Al Araby Al Jadeed

األزمة الليبية واالنسداد المتجدد

- الفيتوري شعيب

ال يــنــتــه­ــي أمــــل الــلــيــ­بــيــني فـــي الــحــصــ­ول عــلــى أبـــســـط حــقــوقــ­هــم الـــتـــي اكـتـسـبـو­هـا من ثورتهم في 17 فبراير/ شباط ،2011 من تحقيق دولـة مدنية جديدة، تتحقق فيها مقومات الدولة الناجحة، والسلطة الرشيدة، إال أن هـذا األمـل ال يـزال يـراوح مــكــانــ­ه، بـــل وكــلــمــ­ا ســطــع شـــعـــاع يـضـيء الـــــدرب لـحـقـتـه هـــبـــات مـــن الـــظـــا­م تــجــره إلـــى الــــــور­اء، وكــــأن األيـــــد­ي الـخـفـيـة تـريـد لـهـذا البلد مــزيــدا مــن الـبـقـاء فـيـه، البقاء في تشتت سلطوي، واختاف مؤسسي، وانــــقــ­ــســــام داخــــــل­ــــــي، وتــــــعـ­ـــــدد لـــأجـــس­ـــام الحاكمة فـي الـبـاد، ال بسلطة الشرعية الـــحـــق­ـــيـــقــ­ـيـــة، الــــتـــ­ـي تـــرتـــض­ـــيـــهــ­ـا الـــقـــا­عـــدة الشعبية، بــل بسلطة األمـــر الــواقــع التي تدور في فلك مغلق منذ سنوات وسنوات. أخيرا، ومنذ ما يقرب من سنتني، حاول بعض املخلصني الدفع إلـى تجديد هذه األجــســا­م، إال أن الـفـاعـل الــداخــل­ــي، ومعه الـــعـــا­مـــل الــــخـــ­ـارجــــي، كـــانـــا أقــــــوى مــــن أي تغيير. وبالتالي، رجعت الـدائـرة إلـى ما هــي عليه بـعـد فـشـل االنـتـخـا­بـات فــي 24 ديسمبر/ كـانـون األول .2021 وكــاد هذا املـوعـد أن ينجح لــوال العامل الخارجي، الــــذي يـحـمـل فـــي أبـــعـــا­ده أطـــــرًا أبــعــد من تــــجــــ­ديــــد هـــــــذه األجــــــ­ســــــام الـــــتــ­ـــي يــســعــى الــلــيــ­بــيــون إلـــــى اســـتـــب­ـــدالـــه­ـــا، بــــل انـتـهـى زمنها، انتهى عما وحتى إرادة وفعا، يـحـمـل أبـــعـــا­دًا دولـــيـــ­ة وإقــلــيـ­ـمــيــة أقــــل ما يــقــال عنها إن لـهـا مصلحة فــي الـوضـع الــحــالـ­ـي، وإن أي تغيير ال يــــروق لـهـا ال يجب أن يكون! والــــيــ­ــوم، وبـــعـــد هــــذه الـــســـن­ـــوات، ال يـــزال الــوضــع الـداخـلـي يـــدور فــي الفلك نفسه، فــلــك الــبــرمل­ــان واملــجــل­ــس األعـــلــ­ـى لــلــدولـ­ـة، الذي لم يستطع أن يقدم قانونا انتخابيا يجري بمقتضاه تجديد هــذه األجـسـام، وهــــذا فــي حــد ذاتــــه قــد يـفـهـم مــن مفهوم املخالفة، بأن الذي في املشهد ال يستساغ عـــقـــا أن يـــمـــهـ­ــد الــــطـــ­ـريــــق لـــجـــسـ­ــم يــأتــي يخلفه، خصوصا في مرحلة استقطابية حاده من عمر الدولة الليبية. يـسـتـذكـر الـلـيـبـي­ـون لـجـنـة حــــوار جنيف

ذات الــــــ57 عــضــوًا جـــيـــدًا، والـــتـــ­ي أنـتـجـت املـــجـــ­لـــس الــــرئــ­ــاســــي الــــجـــ­ـديــــد وحـــكـــو­مـــة الـــوحـــ­دة الــوطــنـ­ـيــة، لــتــكــو­ن الـــيـــو­م مـاثـلـة أمـامـهـم بـطـريـقـة أخــــرى، وبـمـهـام أخـــرى، وهـــي لـجـنـة 6+6 مـــن الــبــرمل­ــان واملـجـلـس األعـــلــ­ـى لــلــدولـ­ـة، تـعـمـل عــلــى الــجــمــ­ع بني مختلف األطـــــر­اف الليبية املـعـنـيـ­ة، بمن فيهم ممثلو املؤسسات السياسية وأبرز الشخصيات السياسية وزعماء القبائل، ومــنــظــ­مــات املــجــتـ­ـمــع املـــدنــ­ـي، واألطـــــ­راف األمـــــن­ـــــيــــ­ـة الـــــفــ­ـــاعـــــ­لـــــة. وبــــــاإ­لضــــــاف­ــــــة إلــــى اضطاعها بتيسير اعتماد إطار قانوني وجـــدول زمـنـي مـلـزم إلجـــراء االنتخابات في .2023 وإن كـان هـذا التأطير عرضته الـبـعـثـة األمــمــي­ــة فـــي لـيـبـيـا أمــــام مجلس األمن في 27 فبراير/ شباط ،2023 ليكون واقعًا، إال أنه لم يتقدم قيد أنملة، وإن كان الحديث فـي فبراير املـاضـي عـن خريطة طريق جديدة هناك تناغم دولي بشأنها، وهـــذا مـا كــان جليا وواضــحــا فـي جلسة مجلس األمن أخيرا، حيث إن أغلب الدول املتداخلة فـي األزمـــة الليبية تتجه نحو هــــذا املــنــحـ­ـى ودعـــــم هــــذا املـــقـــ­تـــرح، إال أن الفتور الحاصل اآلن يشكك في جدية هذه الخريطة، واألدوات التي استعملت فيها، ومن ضمنها هذه اللجنة التي، بالنسبة إلــى كثيرين، مــا هــي إال تــكــرار للماضي الذي أثبث فشله. وفـــــي املـــجـــ­مـــل، ال تــــــزال املــــقــ­ــدمــــات الــتــي اتــخــذت فــي الــســنــ­وات املــاضــي­ــة حـاضـرة بكل أبعادها. وبالتالي، فإن الحديث عن نتائج مختلفة ضمن هذا النهج لن يكون، واأليــــا­م تـتـسـارع وحـتـى الـشـهـور لتثبت ذلـــك، بسيناريو متكرر ونسخة محدثة يصنعها ويرتضيها مـن كــان سببا في األزمــــة بـطـريـقـة أو أخــــرى، وبـالـتـال­ـي، قد يضطر كثيرون (أشخاص، ومؤسسات، وغــيــرهـ­ـم) لتغيير حـديـثـهـم عــن تجديد السلطة التشريعية فـي الـبـاد ليس في نهاية 2023 بـل ربـمـا فـي 2024 أو حتى أبــعــد مــن ذلـــك، وربــمــا لــن يــكــون التبرير هذه املـّرة بوجود «قـوة قاهرة»، بقدر ما هو تبرير للبقاء في املشهد ممن يراد له أن يؤسس لدولة القانون واملؤسسات!

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar