومة الـــذي ما فــتــئ يـتـبـاهـى بــإنــجــ­ازاتــهــا، وتــصــريـ­ـحــه بــأن الهجوم خلق واقـعـًا جــديــدًا. نـشـوة نتنياهو تـوضـح أن األهـــداف األسـاسـيـ­ة للهجوم على غـــــزة كـــانـــت ســيــاســ­يــة بـــامـــت­ـــيـــاز. صــحــيــح أن العوامل السياسية ومصالح رؤســاء الــوزراء لم تكن غريبة عن قــرارات الحرب والعمليات العسكرية لدى صناع القرار في إسرائيل في الــســابـ­ـق، إال أنـــه يــبــدو أنــهــا كــانــت األبــــرز في الـــعـــد­وان األخــيــر عـلـى غـــزة. أهــــداف نتنياهو الــســيــ­اســيــة كـــانـــت شــفــافــ­ة فـــي هــــذه الــحــالـ­ـة، ونجح في تحقيق غالبيتها. وفي مقدمة هذه األهداف: أوال: صـــيـــان­ـــة الـــتـــح­ـــالـــف الـــحـــك­ـــومـــي وردع وزيــر األمــن القومي إيتمار بن غفير رئيس حـــزب «املــنــعـ­ـة الـــيـــه­ـــوديـــة»، الــــذي أعــلــن قبل أيــام مـن بــدء الــعــدوا­ن أن الـحـزب لـن يصوت في الكنيست مع اقتراحات الحكومة، لغاية اتخاذ خطوات جديدة جدية تعكس أهداف حـكـومـة الـيـمـني تـجـاه الفلسطينين­ي. كذلك طــالــبــ­ت األحــــــ­زاب الــحــريـ­ـديــة بـتـنـفـيـ­ذ بـنـود اتـــفـــا­ق الــتــحــ­الــف بــمــوضــ­وع إعـــفـــا­ء الـشـبـاب املتدين من التجنيد، وسن قانون بهذا الشأن، وطالبت بامليزانيا­ت التي وعدت بها. كل هذا قبيل أقل من شهر على املوعد األخير لتمرير قانون امليزانية العامة في الكنيست. فعا، بعد بدء العدوان، فجر 9 مايو/أيار الحالي، أنهى بن غفير القطيعة مع الحكومة وعاد للتصويت مع الحكومة في الكنيست. وقال إن الـهـجـوم هــو خـطـوة بـاالتـجـا­ه الصحيح لـــفـــرض ســيــاســ­ة حــكــومــ­ة يـمـيـنـيـ­ة مـحـضـة.

تمكن نتنياهو من تحقيق غالبية أهدافه من العدوان

ثـــانـــي­ـــًا: هـــــدف نــتــنــي­ــاهــو إلـــــى تـــرمـــي­ـــم حــالــتــ­ه فــي اســتــطــ­اعــات الــــرأي الـــعـــا­م، بـعـد الـتـراجـع املــــؤلـ­ـــم فــــي األشــــهـ­ـــر األخــــــ­يــــــرة، إذ تـــراجـــ­عـــت شعبية نتنياهو وحـــزب الـلـيـكـو­د بـشـدة في اســـتـــط­ـــاعـــات الـــــــر­أي الــــعـــ­ـام. وتـــوقـــ­عـــت كــافــة االستطاعات تراجع حصة حزب الليكود إلى قرابة 25 مقعدًا، وانهيار قوة أحزاب التحالف إلى نحو 52 مقعدًا، مقابل تصاعد قوة حزب «املــعــسـ­ـكــر الـــرســـ­مـــي» وشــعــبــ­يــة رئــيــســ­ه بني غانتس وحصوله على 28-27 مقعدًا. ثالثًا: أراد نتنياهو وحكومته خفض لهيب االحتجاج السياسي ضد خطة تغيير مكانة السلطة القضائية فـي املجتمع اإلسرائيلي، وحجب األنظار عن االحتجاجات، عن طريق

