Al Araby Al Jadeed

حكمة أن تتأّمل اسَمك

- عبد الحكيم حيدر

اسمك، ذلك الذي التصق بك مثل جلدك، أو ابتسامتك، أو ضحكتك، أو نكدك أو حظك أحيانا، اسمك ذلك الخفيف على لسان من سماك، فألصقه بك في لحظة دالل وفخر، كي يتفاخر بك أو بجده أو عشيرته، أو بأسد رآه في جبال اليمن حينما كان جنديا هناك، أو أي شيء آخر. اسمك ذلك الذي الزمك عمرا وما زال يالزمك في كل أوراقك وأمالكك البسيطة املعدودة أو شهادات نجاحك املتواضعة، وبــه تـعـرف أو تــنــادى، ســـواء أكـنـت عبقريا أم رجــال عـاديـا أم تـاجـر جـلـود من «أرمنت»، أم رجال بسيطا ال يمتلك سوى «دوالب شعرية»؛ يعمل به في مواسم حصاد القمح، وسـواء أكـان اسمك رامبو الـذي جاب اآلفـاق ومأل أكثر من قرن باملروق والحداثة، وكـاد أن يموت مجهوال في عـدن، لوال النهاية واملــرض، فمأل قرنا بالكتب عنه والتعليقات، فقرأ الناس «رامبو وزمن القتلة»، وغيره وصار أيقونة شعرية ملائة سنة؛ مارق عبر شابا من غرب جنوب أوروبا فارا إلى جنوب الجزيرة العربية، فصنع لؤلؤة عذابه هناك، وأدخـل إلى جسم الشعر هوسا ال ينسى أبدا، وعاد بعذابات نهايته. اسمك الذي صاحب فتى يتيما من قريش، فكان محمدا صلى الله عليه وسلم، والذي مأل البيوت فيما بعد على مدار أكثر من 14 قرنا بماليني األسماء على اسمه نفسه، وصــارت له املـدائـح والسير في ماليني املساجد ولهجت األلسنة باسمه في كل بالد الله. اسمك الذي كان حماال للعذاب والصبر بعد مقتل أربعة أخوة لها، فكانت هي «الخنساء»، وكان الشعر على لسانها داميا وحزينا وأنيسا مع ذلـك املصاب الجلل، وحفظتها كتب العرب، وصــارت أيقونة لصبر العربية على مصابها. اسمك الذي صاحب الشعر، فكان محمد إقبال، وصاحب الرواية، فكان نجيب محفوظ، وصاحب «الكرمة»، فكانت «كرمة ابن هانئ» وواحة املتعة والقريض واملجالسة، وانطالق صوت الغناء من بني شفتي أم كلثوم حائرا، وظل الشاعر هناك حائرا في أمر تفسير الفم واملالمسة، بالقول: «هل المست فاها؟»، ومال طربوش فتى جميل فوق شعر الحاجب وغنى، فكانت انطالقة محمد عبد الوهاب، والذي تّمت محاولة عسكرة حنجرته، بعدما تنازل عن الطربوش لأليام، ومـا عـاد الحاجب يفنت الـغـزاالت في «عـش البلبل»، فكان هو اللواء محمد عبد الوهاب، فماذا تركت الحروب، والدبابات، على جبني الفن سوى ندوب التأميمات، واالستحواذ جبرا على ورود الفن بمسميات ثقيلة بقصد مشاركة الجماهير عنوة في االسم. اسمك الذي صار في عالم العرب حماال للمروءة والكرم ومعزة الضيف مهما كان بعيدا أو غريبا أو فقيرا أو غنيا، فكان حاتم الطائي وقد صار مضربا لألمثال في الكرم في وديان العرب والواحات والسكك وأطراف القرى البعيدة املوحشة، حتى وإن سكنتها الوحوش أو قطاع الطرق واللصوص والقتلة أو من يهرب من العدالة أو الدم أو الثأر، وتوالدت في الليل األسماء كأدهم الشرقاوي أو خط الصعيد» أو بدران، فكانت الحكايات واملواويل حتى وإن مال االسم إلى العشق والغناء كما في «حسن ونعيمة»، وكأن سيرة بني هالل هي األخرى تـتـفـّرع منها فسائل أخــرى للغناء والـعـشـق والـتـرحـا­ل وراء الـــرزق واملــواوي­ــل وجمع أطراف السير. اسمك الذي جاءك سهوا ليال أو نهارا من بني شفتي أم أو أب أو خال أو عم أو جدة اشتاقت لسيرة والدها، فألصقته بك وأنت ما زلت مشبوكا باملشيمة، فحملت ما ال تحتمله من هموم وأفضال ال تستطيع تحّمل تبعاتها فـي دنيا تتغير فـي كـل يـوم وليلة. اسمك الــذي إن ذكـر فـي «مندبة» كّرت دموع األرامل له إن كان لك ذلك الباع في الشجاعة مثل عنترة العبسي، أو إن كان يحمل في سيرته ذنب خيانة «كبدران صديق أدهم الشرقاوي»، أو قاتل في الفجر غدرا بعد صالة «كابن ملجم»، أو كان من حرفني لينني وعذب العشاق من أصحاب األقالم في الشرق، كمي زيادة، ووزعت هي األخرى من كبدها رحيقا لـألقـالم، أو أعـطـت مـن قبالتها لكل مـن يشتهي، كـــوالدة بنت املستكفي، في عز صولجان العشق باألندلس، ذلك االسـم الـذي يمشي وراء كل حي أو ميت كغمامة تغطيه، مرة خالل عمره، ومرات من خالل التوالد في الكتب أو املجالس.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar