قمع فلسطينيي الداخل: تكرار لفترة الحكم العسكري
يواجه فلسطينيو الداخل المحتل، منذ بدء الحرب على غزة قبل 6 أشهر، حملة قمع شديدة من قبل السلطات اإلسرائيلية
بـــعـــد ســـتـــة أشـــهـــر مــــن حـــــرب غــــــزة، ال تــــزال الـــســـلـــطـــات اإلســـرائـــيـــلـــيـــة تـــفـــرض ســيــاســة تكميم األفواه واملاحقات السياسية ومنع الـتـظـاهـر واالحــتــجــاج وحــتــى التعبير عن الــــــــرأي بـــمـــنـــصـــات الــــتــــواصــــل االجـــتـــمـــاعـــي وإســــكــــات صــــوت الـــرافـــضـــني لــلــحــرب على غــزة منذ 7 أكتوبر/تشرين األول املاضي. وتستخدم السلطات اإلسرائيلية االعتقاالت اإلداريـــــة والتعسفية، وتــاحــق املـنـشـورات عبر وسائل التواصل االجتماعي، ما أدى إلــى اعتقال العشرات بسبب تعاطفهم مع غزة، وهو ما رأت به املؤسسة اإلسرائيلية تـحـريـضـًا وتـمـاهـيـًا مــع «حــركــة إرهــابــيــة»، في إشارة إلى حركة حماس. فترة يشبهها الــكــثــيــرون بــفــتــرة الــحــكــم الــعــســكــري الـتـي فـرضـت على فلسطينيي الــداخــل منذ عام النكبة )1948( حتى سنة .1966 وتطاول املاحقات كافة شرائح املجتمع من عمال وموظفني وأطباء ومحاضرين وطاب الـجـامـعـات الــعــرب فــي الــداخــل الفلسطيني، وكــل مــن همس أو عـلـق أو نشر مـنـشـورًا أو تـــظـــاهـــر. ووفــــــق مــعــطــيــات الـــنـــيـــابـــة الــعــامــة اإلسرائيلية حتى 4 إبـريـل/نـيـسـان الحالي تــم تـقـديـم 159 الئــحــة اتـــهـــام، 98 مــن بينها فــي مـديـنـة الــقــدس املـحـتـلـة، تنسب لغالبية املــتــهــمــني تــهــمــة الــتــحــريــض والــتــمــاهــي مع «حماس»، وما زال الغالبية منهم في االعتقال الفعلي، وجزء قليل في اإلقامة الجبرية. لكن تظاهرة يــوم األرض، والـتـي نظمت في الــــذكــــرى الـــــــ84 فـــي 30 مـــــــــارس/آذار املــاضــي بمشاركة اآلالف ورفع العلم الفلسطيني في
مسيرة بقرية ديــر حنا تحت شـعـار أوقـفـوا الــــحــــرب عـــلـــى غــــــزة، تـــأتـــي لـــتـــبـــني أن حــاجــز الخوف قد كسر. وتـــتـــرافـــع مــؤســســة مـــيـــزان الــحــقــوقــيــة عن املـعـتـقـلـني مــن الـنـاشـطـني الـسـيـاسـيـني إلـى العمال والطاب الجامعيني العرب. ويقول مـديـر مؤسسة مــيــزان، عمر خمايسي، في حديث لـ«العربي الجديد»، إن «املؤسسات الـرسـمـيـة والــشــرطــة تـعـامـلـت مــع املجتمع العربي بقبضة حديدية تجاه كل ما سمي بمخالفات التعبير عن الرأي أو التحريض، وقـــدمـــت عــشــرات لــوائــح االتــهــام ضــد أبـنـاء شـعـبـنـا بـسـبـب املـــنـــشـــورات». ويـــوضـــح أن األمـــر نفسه كــان قائمًا فــي املـحـاكـم، «التي تعاملت بقسوة وبتشديد أكثر مما قبل 7 أكتوبر». ويشير إلى أن «مئات االعتقاالت حصلت، وجـــزءا كبيرا مـن املعتقلني أفـرج عـــنـــهـــم، لـــكـــن االعــــتــــقــــاالت