إشغال املجتمع في حرب ضد غزة، خصوصًا بعد انتهاء فترة األعـيـاد والتوقعات بعودة االحتجاجات إلى الشارع اإلسرائيلي، وعدم حـصـول أي تـقـدم فـي املـحـادثـ­ات القائمة بني حـــزب الـلـيـكـو­د وأحـــــزا­ب املــعــار­ضــة فــي منزل الرئيس إسحاق هرتسوغ. قـــبـــل الــــــعـ­ـــــدوان عـــلـــى غــــــــز­ة، كــــانـــ­ـت الـــعـــو­امـــل الـسـيـاسـ­يـة تـتـطـور بــاتــجــ­اه سـلـبـي مـــن جهة نتنياهو وتعمل لصالح املـعـارضـ­ة. مـن هنا كـــان نـتـنـيـاه­ـو الـــرابــ­ـح األبـــــر­ز بــهــذا الـــعـــد­وان، وحقق إنجازات سياسية وإعامية ورمم من صورته، على األقل أمام ناخبيه وأمام أحزاب التحالف اليمينية. نتائج استطاعات الرأي الـعـام إبــان الـعـدوان وبـعـده تـوضـح أن مكانة نتنياهو تحسنت. وتوقع استطاع لصحيفة «مــعــاريـ­ـف»، نشر فـي 12 مــايــو/أيــار الحالي، ارتفاع مقاعد الليكود، مقارنة باستطاعات ســـابـــق­ـــة، مــــن 25 إلـــــى 72، مـــقـــاب­ـــل 27 مــقــعــدًا لـ«املعسكر الـرسـمـي». وقــال 55 فـي املـائـة من املستطلعني إنهم يثقون باعتبارات نتنياهو في إدارة العدوان. وأشار استطاع للقناة 11، نشر في 14 مايو الحالي، إلى أن 67 في املائة

مــن املستطلعني راضـــون على أداء الحكومة إبان العدوان. وكتب املحلل السياسي شالوم يــروشــلـ­ـمــي، فـــي مــوقــع «وقــــت إســـرائــ­ـيـــل»، أن «الهجوم على غزة أعاد الدماء لوجه نتنياهو ألول مرة منذ إعان خطة وزير القضاء ياريف ليفني في يناير/كانون الثاني املاضي. الـــعـــد­وان عـلـى غـــزة أظــهــر مـــرة أخــــرى أنـــه من السابق ألوانــه نعي نتنياهو أو الحكم عليه بــالــفــ­شــل، أو الــتــكــ­هــن بــــاألحـ­ـــداث املستقبلية فــي الـسـيـاسـ­ة اإلسـرائـي­ـلـيـة. فــدرجــة السيولة والتقلبات في السياسة اإلسرائيلي­ة واملـزاج العام كبيرة جــدًا، ومتعلقة بتطور األحــداث، ويمكن ألحداث فجائية أن تغير الواقع وتقلب املوازين. فقبل شهر من العدوان كان نتنياهو في صراع للبقاء سياسيًا، وجاء العدوان على غزة ليغير املعادالت. وظهر قبل بضعة أشهر أن وزير األمن السابق ورئيس حزب «املعسكر الـــرســـ­مـــي» بــنــي غــانــتــ­س مــقــبــل عــلــى هــاويــة نـهـايـتـه الـسـيـاسـ­يـة، وهـــا هــو يــعــود لـواجـهـة املـــعـــ­ارضـــة، وربـــمـــ­ا ألن يـــكـــون الـــنـــد والــبــدي­ــل الجدي لنتنياهو في انتخابات مقبلة. طبعا كافة هذه التغيرات مؤقتة ومشروطة، وتـتـعـلـق بــالــتــ­طــورات فـــي املـشـهـد الـسـيـاسـ­ي الداخلي واألمـنـي العسكري. نتنياهو يعود اآلن، وبـعـد انـتـهـاء الـــعـــد­وان، إلـــى الـصـراعـا­ت الـــســـي­ـــاســـيـ­ــة الـــروتــ­ـيـــنـــي­ـــة مــــع الــــشـــ­ـركــــاء ومـــع املعارضة، بدءًا من خطة تغيير مكانة السلطة الــقــضــ­ائــيــة، واســــتــ­ــمــــرارًا فـــي إقــــــرا­ر مــيــزانـ­ـيــة الــحــكــ­ومــة واملــشــا­كــل الــتــي يــعــانــ­ي االقــتــص­ــاد اإلسرائيلي منها، مـن غــاء معيشة وارتـفـاع الـــفـــا­ئـــدة الــبــنــ­كــيــة، وتـــوقـــ­عـــات وزارة املــالــي­ــة بتراجع كبير في مداخيل الدولة من الضرائب هذا العام. فإذا استمر الهدوء األمني ستعود هذه املواضيع إلى واجهة املشهد السياسي، بـــالـــت­ـــوازي لــحــركــ­ة االحـــتــ­ـجـــاج الـــتـــي تعطلت بشكل مؤقت إبان العدوان على غزة، وسيعود نـتـنـيـاه­ـو إلــــى إدارة األزمـــــ­ــات. إذًا، الـنـتـائـ­ج السياسية اإليجابية الـتـي حققها نتنياهو من العدوان على غزة، كانت مؤقتة، وستكون مشروطة بالتطورات السياسية واألمنية في األشهر القريبة.

 ?? (مناحيم كهانا/فرانس برس) ?? نجح نتنياهو بتحقيق غالبية أهدافه السياسية
(مناحيم كهانا/فرانس برس) نجح نتنياهو بتحقيق غالبية أهدافه السياسية

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar