ترتيبات لمحادثات مصرية إيرانية جديدة في بغداد
تشهد محاوالت استعادة العالقات املصرية اإليرانية نشاطًا مكثفًا خالل الفترة الراهنة، فـــــي وقــــــت تـــعـــيـــش فـــيـــه املـــنـــطـــقـــة تـــغـــيـــيـــرات واسعة على صعيد العالقات البينية، وسط اتجاه لخفض التوتر بني دول اإلقليم. وفي اإلطـار، كشفت مصادر دبلوماسية مصرية، لـ «لعربي الجديد»، عن أن «لقاء جديدًا - على صعيد الــوســاطــة الـعـراقـيـة - جـــرى الـتـوافـق بشكل مبدئي على عقده مطلع يوليو/تموز املقبل، بني مسؤولي البلدين، على أن يكون أعلى مستوى من اللقاء ات األمنية». وكــــانــــت مــــصــــادر عـــراقـــيـــة رفـــيـــعـــة املــســتــوى كــشــفــت، لـــ«الــعــربــي الـــجـــديـــد»، فـــي 5 مــايــو/ أيــار الحالي، عـن عقد ممثلني عـن الجانبني املــصــري واإليـــرانـــي، لــقــاء فــي بــغــداد، الشهر املـــاضـــي، بــوســاطــة تـبـنـتـهـا حــكــومــة رئـيـس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني. وقــال دبلوماسي مصري، تحدث لـ«العربي الجديد» شريطة عدم ذكر اسمه، إن «الوساطة العراقية، جاءت بعد جهد من جانب سلطنة عمان، التي أخذت زمام املبادرة على صعيد تطوير العالقات بني البلدين». وأكد املصدر أن «التحفظ املصري الــذي كـان مالزمًا مللف الــعــالقــات مــع إيــــران، بـــدأ فــي الــتــراجــع خـالل الـــفـــتـــرة األخـــــيـــــرة، وبـــالـــتـــحـــديـــد فــــي أعـــقـــاب االتــفــاق الـسـعـودي اإليــرانــي على استئناف العالقات بني البلدين». وبحسب الدبلوماسي املصري فـإن القاهرة «مـــنـــفـــتـــحـــة بـــــدرجـــــة أوســــــــع مـــــع مــــحــــاوالت الــوســاطــة الــتــي يــقــوم بـهـا الـــعـــراق وسلطنة عـــمـــان»، مــســتــدركــًا: «لـكـنـهـا فــي الــوقــت ذاتــه ال تــــزال فــي مـرحـلـة اخــتــبــار لـجـديـة طــهــران، ومـا نقله مسؤولون إيرانيون خـالل لقاءات سابقة، بشأن الرغبة في تهدئة األجــواء مع دول املـنـطـقـة»، واصـفـًا مـا يـحـدث فـي الوقت الراهن بأنه «تجاوب حذر». يأتي ذلك، في وقت أعرب فيه وزير الخارجية اإليـــرانـــي حــســني أمــيــر عــبــد الــلــهــيــان، األحـــد املاضي، في مقابلة مع وكالة «إرنا» الرسمية، عن أمله أن تشهد العالقات اإليرانية املصرية «انفراجة جادة». وقــال عضو لجنة األمــن القومي والسياسة الـخـارجـيـة الـبـرملـانـيـة اإليــرانــيــة، فـــدا حسني مالكي، في وقت سابق، إن طهران والقاهرة «تــوصــلــتــا إلـــى اتـــفـــاق خـــالل املــبــاحــثــات في بغداد إلحياء العالقات الدبلوماسية، وإعادة فـتـح الــســفــارات، وأن املـبـاحـثـات تتجه نحو تحقيق ذلك». مـن جـانـبـه، قــال مـصـدر دبـلـومـاسـي مصري آخـــر: «يـمـكـن أن نـتـحـدث فــي الــوقــت الحالي عن تجاوز العالقات املصرية اإليرانية مربع املـــســـتـــوى األمـــنـــي فـــقـــط»، مــضــيــفــًا أن «هـــذا االنتقال في حد ذاته، تطور كبير، خاصة أن ملف العالقات بني البلدين ظل حبيسًا ضمن معادلة إقليمية أوسع». وحول إمكانية عقد اجتماعات على مستوى رئـــيـــســـي الـــبـــلـــديـــن أو وزيــــــــري الـــخـــارجـــيـــة، قـــال الــدبــلــومــاســي املـــصـــري، إن األمــــر «غـيـر مستبعد خالل الفترة املقبلة، ولكنه بأي حال من األحوال، لن يكون قبل يوليو املقبل، وهو املوعد املحدد لالجتماع الثاني بني مسؤولي الــبــلــديــن فـــي بـــغـــداد الســتــكــمــال املــبــاحــثــات
