Al Araby Al Jadeed

مرور الكرام

خالصات أولى في الشهور الستة

- معن البياري

أولى الخالصات التي في املقدور الخروج بها من الشهور الستة التي تكتمل اليوم، 7 إبريل/ نيسان، على الحرب اإلسرائيلي­ة العدوانية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، أن علينا، نحن املعلقني من أهل اإلعالم والصحافة، أن نتوقف عن اإلسراف في التوقعات وفي السيناريوه­ات، فلو نطل على حالنا، إبان اشتعال الحرب ساعات بعد موقعة 7 أكتوبر (املجيدة ال ريب)، من على مرتفع الـ481 يومًا التي انقضت، سنرى أننا كنا فيه «منجمني». ما ال يعود إلى جهل او قلة معرفة، وإنما إلى أمرين: أولهما أننا، غالبًا، ما نفترض فينا األهلية للتنبؤ بما سيجري وسيقع، ما إن يباغتنا حدث فارق (في أوكرانيا مثال). والثاني أن الذي شهدته دولة االحتالل صبيحة ذلك السبت أكثر من استثنائي، فيصير من بالغ الطبيعي أن تعقبه تداعيات تستعصي على التعيني والتبني. ولذلك ليس من الشطط في شيء أن يقال إن رؤوس حكومة العدوان في تل أبيب، عندما كانوا يشيعون إن الحرب ستكون طويلة (إلى متى؟) لم يتوقعوا فشلهم في حسمها (القضاء على «حماس» وإعادة األسرى) في ستة شهور (وما زال الفشل مستمرًا). والجوهري في هذه الخالصة، وفي أخرى ثانية، أن كل الذي صار في قطاع غزة، وفي التداعيات التي واكبته في العالم، لم يكن في املتصور. فلئن كان معلومًا أن دولة االحتالل، في أسسها، دولة إجرام، فإن مدى االستباحة والتوحش الذي أطلقت فيه يد جيشها ليصنع ما يريد لم يكن في أي منزلة من التوقع أو الترجيح. والذي صح، من كالم كثير ثرثر فيه وزير الحرب، يوآف غاالنت، قوله، في الشهر األول للعدوان، إن مستقبل إسرائيل ووجودها مرهونان بنتائج هذا الحرب. والبادي أن شهوة القتل املروعة، املدفوعة بوازع الثأر واالنتقام، لدى جيش االحتالل، وعموم املجتمع اإلسرائيلي (باستثناءات محدودة) تعود إلى هذه القناعة، فالخسارة أمام «حماس» التي أقدمت في 7 أكتوبر على ما لم يكن تتخيله إسرائيل في أشد كوابيسها قتامة، مستحيلة، مهما كانت الكلف. خالصة أخرى، ليس تصويبًا ألي نقاٍش يذهب فقط إلى «حساباٍت» أخطأت فيها املقاومة الفلسطينية، وحركة حماس تحديدًا، عندما أقدمت على مفاجأة 7 أكتوبر، ومع الشعور العظيم التي يتوطن فيها بشأن هول الخسارات املريعة التي أحدثها التوحش اإلسرائيلي في أهل قطاع غزة وأرواحهم وأبدانهم وعمرانهم وأرزاقهم ومساكنهم ومستشفياته­م، ومع اإلحساس الكبير بفظاعة حرب التجويع، وتحويل جزء من الشعب الفلسطيني العظيم إلى جوعى يتراكضون أمام وجبات أكل تتكرم بها غير دولة وجهة، فإن ذلك كله (وغيره) ال يجيز ألي منا أن يغفل عن املعجزة الحقة التي صنعتها املقاومة، في الشهور الستة، وهي تضرب جنود العدو وضباطه، بإمكانات عسكرية شديدة التواضع، وبمثابرة تفوق الخيال، وبصمود باهر، مع التسليم بأن جيش االحتالل نجح في اإلجهاز على إمكانات غير هينة للمقاومة، وقتل قادة وعناصر مجاهدة، إال أن فشل هذا الجيش في تحرير أي من أسراه املحتفظ بهم لدى املقاومة، وإخفاقه املاثل في أسر أي من قادة حماس امليدانيني، سببان كافيان للقول إن املعجزة الحقة هي ما بعد 7 أكتوبر. وهذه مفاوضات الهدنة وتبادل األسرى تنتقل من عاصمة إلى أخرى، وال ينكسر املفاوض في «حماس» أمام مناورات االبتزاز ومراوغات الضغط العسكري، وذلك في أداء باهر، ال يحتفى به هنا، من باب التعمية على الفظاعات التي ال يتوقف العدوان عن ارتكابها، وإنما بدافع اإلحاطة بكل حافات الصورة وتمثيالتها.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar