األزمة الليبية واالنسداد المتجدد
ال يــنــتــهــي أمــــل الــلــيــبــيــني فـــي الــحــصــول عــلــى أبـــســـط حــقــوقــهــم الـــتـــي اكـتـسـبـوهـا من ثورتهم في 17 فبراير/ شباط ،2011 من تحقيق دولـة مدنية جديدة، تتحقق فيها مقومات الدولة الناجحة، والسلطة الرشيدة، إال أن هـذا األمـل ال يـزال يـراوح مــكــانــه، بـــل وكــلــمــا ســطــع شـــعـــاع يـضـيء الـــــدرب لـحـقـتـه هـــبـــات مـــن الـــظـــام تــجــره إلـــى الــــــوراء، وكــــأن األيـــــدي الـخـفـيـة تـريـد لـهـذا البلد مــزيــدا مــن الـبـقـاء فـيـه، البقاء في تشتت سلطوي، واختاف مؤسسي، وانــــقــــســــام داخــــــلــــــي، وتــــــعــــــدد لـــأجـــســـام الحاكمة فـي الـبـاد، ال بسلطة الشرعية الـــحـــقـــيـــقـــيـــة، الــــتــــي تـــرتـــضـــيـــهـــا الـــقـــاعـــدة الشعبية، بــل بسلطة األمـــر الــواقــع التي تدور في فلك مغلق منذ سنوات وسنوات. أخيرا، ومنذ ما يقرب من سنتني، حاول بعض املخلصني الدفع إلـى تجديد هذه األجــســام، إال أن الـفـاعـل الــداخــلــي، ومعه الـــعـــامـــل الــــخــــارجــــي، كـــانـــا أقــــــوى مــــن أي تغيير. وبالتالي، رجعت الـدائـرة إلـى ما هــي عليه بـعـد فـشـل االنـتـخـابـات فــي 24 ديسمبر/ كـانـون األول .2021 وكــاد هذا املـوعـد أن ينجح لــوال العامل الخارجي، الــــذي يـحـمـل فـــي أبـــعـــاده أطـــــرًا أبــعــد من تــــجــــديــــد هـــــــذه األجــــــســــــام الـــــتـــــي يــســعــى الــلــيــبــيــون إلـــــى اســـتـــبـــدالـــهـــا، بــــل انـتـهـى زمنها، انتهى عما وحتى إرادة وفعا، يـحـمـل أبـــعـــادًا دولـــيـــة وإقــلــيــمــيــة أقــــل ما يــقــال عنها إن لـهـا مصلحة فــي الـوضـع الــحــالــي، وإن أي تغيير ال يــــروق لـهـا ال يجب أن يكون! والــــيــــوم، وبـــعـــد هــــذه الـــســـنـــوات، ال يـــزال الــوضــع الـداخـلـي يـــدور فــي الفلك نفسه، فــلــك الــبــرملــان واملــجــلــس األعـــلـــى لــلــدولــة، الذي لم يستطع أن يقدم قانونا انتخابيا يجري بمقتضاه تجديد هــذه األجـسـام، وهــــذا فــي حــد ذاتــــه قــد يـفـهـم مــن مفهوم املخالفة، بأن الذي في املشهد ال يستساغ عـــقـــا أن يـــمـــهـــد الــــطــــريــــق لـــجـــســـم يــأتــي يخلفه، خصوصا في مرحلة استقطابية حاده من عمر الدولة الليبية. يـسـتـذكـر الـلـيـبـيـون لـجـنـة حــــوار جنيف
ذات الــــــ57 عــضــوًا جـــيـــدًا، والـــتـــي أنـتـجـت املـــجـــلـــس الــــرئــــاســــي الــــجــــديــــد وحـــكـــومـــة الـــوحـــدة الــوطــنــيــة، لــتــكــون الـــيـــوم مـاثـلـة أمـامـهـم بـطـريـقـة أخــــرى، وبـمـهـام أخـــرى، وهـــي لـجـنـة 6+6 مـــن الــبــرملــان واملـجـلـس األعـــلـــى لــلــدولــة، تـعـمـل عــلــى الــجــمــع بني مختلف األطـــــراف الليبية املـعـنـيـة، بمن فيهم ممثلو املؤسسات السياسية وأبرز الشخصيات السياسية وزعماء القبائل، ومــنــظــمــات املــجــتــمــع املـــدنـــي، واألطـــــراف األمـــــنـــــيـــــة الـــــفـــــاعـــــلـــــة. وبــــــاإلضــــــافــــــة إلــــى اضطاعها بتيسير اعتماد إطار قانوني وجـــدول زمـنـي مـلـزم إلجـــراء االنتخابات في .2023 وإن كـان هـذا التأطير عرضته الـبـعـثـة األمــمــيــة فـــي لـيـبـيـا أمــــام مجلس األمن في 27 فبراير/ شباط ،2023 ليكون واقعًا، إال أنه لم يتقدم قيد أنملة، وإن كان الحديث فـي فبراير املـاضـي عـن خريطة طريق جديدة هناك تناغم دولي بشأنها، وهـــذا مـا كــان جليا وواضــحــا فـي جلسة مجلس األمن أخيرا، حيث إن أغلب الدول املتداخلة فـي األزمـــة الليبية تتجه نحو هــــذا املــنــحــى ودعـــــم هــــذا املـــقـــتـــرح، إال أن الفتور الحاصل اآلن يشكك في جدية هذه الخريطة، واألدوات التي استعملت فيها، ومن ضمنها هذه اللجنة التي، بالنسبة إلــى كثيرين، مــا هــي إال تــكــرار للماضي الذي أثبث فشله. وفـــــي املـــجـــمـــل، ال تــــــزال املــــقــــدمــــات الــتــي اتــخــذت فــي الــســنــوات املــاضــيــة حـاضـرة بكل أبعادها. وبالتالي، فإن الحديث عن نتائج مختلفة ضمن هذا النهج لن يكون، واأليــــام تـتـسـارع وحـتـى الـشـهـور لتثبت ذلـــك، بسيناريو متكرر ونسخة محدثة يصنعها ويرتضيها مـن كــان سببا في األزمــــة بـطـريـقـة أو أخــــرى، وبـالـتـالـي، قد يضطر كثيرون (أشخاص، ومؤسسات، وغــيــرهــم) لتغيير حـديـثـهـم عــن تجديد السلطة التشريعية فـي الـبـاد ليس في نهاية 2023 بـل ربـمـا فـي 2024 أو حتى أبــعــد مــن ذلـــك، وربــمــا لــن يــكــون التبرير هذه املـّرة بوجود «قـوة قاهرة»، بقدر ما هو تبرير للبقاء في املشهد ممن يراد له أن يؤسس لدولة القانون واملؤسسات!