صيد األسماك في اإلسكندرية... هواية ومهنة
عالقة قوية تربط العديد من أهالي اإلسكندرية بالبحر. من هنا، يقبل كثيرون على صيد األسماك كهواية وفرصة إلعالة األسر في اآلن نفسه
عــنــد الــــشــــروق، يــجــلــس املــتــقــاعــد عــرفــة عــبــد الـــرســـول 63( عـــامـــا) عــلــى صـخـور الشاطئ فـي منطقة السيالة فـي بحري بـــاإلســـكـــنـــدريـــة شـــمـــالـــي مــــصــــر، رامـــيـــا صنارة بدائية صغيرة في مياه البحر. ال يرفع عينيه عنها وينتظر أن تلتقط إحــــــدى األســــمــــاك الـــطـــعـــم، لــيــصــطــادهــا بسرعة وفرح. طقوس باتت من يومياته كـونـه يـهـوى صـيـد األســمــاك حـالـه حـال كثيرين. بعض هــؤالء ينتظمون ضمن مجموعات للمحترفني وأخـــرى للهواة. يجمعهم الصيد لكونه متنفسا حقيقيا بــالــنــســبــة إلـــيـــهـــم ومــــصــــدر رزق لــلــذيــن يعتمدون عليه كمهنة. يـــقـــول عـــرفـــة: «أعــــشــــق الــصــيــد مـــذ كنت طـــفـــال. اعـــتـــدت عــلــى الـــذهـــاب مـــع والـــدي وأشــــقــــائــــي إلـــــى املــــكــــان نـــفـــســـه كــــل يـــوم جــمــعــة لــنــصــطــاد ونـــتـــنـــافـــس ونــقــضــي وقتا ممتعا. كانت الساعات تمر وكأنها دقائق». يضيف: «بعد وفاة والدي وأحد أشـــقـــائـــي وتـــقـــاعـــدي، أصــبــحــت مـــداومـــا على هـوايـتـي بشكل يـومـي مـع شقيقي األكبر. الصيد قادر على تحسني الحالة الــنــفــســيــة واملـــزاجـــيـــة، وقـــتـــل الـــوقـــت في عمل مفيد بدال من الجلوس في املقاهي واالنخراط في أحاديث غير نافعة، وما يـتـبـعـه مـــن مـــصـــاريـــف». يــتــابــع: «أجـــرب مــخــتــلــف األمــــاكــــن املــخــصــصــة لـلـصـيـد عـــلـــى امـــــتـــــداد كـــورنـــيـــش اإلســـكـــنـــدريـــة، وخصوصا فـي األمـاكـن الصخرية مثل كوبري ستانلي ولـــوران، باإلضافة إلى الشواطئ الرملية شرق املدينة. إال أنني ال أجــد متعتي إال فــي املــكــان ذاتـــه الــذي اعتدت عليه في السيالة ببحري». وعــن حصيلة الصيد اليومي، يقول إن األمر ليس ثابتا لناحية العدد والحجم واألنــــواع، «لكنني راض بما قسمه الله من رزق. وما أصطاده كل مرة يغني عن الذهاب إلى أسواق السمك الذي ارتفعت أسعاره بشكل كبير، حتى بات كثيرون عاجزون عن شرائه. وفي بعض األحيان، أهدي بعض األسماك ألصدقائي». أما متولي عبد الرسول 66( عاما)، شقيقه وشريك رحالت الصيد، فيخرج الصنارة مــــن املــــيــــاه جــــاذبــــا ســـمـــكـــة «شـــراغـــيـــش» لـيـضـعـهـا فـــي صـــنـــدوق مـــكـــون مـــن مـــادة «الـــــِفـــــل» املــخــصــصــة لـــالحـــتـــفـــاظ بـــدرجـــة حـــــــــرارة مــنــخــفــضــة لــــأســــمــــاك. ويــــقــــول: «أســـتـــمـــتـــع وأســــرتــــي بـــتـــنـــاول األســـمـــاك الـــتـــي أصـــطـــادهـــا وخـــصـــوصـــا فـــي فصل الخريف، وهو أفضل فصول العام لصيد األســمــاك فــي اإلســكــنــدريــة». ويــوضــح أن «خير البحر كثير. في املناطق الصخرية، نصطاد الجاندوفلي والكابوريا وأسماك الــشــراغــيــش والــبــطــاطــا. وفــــي الــشــواطــئ الــــرمــــلــــيــــة، نــــصــــطــــاد أســــــمــــــاك