بشأن امللفات ذات االهتمام املشترك». وأشار الدبلوماسي إلـى اللقاء الــذي جمع الرئيس املـــــصـــــري عـــبـــد الــــفــــتــــاح الـــســـيـــســـي، ووزيــــــر الخارجية اإليــرانــي على هامش قمة بغداد 2 التي عقدت في األردن في ديسمبر/كانون األول املاضي، قائال إنه «بالرغم من أنه كان حديثًا عابرًا، إال أنه يمثل تطورًا كبيرًا». وأكــد محمد السعيد إدريـــس، أستاذ العلوم السياسية ورئيس وحدة الدراسات العربية واإلقــــلــــيــــمــــيــــة بـــمـــركـــز األهـــــــــــرام لــــلــــدراســــات السياسية واالستراتيجية في مصر، «وجود معلومات عن اجتماعات على مستوى خبراء أمـنـيـني، وأن هـنـاك وســاطــة عـراقـيـة فــي هـذا األمـر، وأرجـح نجاح هذه الوساطة العراقية فـــي ظـــل مـــواقـــف إيــجــابــيــة إيـــرانـــيـــة فـــي هــذا
دبلوماسي مصري: القاهرة منفتحة مع محاوالت الوساطة
االتجاه». وقال إدريـس: «إذا عادت العالقات مـع إيـــران فــإن هــذا األمــر سيغضب الـواليـات املـــتـــحـــدة وإســــرائــــيــــل، ومـــصـــر بـــحـــاجـــة إلـــى مواقف أكثر جرأة في سياساتها الخارجية، ألن ثـــمـــة تــــحــــوالت فــــي الـــنـــظـــام الـــعـــاملـــي مـن ســـمـــاتـــهـــا أفــــــول أمـــيـــركـــي حـــقـــيـــقـــي، وتـــــورط أوروبي شديد في األزمة األوكرانية، وروسيا والــصــني قــادمــتــان لـقـيـادة نـظـام عـاملـي أكثر عدالة وأكثر ديمقراطية، ومصر بحاجة إلى مراجعة سياساتها والتحرر بدرجة كبيرة من اإلمالء ات والشروط األميركية». وأضـــــــــاف: «أعـــتـــقـــد أن الــــعــــالقــــات املـــصـــريـــة اإليرانية عالقات مهمة جدًا، ويجب أن تعود، وإن مــصــر فـــي حــاجــة للتنسيق مـــع الــقــوى اإلقـلـيـمـيـة، وأن تحسن عـالقـاتـهـا مــع تركيا وإيران». من جهته، قال خبير الشؤون اإليرانية فكري سليم، لـ «العربي الجديد»، إن «تجدد الحديث عــن عــــودة الــعــالقــات املــصــريــة اإليــرانــيــة في هـــذه الـــفـــتـــرات، سـبـبـه الـتـغـيـر فـــي الـخـريـطـة السياسية باملنطقة العربية». واعتبر أن «الـوضـع اآلن مختلف تمامًا عن املــاضــي، وإيــــران مــوجــودة بـشـدة فــي بعض البلدان العربية، وفي يدها أوراق لعب كثيرة يمكن استخدامها في أي وقت، وهي الطرف األقـــــــــــوى..». وأضـــــــاف ســـلـــيـــم: «هــــنــــاك بـعـض الــــرواســــب والـــخـــالفـــات الــقــديــمــة بـــني مصر وإيــــران والــتــي تسببت فــي تــوتــر الـعـالقـات، من بينها إطالق اسم قاتل الرئيس املصري الــــراحــــل مــحــمــد أنــــــور الـــــســـــادات، عـــلـــى أحـــد شوارع إيران وإقامة جدارية له. وهناك أيضًا دعــم إيـــران لبعض الجماعات الـتـي تمارس العنف، الــذي عانت منه مصر لفترة طويلة وكان للجانب اإليراني يد فيه. وبالتالي كان هـنـاك بعض املطالب املصرية أو الضوابط مــن أجـــل املــوافــقــة عـلـى عــــودة الــعــالقــات، من خـــــالل الـــتـــوقـــف عــــن دعـــــم الـــجـــمـــاعـــات الــتــي تمارس العنف، والكف عن التدخل في الشأن الداخلي املصري والعربي». وبـــحـــســـب ســلــيــم فـــإنـــه «لـــــو وافــــــق الــجــانــب اإليراني على هذه املطالب املصرية، وحاول نزع فتيل الخالفات والتخلي عن التدخل في الشؤون الداخلية للمنطقة العربية، وخاصة الخليج، فمصر لـن تـتـردد إطـالقـًا فـي إعــادة العالقات. وأعتقد أن هناك بوادر أن الجانب اإليراني يرغب في عودة العالقات مع مصر». مـــــن جـــهـــتـــه، قــــــال عـــضـــو املـــجـــلـــس املـــصـــري لـــلـــشـــؤون الـــخـــارجـــيـــة، الــســفــيــر رخـــــا أحــمــد حــســن، لـــ«الــعــربــي الــجــديــد» إنـــه «مــنــذ عهد الـــرئـــيـــس املـــصـــري الــــراحــــل حــســنــي مـــبـــارك، وهناك محاوالت إلعادة العالقات مع إيران، لكن كـان دائمًا التيار املتشدد في إيــران هو الذي ال يستجيب إلعادة العالقات». وأضاف: «اآلن الــتــيــار اليميني فــي إيـــــران، والـرئـيـس إبــراهــيــم رئـيـسـي املــقــرب مــن املــرشــد األعـلـى لـــلـــثـــورة اإلســـالمـــيـــة عــلــي خــامــنــئــي هـــو من يبادر بالرغبة في إعادة العالقات».