تمديد اتفاق الحبوب
الغذاء األوكراني يتدفق لشهرين... وغموض حول استدامة الممرات
تنفست أسواق الحبوب العالمية الصعداء بعد إعالن مفاجئ لتمديد اتفاق تصدير الحبوب األوكرانية عبر البحر األسود في الساعات األخيرة قبل انقضاء مدة التمديد الثالثة المتفق عليها بين موسكو وكييف، اليوم الخميس
أعلن الرئيس التركي رجـب طيب أردوغـــان الــذي تتوسط بــاده في اتفاق تصدير الحبوب بني روسيا وأوكرانيا عبر البحر األسود، تمديد الصفقة ملدة شهرين، وذلـك قبل ساعات من انقضاء االتفاق الذي جرى تمديده ثاث مرات قبل أن تنقضي آخرها، اليوم الخميس، ما أثار قلقًا واســعــًا فــي األســــواق العاملية ولـــدى البلدان املستوردة من تجدد أزمة اإلمدادات وارتفاع األســــعــــار حـــــال عـــــدم الـــتـــوصـــل إلـــــى تــســويــة تسمح باستمرار تدفق الحبوب. وقـــال أردوغـــــان: «بـجـهـود بـلـدنـا، وبــدعــم من أصـــدقـــائـــنـــا الــــــروس ومــســاهــمــة أصــدقــائــنــا األوكرانيني، تقرر تمديد اتفاق حبوب البحر األســـــــود، ملــــدة شــهــريــن إضـــافـــيـــني». وأكــــدت
متحدثة بـاسـم الـخـارجـيـة الـروسـيـة تمديد اتــــفــــاق الـــبـــحـــر األســـــــود لــتــصــديــر الـــحـــبـــوب. ويسمح االتــفــاق بالتصدير اآلمـــن للحبوب األوكـرانـيـة عبر مـوانـئ البحر األســـود وكـان من املقرر أن ينتهي الخميس. وجاء اإلعان عــــن الـــتـــمـــديـــد مــــن جـــانـــب أنــــقــــرة ومـــوســـكـــو، بـــعـــدمـــا غـــــــادرت آخـــــر ســفــيــنــة حـــبـــوب مــيــاه أوكرانيا، أمـس األربـعـاء، بمقتضى التمديد الـــثـــالـــث الـــــــذي يــنــتــهــي فــــي 18 مــــايــــو/أيــــار الـجـاري، وفـق األمـم املتحدة. وتأخر اإلعـان عــــن هـــــذه الـــخـــطـــوة رغـــــم إجـــــــراء مـــفـــاوضـــات استمرت ألسابيع بني موسكو وكييف، حيث تتمسك روسيا بمطالب يراها الغرب بمثابة «لي ذراع» من أجل كسر العقوبات املفروضة عـلـيـهـا مــنــذ غــــزو أوكـــرانـــيـــا نــهــايــة فــبــرايــر/ شباط من العام املاضي. ويأتي التمديد هذه املرة في ظروف معقدة، إذ تشهد فيه املــمــرات البديلة غلقًا مـن قبل العديد من حلفاء كييف األوروبـيـني حفاظًا عـلـى أســواقــهــم واملـــزارعـــني فــي بــلــدانــهــم، ما منح موسكو أوراق ضغط إضـافـيـة لفرض شــروطــهــا لـتـمـديـد االتــــفــــاق. وتـــرفـــع روســيــا خـمـسـة مـطـالـب مــن أجـــل الــســمــاح لشحنات الـــحـــبـــوب األوكــــرانــــيــــة بــــاملــــرور عـــبـــر الــبــحــر األســـــــود، تـتـمـثـل فـــي إعــــــادة ربــــط مـصـرفـهـا املتخصص بالزراعة «روس سيل خوز بنك» بنظام سويفت املصرفي الدولي، واستئناف عـــمـــلـــيـــات تـــــوريـــــد