الـــدنـــيـــس والـــبـــربـــون واملـــــرجـــــان، وعــــــادة مـــا تــكــون مرتفعة الثمن وبالتالي لم نعد قادرين عـلـى شـــرائـــهـــا». ويـلـفـت إلـــى أن «الـصـيـد يـعـلـم الـصـبـر وطــــول الــبــال ويــســاعــد في التخلص مـن املشاكل والـهـمـوم، عــدا عن تــحــضــيــر األدوات». ويــــقــــول الــشــقــيــقــان لـــــ «الــــعــــربــــي الــــجــــديــــد»: «يــــكــــون الــصــيــد صعبا خالل أشهر الصيف بسبب حرارة الشمس الحارقة التي تـؤدي إلى ابتعاد األسـمـاك إلــى عمق البحر. إال أن كـل ذلك
ينتهي ويزول نهاية اليوم، وال أفكر سوى باالستمتاع بما اصطدته مـع أسـرتـي». مـن جهته، يـقـول محمود اإلسـكـنـدرانـي، أحد أشهر بائعي الطعم الذي يستخدمه الــــــصــــــيــــــادون، إن «الــــصــــيــــد فـــــي الـــبـــحـــر املــــتــــوســــط صــــعــــب، ألن األســـــمـــــاك بــاتــت تعرف كيفية الهرب من الصياد، وال تأكل أي طعم في أي وقت من العام». يضيف: «أبيع الطعم عند سواحل البحر األبيض وأخــــــــرى عـــلـــى ســــواحــــل الـــبـــحـــر األحـــمـــر بحسب اختالف املواسم. لذلك، أستطيع الـقـول إن األســمــاك لها مـــزاج متغير. في بعض األيام تأكل أي طعم، وفي وقت آخر تأكل نوعا واحــدًا فقط. وأحيانا، تكتفي بأقل قدر منه». ويوضح أن «األسماك في اإلسكندرية قليلة العدد وكثيرة الترحال، وال تستوطن مكانا واحدًا لفترات طويلة، األمـــــر الـــــذي يــصــعــب مـــن مـهـمـة الـصـيـاد ويضطره لتغيير موقعه كل يوم وفي كل رحلة صيد. ودائما ما أنصح الصيادين باستخدام أكثر مـن نــوع حتى يتمكنوا من تحديد األفضل». مـــن جــهــتــه، يــقــول جــرجــس مــاجــد الـــذي يبيع أدوات الـصـيـد فــي منطقة بحري باإلسكندرية: «هواة الصيد يستخدمون صـنـارة املكنة البدائية ويــرمــون الطعم
في املياه. وال يرتبط األمر بمدى الخبرة أو نوع السمك املستهدف. إذ إن الصيد هنا مربوط بالهواية قبل أي شيء». إلـــــــى ذلــــــــك، يــــقــــول نـــقـــيـــب الـــصـــيـــاديـــن بـاإلسـكـنـدريـة أشـــرف زريـــق إن الصيد الحر هواية تتوارثها األجيال منذ آالف الــســنــني عــلــى شـــواطـــئ املـــديـــنـــة، وتـعـد وسـيـلـة رئيسية للتسلية والـتـنـافـس، مــضــيــفــا أن ارتــــفــــاع أســــعــــار األســـمـــاك فـي األســـواق جعل مـن الـهـوايـة وسيلة حــقــيــقــيــة لــتــحــقــيــق الــــــــرزق، ســــــواء مـن خالل توفير الغذاء اليومي للصيادين وأســـرهـــم أو عـبـر بيعها فــي األســــواق. يضيف: «على الرغم من اختالف حال الطقس خالل العام، إال أن هواة الصيد ال يتراجعون، ويبقون ساعات طويلة في مواقع الصيد في انتظار أرزاقـهـم، وال يـــــعـــــودون إلـــــى مـــنـــازلـــهـــم إال بـعـد تـحـقـيـق صــيــد وفـــيـــر». ويــشــيــر إلـــى أن بعض األمـاكـن تستلزم الحصول على تصاريح أو دفع رسوم ملمارسة الصيد بـــالـــصـــنـــارة، الـــتـــي تــحــمــل اســــم «صـيـد الـــهـــواة» والــتــي فــرضــت فــي عـــام .1983 ويـــحـــق لـلــسـلـطــات املــعــنــيــة مــنــع هـــواة الصيد في حال عدم حملهم تصاريح، باإلضافة إلى مصادرة أدوات الصيد.