خــلــقــت جـــــوًا مـن التخويف واإلرهاب في مجتمعنا». ويعتبر أن «املجتمع العربي عــاد إلــى فـتـرة الحكم العسكري الذي انتهى في ،1966 ولكن هذه املــــرة بـطـريـقـة أشــــد، عــبــر مــنــع الــتــظــاهــرات واالحــــــــتــــــــجــــــــاجــــــــات، ومــــــاحــــــقــــــة الـــــطـــــاب الـجـامـعـيـني مــن قــبــل لــجــان الـطـاعـة بسبب مـنـشـورات وكـتـابـات على مـواقـع التواصل االجتماعي». (لجان الطاعة موجودة داخل الجامعات وهــي تطبق الـقـانـون التأديبي ألنظمة كل جامعة، وتتكون من محاضرين وعميد الطلبة عامة، لكن تختلف تركيبتها من جامعة ألخرى). ويــشــهــد الــــداخــــل الـفـلـسـطـيـنـي إقـــالـــة عــمــال وموظفني عرب بسبب التعبير عن تعاطفهم مع غزة. ويقول مدير نقابة العمال العرب في الناصرة وهبة بـدارنـة، لـ«العربي الجديد»، إن «نــــقــــابــــة الــــعــــمــــال الــــعــــرب فــــي الـــنـــاصـــرة عالجت منذ 7 أكتوبر حتى نهاية فبراير/ شـبـاط املـاضـي 328 حـالـة، وجميع الـحـاالت كـــانـــت لــعــمــال ومـــوظـــفـــني تــمــت إقــالــتــهــم من أماكن العمل بسبب منشورات على شبكات الـــتـــواصـــل االجـــتـــمـــاعـــي، أو بــســبــب تــحــدث الـــعـــمـــال فــيــمــا بــيــنــهــم بــالــلــغــة الـــعـــربـــيـــة فـي مـكـان الـعـمـل». ويـوضـح أن «املـجـمـوع الكلي خمايسي: تعاملت الشرطة مع المجتمع العربي بقبضة حديدية
لـلـعـمـال الــذيــن فـصـلـوا مــن الـعـمـل لألسباب املذكورة 218 عاما وموظفًا». لكن هل فشلت املؤسسة اإلسرائيلية في ترهيب فلسطينيي الداخل؟ يقول رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي سامي أبــو شـحـادة، لـ«العربي الجديد»، إن الجواب عن هـذا السؤال مركب جـــدًا ألن الـحـالـة مـتـداخـلـة وصـعـبـة جـــدًا في الـــداخـــل الـفـلـسـطـيـنـي، مـضـيـفـًا «نــحــن أبــنــاء الشعب نفسه، والبدو في النقب لهم عاقات قرابة كثيرة بغزة، فالعاقات بني بئر السبع وغــزة تاريخية وجــزء كبير تهجر إلـى غـزة، وكـــانـــت هــنــاك عـــاقـــات زواج بــعــد الـنـكـبـة». ويلفت إلـى أن «تمادي حكومة إسرائيل في الــجــرائــم جـعـل الــنــاس ال تستطيع التحمل، وطــول أمــد الـحـرب فـي غــزة أثــر على الناس، وهذا ما كسر من حاجز الخوف والترهيب». وعـــمـــا إذا كــــان هـــنـــاك اخـــتـــاف فـــي سـيـاسـة الــســلــطــات اإلســـرائـــيـــلـــيـــة فـــي بـــدايـــة الــحــرب وفي الشهرين املاضي، يؤكد أبو شحادة أن «هناك اختافًا وتغييرًا في الفترة األخيرة، لكن األمور مركبة، إذ تستمر ماحقة القيادة حــتــى الـــيـــوم، وشــهــدنــا ذلــــك فـــي زيـــــارة وفــد لجنة املتابعة للمسجد األقصى قبل أيام وما تعرضوا له من اعتداء وتضييقيات». ويلفت إلى أن «لجنة املتابعة وخوفًا من أن تتحول املرحلة األولى للماحقة والضغط إلى حالة ثـابـتـة، قـــررت رفــع الـنـضـال بشكل تدريجي، مثا في تظاهرة كفر كنا كـان تحديد لعدد املتظاهرين لكن املشاركني كانوا أكثر، وكذلك األمـر في تظاهرة مجد الكروم، وفي مسيرة يوم األرض األخيرة بدير حنا كذلك وتم رفع العلم الفلسطيني». ســـيـــاســـة املـــاحـــقـــة لــــم تـــوفـــر أيـــضـــًا الـــطـــاب الـجـامـعـيـني مــن الـــداخـــل الفلسطيني الـذيـن