اآلالت الـــــزراعـــــيـــــة وقـــطـــع الغيار إليها، وإزالـــة معوقات تأمني السفن والـــوصـــول إلـــى املــوانــئ األجـنـبـيـة، وتجميد أصـــــول شـــركـــات روســـيـــة مــرتــبــطــة بـالـقـطـاع الـــزراعـــي مــوجــودة فــي الـــخـــارج، واستئناف تشغيل خط أنابيب تولياتي-أوديسا الذي يــربــط روســـيـــا بــأوكــرانــيــا ويـسـمـح بتسليم األمونيا وهو مكون كيميائي يستخدم على نطاق واسع في الزراعة. وقبل ساعات من إعان الرئيس التركي تمديد االتــــفــــاق، قـــالـــت املــتــحــدثــة بـــاســـم الــخــارجــيــة الــروســيــة، مــاريــا زاخـــاروفـــا، فــي تصريحات لقناة «زفيزدا» الروسية، أمس، إن «موسكو لن تتراجع عن شروط الوفاء بصفقة الحبوب»، مضيفة أن تنفيذ االتفاقية مرهون بحماية مــصــالــح روســـيـــا، وسـتـسـتـنـد عـمـلـيـة اتــخــاذ القرار على هذه الفرضية. ولدى سؤالها عما إذا كانت الصفقة ستمدد أوضحت زاخاروفا «دع خــبــراءنــا يـنـهـون عملهم، ومـــع ذلـــك، لن يكون هناك تراجع عن املطالب التي قدمتها بادنا، والتي تم تضمينها في تلك االتفاقات ومـوثـقـة مــن قبل الـجـانـبـني.. لــن يـكـون هناك تراجع عن هذه البنود، ألنها جزء من الصفقة الــشــامــلــة». وقـبـلـهـا بـــيـــوم، أشـــــارت املـتـحـدثـة بـــاســـم الــخــارجــيــة الـــروســـيـــة إلــــى أن بــادهــا ال تستبعد إنــهــاء الـعـمـل بـاالتـفـاقـيـة، وعــزت ذلـــك إلـــى ضبابية الــوضــع حـــول مستقبلها. وتـوسـطـت األمـــم املـتـحـدة وتـركـيـا فــي اتـفـاق الـــحـــبـــوب عـــبـــر مــــوانــــئ الـــبـــحـــر األســــــــود فـي
يوليو/تموز لفترة مبدئية مدتها 120 يومًا، لـلـمـسـاهـمـة فـــي مــواجــهــة أزمـــــة غـــــذاء عـاملـيـة تـفـاقـمـت بـسـبـب الـــغـــزو الـــروســـي ألوكــرانــيــا، أحـــــد أكـــبـــر مـــــصـــــدري الـــحـــبـــوب فــــي الـــعـــالـــم. ووافقت موسكو على التمديد ملدة 120 يومًا إضافية في نوفمبر/تشرين الثاني املاضي، لكنها وافــقــت فــي مــــــارس/آذار عـلـى تمديده 60 يومًا فقط حتى 18 مايو/أيار 2023 لحني تلبية قـائـمـة الـطـلـبـات املتعلقة بـصـادراتـهـا الــزراعــيــة. وإلقــنــاع روســيــا فــي يوليو/تموز 2022 بالسماح بتصدير الحبوب من البحر األســـــــود، وافـــقـــت األمـــــم املـــتـــحـــدة فـــي الــوقــت نـفـسـه عــلــى مــســاعــدة مــوســكــو فـيـمـا يتعلق بشحناتها الزراعية ملـدة ثـاث سـنـوات. لكن موسكو أكـدت مــرارًا أنه ال يـزال هناك الكثير من بنود االتفاق لم يتم تنفيذها. وفي حني ال تخضع الصادرات الروسية من املواد الغذائية واألسمدة للعقوبات الغربية الــتــي فــرضــت فــي أعــقــاب غـــزو أوكــرانــيــا في فبراير/شباط من العام املاضي، فإن