Al Araby Al Jadeed

«حيوانات باريس»... حين كانت الفئران والفيلة على موائد الفرنسيين

- ريم ياسر

في عـام ،1131 كـان األمير الشاب فيليب، ابن لـــويـــس الــــســـ­ـادس، مــلــك فـــرنـــس­ـــا، يــتــجــو­ل في شــــوارع بــاريــس مــع حـاشـيـتـه، حــني اصـطـدم خـنـزيـر بـــري بـحـصـانـه. تعثر حـصـان األمـيـر الـــــشــ­ـــاب ووقـــــــ­ـع أرضـــــــ­ـا لـــيـــسـ­ــقـــط عـــلـــى رأســـــه ويصاب بكسور شديدة أدت إلى وفاته. حادث مـأسـاوي بالطبع، غير أنــه يعطينا ملحة عن طبيعة املدينة الفرنسية العريقة وأحوالها في تلك الفترة، حيث كانت الحيوانات البرية، كالخنازير والــفــئـ­ـران، تتجول فــي شوارعها الــضــيــ­قــة املــتــسـ­ـخــة خــــالل الــــقـــ­ـرون الــوســطـ­ـى. ســاهــم انــتــشــ­ار الــحــيــ­وانــات والــــقــ­ــاذورات في شوارع باريس في تفشي العديد من األوبئة، على رأسها وباء الطاعون الذي أودى بحياة اآلالف مــن سـكـان الـعـاصـمـ­ة الفرنسية خـالل القرون الوسطى. في ذلك الوقت، لم يكن يربط بـني انتشار الحيوانات والــقــاذ­ورات وتفشي األوبـئـة. غير أن هـذا الحادث الـذي تعرض له األمير الشاب ساهم في الحد من انتشارها. بــــعــــ­د مــــقــــ­تــــل األمــــــ­ـيـــــــر، ســــــنــ­ــــت الـــتـــش­ـــريـــعـ­ــات واســـتـــ­حـــدثـــت الـــعـــد­يـــد مــــن اإلجــــــ­ــــراءات لـلـحـد مــن انـتـشـار الـخـنـازي­ـر والــفــئـ­ـران وغـيـرهـا من الحيوانات البرية في شوارع باريس. تلك حكاية مــن بــني مجموعة مــن الحكايات األخـــرى حــول تأثير الحيوانات على طبيعة العاصمة الفرنسية، وعالقة هذه الحيوانات باألساطير والتاريخ والعمران. هذه القصص وغــيــرهـ­ـا هــي مــوضــوع املــعــرض املـثـيـر الــذي يستضيفه حـالـيـا املــركــز الــحــضــ­ري لبحوث الــعــمــ­ران فــي الـعـاصـمـ­ة الـفـرنـسـ­يـة Pavillon( ‪)de l›Arsenal‬ حتى 3 سبتمبر/أيلول. يقام املـــعـــ­رض تــحــت عـــنـــوا­ن «حـــيـــوا­نـــات بـــاريـــ­س.. تـــاريـــ­خ وحــكــايـ­ـات مــديــنــ­ة حـــيـــة». يـسـلـط هــذا األخــيــر، والـكـتـاب املـصـاحـب لـــه، الــضــوء على اآلثــــــ­ار املــتــبـ­ـادلــة لـــهـــذا الــتــعــ­ايــش بـــني سـكـان بـاريـس والـحـيـوا­نـات املختلفة، ســـواء أكانت برية أم مستأنسة، وكيف ساهم هذا التعايش في تاريخ املدينة من العصور القديمة وحتى الوقت الحاضر. يضم املعرض لوحات فنية لها عالقة بأحداث تاريخية كان للحيوانات دور محوري فيها. يشتمل كذلك على صـور فوتوغرافية ألنـواع الذئاب والخيول واألغنام والصقور والكالب، وغــيــرهـ­ـا مـــن الـــحـــي­ـــوانـــا­ت األخــــــ­رى الـــتـــي لها حضور مؤثر في املدينة في الوقت الحاضر، كالحيوانات املستأنسة أو تلك املعروضة في حدائق الحيوان واملـــزار­ع والسيرك وميادين الـــســـب­ـــاق. تــظــهــر املـــعـــ­روضـــات أيــضــا الـتـأثـيـ­ر املباشر للحيوانات على العمارة الباريسية، كــــزخـــ­ـرفــــة املــــبــ­ــانــــي الـــديـــ­نـــيـــة ونــــــــ­ــزل الــصــيــ­د وحــــدائـ­ـــق الـــحـــي­ـــوانـــا­ت وغـــيـــر­هـــا. ســيــتـعـ­ـرف زائـــر هــذا املــعــرض، مـثـال، على األســبــا­ب التي أدت إلــــى انـــتـــش­ـــارالـــ­ذئـــاب فـــي بـــاريـــ­س خــالل النصف األول من القرن الخامس عشر أثناء حرب الـــ001 عام بني فرنسا وإنكلترا. واحدة مــن الـقـصـص الـطـريـفـ­ة الــتــي يـسـلـط املـعـرض

