أزمة الغذاء وابتزاز روسيا المتواصل

قبل حلول مساء أمس، عاد العالم إلى املربع األول أو نقطة الصفر في قضية تأمني الغذاء والحبوب لعشرات الدول التي تعاني فجوة غذائية ملحوظة وعدم توافر سيولة دوالرية لشراء السلع الغذائية. وبات املاليني يضعون أيديهم على قلوبهم خوفا من اندالع أزمة غذاء عاملية جديدة تصاحبها قفزات في أسعار الحبوب بما فيها القمح والذرة والشعير والزيوت النباتية. وسبب الذعر هو قرار روسيا إنهاء العمل باتفاق تصدير الحبوب عبر املوانئ األوكرانية املطلة على البحر األسود، وهو االتفاق الذي رعته تركيا واألمم املتحدة 3 مرات من قبل، وضمن تدفق حبوب أوكرانيا ألسواق العالم، وهو ما ساهم في تهدئة أسعار الغذاء بعد أن شهدت قفزات كبيرة عقب اندالع حرب أوكرانيا في فبراير ،2022 ومحاصرة روسيا موانئ أوكرانيا على البحر األسود وتلغيمها، ومنع خروج سفن الحبوب لألسواق. وألن روسيا تدرك حساسية ملف الغذاء والحبوب لدول العالم، وأهمية قمحها وأوكرانيا في تموين األسواق املختلفة باعتبار الدولتني أكبر مصدرين للقمح في العالم، فقد أعلنت موسكو قبل أيام انسحابها من اتفاق الحبوب وعدم رغبتها في تمديده، وأنها لن تسمح بمرور السفن األوكرانية ألسواق العالم بعد انتهاء املهلة الحالية اليوم الخميس. ومن هنا تعقدت األزمة مرة أخرى في ظل محاولة روسيا فرض شروطها على الغرب مقابل تسوية امللف، ومنها شروط تتعلق بتخفيف العقوبات الغربية املفروضة عليها، وتخفيف القيود املفروضة على صادراتها من األسمدة والحبوب واملنتجات الغذائية، كما رفعت موسكو سقف املطالب هذه املرة مقابل السماح بمرور شحنات الحبوب األوكرانية، ومنها إزالة معوقات تأمني السفن الروسية والوصول إلى املوانئ األجنبية، وإلغاء تجميد أصول شركات روسية موجودة في الخارج. زاد من تعقيد األزمة اعالن متحدث باسم األمم املتحدة صباح أمس مغادرة آخر سفينة حبوب ميناء أوكرانيا بموجب اتفاق الحبوب. تركيا املشغولة بالجولة الثانية من االنتخابات الرئاسية دخلت وبسرعة على خط تسوية األزمة ومحاولة تجديد االتفاق، وبالفعل خرج الرئيس التركي أردوغان وأعلن تمديد اتفاق البحر األسود لتصدير الحبوب األوكرانية ملدة شهرين، لكن تظل الفترة قصيرة مقارنة بالفترات السابقة والتي تراوحت بني 60 120و يوما، وتظل أسواق الحبوب على أعصابها طاملا استمر احتالل روسيا ألوكرانيا، وستظل األزمة تطل علينا من وقت آلخر ما دامت موسكو ترفع سالح القمح في وجه العالم من وقت آلخر، وتتعامل مع امللف على أنه قضية سياسية ال إنسانية.