يدرسون في الجامعات اإلسرائيلية، وكانت لهم حصة األسد من املاحقات السياسية من قبل إدارة الجامعات والطاب اإلسرائيليني أيـــضـــًا. ويـــقـــول املـــحـــامـــي فـــي قــســم الــحــقــوق الـسـيـاسـيـة واملــدنــيــة فـــي مــركــز عـــدالـــة عــدي منصور، لـ«العربي الجديد» إنه «كان هناك قرابة 160 ملفًا للجان الطاعة وفق معطيات هيئة الــطــاب الـقـطـريـة»، مضيفًا «نـحـن في مركز عدالة مثلنا 95 طالبًا عربيًا يدرسون فــــي الـــجـــامـــعـــات واملــــؤســــســــات األكـــاديـــمـــيـــة اإلسرائيلية، وذلك على خلفية تفاعل الطاب ونـــشـــر مـــنـــشـــورات عــلــى مــنــصــات الــتــواصــل االجـــتـــمـــاعـــي تـــعـــاطـــفـــا مــــع غــــــــزة». ويـــتـــابـــع: «حـــتـــى اآلن تـــمـــت تـــبـــرئـــة 50 فــــي املــــائــــة مـن املاحقني، والجلسات ما زالــت مستمرة في لجان الطاعة، ووصلنا ملفان إضافيان في األسبوع األخير». مــــن جـــهـــتـــه، يـــقـــول رئـــيـــس لــجــنــة املــتــابــعــة لفلسطينيي الداخل محمد بركة، لـ«العربي الــــجــــديــــد»، إن «إســــرائــــيــــل تــــمــــارس إرهـــابـــًا واحــــدًا عـلـى كــل أبــنــاء الـشـعـب الفلسطيني لـــكـــن بـــوســـائـــل مـــتـــعـــددة، فـــهـــنـــاك اإلرهــــــاب األكــبــر وهـــو جـريـمـة اإلبــــادة الـتـي يتعرض لها شعبنا في غزة، وهناك املجزرة اليومية الــــتــــي يـــتـــعـــرض لـــهـــا شـــعـــبـــنـــا فـــــي الــضــفــة الــغــربــيــة مـــن قــبــل الــجــيــش واملــســتــوطــنــني، وهـــنـــاك مـــا تــتــعــرض لـــه الـــقـــدس يــومــيــًا من تـــهـــويـــد واقــــتــــحــــامــــات لــلــمــســجــد األقـــصـــى وتـحـديـد الــوصــول إلــى كنيسة القيامة في عيد الفصح». ويلفت إلى أنه «بالنسبة لنا في الداخل الفلسطيني، فإن اإلرهـاب يتخذ أشـكـاال ووسـائـل مختلفة، فهناك قمع منذ بــدايــة الــحــرب ألي تـحـرك سـيـاسـي شعبي، ونحن واجهنا هـذا القمع وهـذا املنع خال التظاهرات التي رأينا أن علينا القيام بها وفــــــاء النــتــمــائــنــا وشــعــبــنــا ونـــصـــرة للقيم اإلنسانية والوطنية التي نحملها». ويتابع: «إلــــى جــانــب ذلـــك نــحــن واجــهــنــا الــقــمــع في أماكن العمل وفي الجامعات وضد الطاب وضـد املحاضرين، وواجهنا قمعًا واضحًا على مستوى وسائل التواصل االجتماعي، وكانت هناك اعتقاالت وتهديدات».