استباحة الضفة: قتل واستيطان وسلطة شكلية
مر نصف عام من استباحة الضفة الغربية المحتلة على يد االحتالل ومستوطنيه، الذين زادوا من وتيرة قتل الفلسطينيين ومشاريع االستيطان، في ظّل غياب سلطة فلسطينية رادعة
تعيش الضفة الغربية املحتلة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين األول املاضي، أسوأ أوقاتها. فعلى الــرغــم مــن أن ال شـــيء مـمـا يـحـدث غير مــتــوقــع، مـــن اغــتــيــاالت وتــدمــيــر بــنــى تحتية واستيطان ومستوطنني يقتلون وينصبون الـحـواجـز العسكرية ومـــدن وبــلــدات معزولة بـمـئـات الــحــواجــز، إال أن هـــذا الـــعـــدوان الــذي يـــأتـــي تــحــت ســـتـــار حــــرب اإلبـــــــادة فـــي قــطــاع غزة، ال يواجه بتحرك سياسي فاعل أو حراك شعبي عـلـى مـسـتـوى الــحــدث. جـــردة حساب ســـريـــعـــة لــنــصــف عـــــام مــــن اعــــــتــــــداءات جـيـش االحـــتـــالل ومـسـتـوطـنـيـه فــي الـضـفـة الغربية تــؤكــد أن إســـرائـــيـــل مــاضــيــة بـسـيـاسـة الــــردع املفرطة، وأن املستوطنني يسابقون الزمن في االستيالء على أراضــي الفلسطينيني، وعلى الــرغــم مــن ذلـــك لــم يـنـجـح االحـــتـــالل فــي جعل مؤشر املقاومة يقف عند املستوى الصفر، بل إن املقاومني املنفردين في الضفة نفذوا بعض العمليات النوعية. ووفــــق مــركــز مــعــلــومــات فـلـسـطـني «مــعــطــى»، فإن املقاومني الفلسطينيني نفذوا منذ مطلع أكـــتـــوبـــر املـــاضـــي حــتــى نــهــايــة مــــــارس/ آذار املاضي، 1284 عمال مقاومًا ما بني إطالق نار وعمليات دهس وطعن واشتباك وزرع عبوات ناسفة، أدت إلــى مقتل 19 إسرائيليًا مـا بني جندي ومستوطن. بعض هذه العمليات كان
مـركـبـًا، مثل عملية «بـيـت لـيـد» فـي نوفمبر/ تـــشـــريـــن الـــثـــانـــي املــــاضــــي، وأدت إلـــــى مـقـتـل جـنـديـني، ببصمات «كـتـائـب الـقـسـام» الـــذراع العسكرية لحركة حماس، وعملية «حومش» املزدوجة في الثامن من الشهر املاضي، التي أطلق فيها مقاومون من «كتيبة جنني» النار عـلـى قـــوة قـــرب مستوطنة «حــومــش» املقامة عـــلـــى أراضـــــــي جـــنـــني، ثــــم اســــتــــدرجــــوا الـــقـــوة لـيـفـجـروا فيها عـبـوة زرعــوهــا فــي املــكــان، ما أصاب سبعة جنود، اثنان منهم إصاباتهما خطيرة، حسب االحتالل. ويــأتــي ذلـــك وصــــوال إلـــى عملية «ديـــر بـزيـع» فــي 22 مــــارس املـــاضـــي، حــني اشـتـبـك املــقــاوم مـجـاهـد مـنـصـور مــع قـــوة الـنـخـبـة فــي جيش االحتالل على مدار خمس ساعات، واستشهد بـعـد قـصـفـه بــواســطــة مــروحــيــة أطـلـقـت عليه صــــــاروخــــــًا، لـــكـــنـــه قـــتـــل ضـــابـــطـــًا مـــــن وحـــــدة الــنــخــبــة «دوفـــــدفـــــان» وأصــــــاب ســبــعــة جـنـود آخـريـن بـجـراح قبل ذلـــك. عــدم قـــدرة إسرائيل عــلــى «تــصــفــيــر» مــؤشــر املــقــاومــة فـــي الضفة الغربية على الرغم من تنفيذها نحو 50 غارة جـويـة عـلـى املنطقة مـنـذ 7 أكـتـوبـر، أدت إلـى استشهاد 70 فلسطينيًا على األقـــل، وتنفيذ 40 عملية عسكرية في مخيمات الضفة، أدت إلـــى تـدمـيـر عـمـيـق فــي بنيتها التحتية كما هو األمــر في مخيمات نـور شمس وطولكرم وجــنــني والـــفـــارعـــة وبـــالطـــة، وذلــــك حــســب ما نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الشهر املــاضــي، دفــع جيشها إلــى أن يـــزداد وحشية بـاسـتـهـداف املـدنـيـني. وحـسـب بـيـانـات وزارة الـــصـــحـــة الــفــلــســطــيــنــيــة، فـــقـــد اســتــشــهــد مـنـذ السابع من أكتوبر املـاضـي، وحتى ظهر أول مــن أمـــس الـجـمـعـة، 459 فلسطينيًا وأصــيــب 4750 آخــــرون فــي الـضـفـة الـغـربـيـة، بـمـا فيها القدس املحتلة، في الوقت الذي ال تتوقف فيه حـمـالت االعـتـقـال، الـتـي ارتفعت بعد السابع مـن أكتوبر، إلــى أكثر مـن 8030 حالة اعتقال في الضفة. وبلغ إرهـاب املستوطنني في الضفة الغربية حــــدًا غــيــر مــســبــوق، وســـبـــق مــعــركــة «طـــوفـــان األقـــــصـــــى» بـــكـــثـــيـــر، لـــكـــن كـــثـــافـــة االعـــــتـــــداء ات تــــصــــاعــــدت مـــــع االســــتــــيــــالء عـــلـــى األراضـــــــــي،