يصور المعرض اآلثار المتبادلة لتعايش سكان باريس مع الحيوانات

الضوء عليها تتمثل في لجوء سكان باريس، خــــالل الـــقـــر­ن الـــتـــا­ســـع عـــشـــر، إلــــى أكــــل لـحـوم القطط والـكـالب والـفـئـرا­ن، بـل وحتى األفيال والدببة والخيول. في عام ،1870 أثناء الحرب الـــفـــر­نـــســـيـ­ــة الــــبـــ­ـروســــيـ­ـــة، حــــوصـــ­ـرت بـــاريـــ­س مــن كــل اتـــجـــا­ه، وتـحـالـف األملــــا­ن مــع بروسيا إلحكام هـذا الحصار من أجـل تجويع سكان املــديــن­ــة وإخــضــاع­ــهــم. وحـــني ضـــاق الـحـصـار عـلـى الـبـاريـس­ـيـني، ونــفــد مــا لـديـهـم مــن مــؤن، الــتــفــ­تــوا إلــــى حـــيـــوا­نـــات الــــشـــ­ـوارع مـــن قطط وكـــالب وفــئــران، كما لـم تسلم حتى الخيول. بــــني األعـــــم­ـــــال الــــتـــ­ـي يــضــمــه­ــا املــــعــ­ــرض عـلـى سبيل املـثـال، لوحة شهيرة للفنان الفرنسي نارسيس تشايو 1835( – )1916 بعنوان بائع الفئران؛ تصور اللوحة جزارًا شابا يبيع هذه القوارض في شوارع باريس. كان هذا هو حال السكان العاديني، أما النخبة فقد لجأت إلى أنواع أخرى من الحيوانات. مع ندرة الغذاء وشح لحوم الحيوانات التقليدية، لجأ أحد أصحاب املطاعم الفاخرة، ألكسندر إتـــيـــا­ن كــــــورو­ن، إلــــى وســيــلــ­ة مـخـتـلـفـ­ة لـجـذب انــتــبــ­اه زبـــائـــ­ه مـــن الــطــبــ­قــات الـــراقــ­ـيـــة. فـــي ظل الحصار، وجد القائمون على حديقة حيوانات باريس صعوبة في توفير الطعام لحيوانات الـحـديـقـ­ة، فاستغل كــــورون ذلـــك األمـــر واتـفـق معهم على شرائها من أجل تقديمها وجبات مميزة لصفوة املجتمع. ضمت قائمة الطعام، الذي قدمه الطاهي الفرنسي لزبائنه في ذلك الـــوقـــ­ت، مـجـمـوعـة مـتـنـوعـة مــن األطـــبــ­ـاق غير التقليدية، بينها على سبيل املثال مقبالت من رأس الحمار املحشو، وشرائح من لحم الفيلة، وحساء كنغر، وشرائح دب مشوية بصلصة الفلفل، إضافة إلى القطط والفئران والذئاب.

 ?? (موقع المركز الحضري لبحوث العمران) ?? لجأ سكان باريس خالل القرن الـ91 إلى أكل لحوم القطط والكالب
(موقع المركز الحضري لبحوث العمران) لجأ سكان باريس خالل القرن الـ91 إلى أكل لحوم القطط والكالب

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar