عادت كاروليفيتسك فهل تجلب معها الحرب؟
لـم تنته الـحـرب سريعا فـي أوكـرانـيـا كما توقعها الرئيس الروسي فاديمير بوتني، أو على األقل كما قدرتها القيادة العسكرية الروسية؛ فهي حرب بدأها بوتني من أجل حماية أمن باده القومي، عبر إبعاد حلف شمال األطلسي عن حــدوده، إذ به يفاجأ بــــأن الـــحـــرب بــــدأت تــســلــك طـــرقـــا مختلفة عن الحرب التقليدية العسكرية، ودخلت عامها الثاني وال تزال مستمرة. الحرب على أرض أوكرانيا، إال أنها بدأت تنحرف إلــــى تـــهـــديـــد بــفــتــح جـــبـــهـــات جـــديـــدة رغــم الدعم الغربي العسكري السخي ألوكرانيا، فـهـذا مــا أكــدتــه رئيسة الــــوزراء اإليطالية جــورجــيــا مـيـلـونـي لــقــنــاة ،Ria News 24 عقب لقائها في 13 مايو/ أيار الجاري مع الرئيس األوكراني فولوديمير زيلينسكي، بقولها إن بادها ستواصل تقديم الدعم ألوكرانيا طاملا كان ذلك ضروريا. ليست روما الوحيدة في ميدان الدعم، لقد أعـلـنـت الـحـكـومـة األملـانـيـة أنـهـا تـعـد خطة مـسـاعـدات عسكرية ألوكــرانــيــا بقيمة 2.9 مليار يورو، وتشمل دبابات وعربات مدرعة وأنــظــمــة دفــــاع مـــضـــادة لــلــطــائــرات. إذ قـال وزيــر الـدفـاع األملـانـي بوريس يستويوس، في بيان: «نريد جميعا نهاية سريعة لهذه الحرب الوحشية التي تشنها روسيا ضد الـشـعـب األوكـــرانـــي، لكنها لــأســف ليست في األفـق. ولهذا السبب، ستقدم أملانيا كل املساعدات طاملا كان ذلك ضرويا». وشدد مـــســـؤول الــســيــاســة الـــخـــارجـــيـــة بــاالتــحــاد األوروبــــــــي جـــوزيـــب بـــوريـــل عــلــى أن على االتـــحـــاد تــســريــع إمـــــداد كـيـيـف بـالـذخـيـرة فـي مواجهة العملية الروسية العسكرية. ودخل االتحاد األوروبي الحرب من البوابة األوكـــرانـــيـــة، فــرغــم أنـــه مـسـتـمـر فـــي تقديم الـــدعـــم الــعــســكــري لــكــيــيــف رغــــم تــهــديــدات بـــوتـــني، إال أنــــه فــــرض الــعــقــوبــات األمـمـيـة عـــلـــى روســـــيـــــا. إذ الـــتـــقـــى مـــمـــثـــلـــو الــــــدول األعضاء الـ72 نهار 12 مايو/ أيار الجاري ملناقشة الجوانب الفنية لحزمة العقوبات، فـي وقــت يضع فيه التكتل عينه على سد الثغرات التي تسمح بتدفق النفط الروسي إلى دول االتحاد، عبر ما يطلق عليه اسم «أسطول الظل». يـعـيـش االتـــحـــاد األوروبـــــي هــاجــس خطر االنـــزالق نحو حــرب كبرى في أوروبـــا مع روسـيـا، لهذا يهدف من خـال دعـم كييف إلـى استنزاف الجيش الـروسـي وإنهاكه، قبل أن يفكر في فتح جبهات جـديـدة في دول أوروبـــيـــة، تــحــديــدا بـولـنـدا الـتـي هي عضو في حلف شمال األطلسي (الناتو)، عـــنـــدهـــا تــــكــــون أوروبــــــــــا أمـــــــام ســيــنــاريــو مــخــتــلــف، فــبــعــد ســـقـــوط صــــــاروخ روســـي الصنع على قـريـة بولندية قــرب الـحـدود مع أوكرانيا العام املاضي، والذي أدى إلى مـقـتـل شـخـصـني، رفــعــت بــولــنــدا مستوى تـــأهـــب قـــواتـــهـــا عــلــى أثــــر اجـــتـــمـــاع طـــارئ ملجلس األمن القومي. بينما سعت الدول في حلف الناتو إلى «تبريد» األجواء، عبر اعتبار املوضوع ال يدخل في حالة العدوان على أراضيها، بل عن طريق الخطأ. وسط «الحذر» الشديد لاتحاد األوروبي، يأتي «جنون» بولندا، كما وصف املتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، فــي خـطـوة قــد تـأخـذ حـلـف األطـلـسـي إلـى الحرب. إذ تعود بولندا الستخدام اسمها الــتــاريــخــي ملــديــنــة كـالـيـنـيـنـغـراد، املـديـنـة الـــروســـيـــة واملـــنـــطـــقـــة اإلداريـــــــــة الـــتـــي تـقـع عـلـى حـــدودهـــا، فـمـن اآلن، سـيـتـم تعريف املــديــنــة عــلــى الـــخـــرائـــط الــبــولــنــديــة بـاسـم كاروليفيتسك، بناء على توصية اللجنة الحكومية لأسماء الجغرافية في الخارج. وكانت أملانيا قد تنازلت عن املدينة التي كــانــت تــعــرف ســابــقــا بــاســم كونيغسبرغ لاتحاد السوفييتي بعد الحرب العاملية الـثـانـيـة. وفـــي 1946 جـــرى تغيير اسمها إلـــــى كــالــيــنــيــنــغــراد عـــلـــى اســـــم مـيـخـائـيـل كالينني، أحد قادة الثورة البلشفية. وفي هذا السياق، تفيد السلطات البولندية بأن كالينني كـــان أحـــد املــســؤولــني السوفييت الستة، الذين أمروا بإعدام أكثر من 21 ألف أســيــر بــولــنــدي فــي كــاتــني وأمـــاكـــن أخــرى
قد تأخذ روسيا من كاروليفيتسك ذريعة لجّر الناتو إلى حرب يسعى إلى تجنّبها
عام .1940 وقالت بولندا أن اإلسم الحالي مصطنع، ويفتقر إلى أي صلة باملدينة أو
ٌٍ املنطقة، لكن االسم القديم جزء من التراث الثقافي لبولندا. يقع جيب كالينينغراد فــــي أقــــصــــى شــــمــــال غـــــرب روســــيــــا ويـــعـــد مـــعـــزوال، ويـحـظـى بـأهـمـيـة اسـتـراتـيـجـيـة بالنسبة لها، نظرا إلى أنه يطل على ساحل بــحــر الــبــلــطــيــق، ويـــقـــع فــيــه مـــقـــر أســطــول البلطيق الـروسـي. يتخطى الـخـاف على كـالـيـنـيـنـغـراد أو كـارولـيـفـيـتـسـك الـتـاريـخ ليدخل ضمن الـتـجـاذبـات العسكرية بني روسـيـا والـغـرب واالتــحــاد األوروبــــي. فما قامت به وارسو يعتبر «عملية تقترب من الجنون»، وتتجاوز رهاب روسيا، بحسب بيسكوف. فالحرب دخلت مرحلة خطيرة، وال سيما أن الروسي على عتبة انتخابات رئــاســيــة فـــي الـــعـــام املــقــبــل، حـيـث يـريـدهـا بــــوتــــني نـــــوعـــــا مـــــن االســــتــــفــــتــــاء الــشــعــبــي لـتـجـديـد الــثــقــة. مــا قــامــت بــه بــولــنــدا هو املـــس بـرمـوز الــثــورة البلشفية أي تجاوز للخطوط الحمراء، ما يعني فتح الصراع على االحتماالت كافة، فروسيا التي تعمل عـلـى عــــودة مـجـدهـا إلـــى ســابــق عــهــده لن تـقـبـل بـــأي خــطــوة تــعــود بـهـا إلـــى الــــوراء. كيف ال، وإن سحب اسم كالينينغراد عن تلك املنطقة يعني توجيه صفعة معنوية إليها، توازي خسارتها الحرب.