لــيــصــبــح املـــســـتـــوطـــنـــون رأس حــــربــــة جـيـش االحــتــالل، إذ قتلوا نحو 23 فلسطينيًا منذ العام املاضي وحتى اآلن، وهجروا 25 تجمعًا بـدويـًا فلسطينيًا فـي األراضــــي الفلسطينية املـصـنـفـة «ج» حــســب اتـــفـــاق أوســـلـــو (املــوقــع فــــي عـــــام ،)1993 فــــي مـــتـــوســـط 200 اعـــتـــداء شهري حسب املؤسسات التي تتابع إرهـاب املستوطنني. وأيــــضــــًا حـــســـب الـــجـــهـــاز املــــركــــزي لــإحــصــاء الــفــلــســطــيــنــي، فـــــإن مـــســـاحـــات األرض الــتــي اســتــولــى عـلـيـهـا االحـــتـــالل اإلســـرائـــيـــلـــي عــام
قتل المستوطنون نحو 23 فلسطينيًا منذ العام الماضي
2023 بــلــغ 50526 دونـــمـــًا مـــقـــارنـــة بــحــوالــى 26 ألــف دونـــم خــالل عــام .2022 وتـؤكـد هيئة مـقـاومـة الـــجـــدار واالســتــيــطــان فــي بياناتها، أن الــعــام الـحـالـي شهد أكـبـر عملية استيالء عـلـى األراضـــــي تـحـت مـسـمـى أراضـــــي الــدولــة منذ ثالثة عقود، حيث بلغت املساحات التي استولى عليها االحتالل تحت هذا املسمى ما مجموعه 10640 دونمًا، منها 8 آالف دونم في األغوار. تـــجـــري عــمــلــيــات االســـتـــيـــالء وشــــق الـــشـــوارع لصالح املستوطنني في ظل عزل كامل للقرى والبلدات الفلسطينية بعضها عن بعض. فقد بلغ عدد الحواجز الدائمة واملؤقتة (بوابات، حــــواجــــز عــســكــريــة أو تــــرابــــيــــة) الـــتـــي تـقـسـم األراضي الفلسطينية وتفرض تشديدات على تـنـقـل األفـــــراد والــبــضــائــع، مـــا مـجـمـوعـه 840 حاجزًا عسكريًا وبوابة. وعلى الـرغـم مـن مــرور نصف عــام على حرب اإلبــــــادة فـــي غــــزة، وفــــي ظـــل اســتــبــاحــة كـامـلـة
لــلــضــفــة الـــغـــربـــيـــة، إال أن الـــفـــعـــل الــســيــاســي الرسمي الفلسطيني ما زال ضعيفًا، ال يدعم املــــقــــاومــــة فــــي غـــــزة مــــن جـــهـــة، وال يـسـتـطـيـع حماية الضفة الغربية من بطش املستوطنني وعمليات جيش االحتالل من جهة أخرى. وما يزيد األمر سوءًا، قتل أجهزة أمن السلطة ستة فلسطينيني منذ بدء الحرب، بعضهم دهسًا باآلليات العسكرية خالل التظاهرات املساندة لقطاع غـزة، كما حـدث في رام الله، والبعض اآلخر عبر إطالق النار لفض التظاهرات، كما في جنني، أو خالل اشتباك مسلح عند الفشل باعتقال مطلوب لالحتالل كما في مخيم نور شمس قرب طولكرم. وقـــــــال مــــصــــدر مـــطـــلـــع لـــــ «الــــعــــربــــي الـــجـــديـــد» إن «هــــنــــاك قـــــــرارًا غـــيـــر مــعــلــن لـــــدى الــســلــطــة الــفــلــســطــيــنــيــة مـــنـــذ انــــــــدالع حــــــرب غــــــزة بـــأن تبقي يدها خفيفة على الــزنــاد، وأي ضحية برصاص األمـن الفلسطيني يجب أن يسارع لـتـسـويـة األمــــر مــع عـائـلـتـه تـرهـيـبـًا وترغيبًا بحصول العائلة على ديــة القتيل واعتباره شهيدًا تصرف لعائلته مخصصات شهيد». وتــابــع املــصــدر: «هــنــاك حـالـة اسـتـنـفـار أمني خشية االنــقــالب على السلطة». وعـلـى الرغم من أن إطـالق النار على مقر األجهزة األمنية «املقاطعة» في جنني يتكرر كثيرًا عند تشييع الــشــهــداء تــحــديــدًا ومـطـالـبـة املـشـيـعـني األمـــن بــاإلفــراج عـن املعتقلني مـن عناصر املقاومة، إلى جانب حاالت إطالق النار على مراكز أمنية هنا وهناك، وإعالن حالة عصيان مدني كما فعلت «كتيبة طولكرم» األسبوع املاضي، بعد قتل أمن السلطة املطارد من االحتالل معتصم العارف، بعد أن فشلت باعتقاله وزميله، إال أن القبضة األمنية للسلطة الفلسطينية ما زالت قوية جدًا على العكس من صورتها الوطنية وفعلها السياسي الضعيف. ورصـــــدت لـجـنـة أهـــالـــي األســـــرى السياسيني وجــــــود أكـــثـــر مــــن 75 مـــعـــتـــقـــال ســـيـــاســـيـــًا فـي مـــعـــتـــقـــالت الـــســـلـــطـــة الـــفـــلـــســـطـــيـــنـــيـــة حـــالـــيـــًا. وتعمل السلطة الفلسطينية على أســاس أن بقاءها أهـم من صورتها، وبالتالي سارعت إلصالحات شكلية وتشكيل «حكومة كفاء ات» بناء على املطالب الغربية.