موسكو تقول إن القيود على املدفوعات والخدمات الــلــوجــســتــيــة والـــتـــأمـــني تــشــكــل عــائــقــا أمـــام الـشـحـنـات. وقـــد مـكـن االتــفــاق حـتـى اآلن من تصدير أكثر من 27 مليون طن من املنتجات الــــزراعــــيــــة، مـــا ســـاهـــم فـــي تــهــدئــة األســـعـــار، بينما كـانـت أســعــار الـحـبـوب قــد قـفـزت إلـى مـسـتـويـات غـيـر مسبوقة فــي أعــقــاب انـــدالع الـــحـــرب. ويـــهـــدف االتـــفـــاق إلــــى مــنــع حـــدوث أزمة غذاء عاملية من خال السماح بتصدير الحبوب األوكـرانـيـة بـأمـان مـن ثاثة موانئ أوكــــرانــــيــــة. وبــيــنــمــا نــجــحــت أوكــــرانــــيــــا إلـــى حــد كـبـيـر فــي خـلـق مــمــرات بـديـلـة للحبوب عبر البلدان األوروبـيـة املـجـاورة، إال أن هذه املمرات تسببت في أزمات داخلية لحكومات الـعـديـد مــن الـبـلـدان مــا دفعها إلــى إغاقها، رغـــم اعـــتـــراض االتـــحـــاد األوروبــــــي وسخطه مـن هــذه الـخـطـوات، وهــو مـا يضع أوكرانيا وحلفاءها الغربيني فـي موقف أكثر ضعفًا خال التفاوض مع روسيا على اتفاق تمديد الـتـصـديـر عـبـر الـبـحـر األســــود، والــتــي تبدو «أكثر قوة» من ذي قبل وفق محللني. وفـي إبـريـل/ نيسان املاضي حظرت بولندا واملجر وسلوفاكيا واردات الحبوب واألغذية األخرى من أوكرانيا املجاورة لحماية القطاع الزراعي املحلي، وكذلك أعلنت دول أخرى في أوروبا الشرقية أنها تبحث إجراء ات مماثلة. وتـــمـــر صـــــــادرات الـــحـــبـــوب األوكــــرانــــيــــة عبر االتــحــاد األوروبــــي لــدى توجهها إلــى بلدان أخــــرى مــنــذ أدى الـــغـــزو الـــروســـي إلــــى خنق املـــــمـــــرات الـــتـــقـــلـــيـــديـــة الــــتــــي تـــعـــتـــمـــد عـلـيـهـا أوكـــرانـــيـــا فـــي الــبــحــر األســـــــود. لــكــن نتيجة صـعـوبـات لوجستية، تـتـكـدس الـحـبـوب في الـــبـــلـــدان األوروبـــــيـــــة، مـــا يـــــؤدي إلــــى تــراجــع األسعار فيها، وهو ما أدى إلى احتجاجات فـــي صــفــوف املــــزارعــــني فـــي الــعــديــد مـــن دول الجوار، وال سيما في بولندا التي أدت فيها االحتجاجات إلى استقالة وزير الزراعة. وقــال سيباستيان أبيس الباحث الفرنسي املــــــشــــــارك فــــــي مـــعـــهـــد الـــــعـــــاقـــــات الــــدولــــيــــة واالستراتيجية ،)IRIS( إن الـرفـض األخير لــبــعــض الـــبـــلـــدان األوروبـــــيـــــة مــنــهــا بــولــنــدا وبلغاريا واملجر، السماح باستيراد الحبوب األوكــرانــيــة عبر أراضــيــهــا، مـوقـف «مفهوم» ملـــواجـــهـــة املـــنـــافـــســـة مــــن املـــنـــتـــجـــات املــعــفــاة مــن الـــرســـوم الـجـمـركـيـة، ولـكـنـه أيــضــا «غير مقبول» ألنه قرار من جانب واحد.