Al Araby Al Jadeed

غزة تفضح العجز األممي

غياب الحسم بعد 6 أشهر من الحرب

- نيويورك ـ ابتسام عازم

بــــعــــ­د ســــتــــ­ة أشـــــهــ­ـــر مــــــن الــــحـــ­ـرب اإلســرائـ­ـيــلــيــ­ة عــلــى غــــزة واإلبـــــ­ادة الـجـمـاعـ­يـة بــحــق الـــغـــز­يـــن، يـبـدو أن الـــســـؤ­ال حـــول مـــا إذا كـــان الـتـعـويـ­ل على األمـــم املتحدة والـقـانـو­ن الــدولــي للمساهمة بــشــكــل إيـــجـــا­بـــي فــــي فـــــرض األمــــــ­ن والــســلـ­ـم الــدولــي­ــن وحـمـايـة الفلسطينين، فــارغــا أو مـجـازيـا، إذ لــم تــبــق إسـرائـيـل انـتـهـاكـ­ا لتلك القوانن واألعــراف من دون أن ترتكبه بحق الفلسطينين، والغزين خصوصا. األمــــم املــتــحـ­ـدة هــي مــؤســســ­ات عــديــدة تحت مـظـلـة واســــم األمــــم املــتــحـ­ـدة. وصـحـيـح أنها مـــرتـــب­ـــطـــة بــبــعــض­ــهــا، إال أن مــســؤولـ­ـيــاتــهـ­ـا وتعاملها مـع الـحـرب اختلفا بشكل جـذري باختالف أدوارهــــ­ا، إذ لعب جــزء ال بــأس به مـنـهـا دورًا إيــجــابـ­ـيــا ومــهــمــ­ا، فـــي حـــن كــان آلخـــــر دور أســــاســ­ــي فــــي زيـــــــا­دة الـــظـــل­ـــم ضـد الـفـلـسـط­ـيـنـيـن. فــهــنــا­ك األمـــــن الـــعـــا­م لـأمـم املتحدة، ومجلس األمــن الـدولـي، والجمعية العامة، ووكالة األمم املتحدة لتشغيل وإغاثة الفلسطينين (أونـــــــ­روا)، ومـنـظـمـة الصحة الـــعـــا­ملـــيـــة، ومـــكـــت­ـــب املــــســ­ــاعــــدا­ت اإلنـــســ­ـانـــيـــ­ة (أوتشا)، ومجلس حقوق اإلنسان، ومحكمة الـــــعــ­ـــدل الـــــدول­ـــــيــــ­ـة، والـــيـــ­ونـــيـــس­ـــف وغـــيـــر­هـــا. وجميعها جـزء ال يتجزأ من منظومة األمم املتحدة، لكن أدوارها تباينت. تقع املسؤولية الرئيسية واألساسية لحفظ األمـــن والـسـلـم الــدولــي­ــن عـلـى عـاتـق مجلس األمــن الــدولــي. لكن الديناميات فـي املجلس وتـركـيـبـ­تـه تعكس الـسـيـاق الـتـاريـخ­ـي الــذي تأسست فيه األمم املتحدة عام 1945 ومعها مـجـلـس األمــــن (أي الــحــرب الـعـاملـي­ـة الثانية ونـــتـــا­ئـــجـــهـ­ــا) وحـــــق الـــنـــق­ـــض (فـــيـــتـ­ــو) الــــذي فــرض من الــدول املنتصرة ويعكس معايير النفوذ والقوى آنذاك، وتمتلكه كل من الصن واململكة املتحدة وروسيا وفرنسا والواليات املتحدة. وأســـاءت الـــدول العظمى استخدام مجلس األمن بحسب أهوائها، ليس في سياق فلسطن فــقــط، بــل خــارجــهـ­ـا كــذلــك (ســوريــة وأوكرانيا والفيتوهات الروسية مثاال). لكن فلسطن تبقى املثال األكثر فجاجة على سوء استخدام الفيتو، وتحديدًا من قبل الواليات املــتــحـ­ـدة الــتــي اسـتـخـدمـ­تـه أكــثــر مــن ثمانن مــــرة فـــي تـــاريـــ­خ األمــــم املــتــحـ­ـدة 1970( ألول

مــرة) وأكـثـر مـن نصفها ضـد قـــرارات تتعلق بممارسات إسرائيل ولحمايتها. إال أن مجلس األمن تمكن من إصدار عشرات الـــقـــر­ارات املــهــمـ­ـة، حـتـى لــو لــم يـتـم تنفيذها حـتـى اآلن، ولـعـل أبــرزهــا عـلـى سبيل املـثـال القرار 242 للعام 1967 الـذي يدعو إسرائيل إلـــــى االنـــســ­ـحـــاب إلـــــى حــــــدود مــــا قـــبـــل حـــرب ،1967 وقــــرار مـجـلـس األمــــن رقـــم 478 للعام 1980 ويــتــضــ­مــن عــــدم االعــــتـ­ـــراف بــالــقــ­انــون اإلسرائيلي حول ضم القدس، ويدعو الدول إلى سحب بعثاتها الدبلوماسي­ة من املدينة، والقرار 2334 للعام 2016 والذي دعا إسرائيل مــجــددا إلـــى وقـــف االسـتـيـط­ـان. وعـلـى الـرغـم مـن هــذا، فــإن مصير هــذه الــقــرار­ات كــان عدم التنفيذ، واستمرار الدعم األميركي والغربي األعــــمـ­ـــى إلســــرائ­ــــيــــل، مــــا أدى إلـــــى الــســمــ­اح إلسرائيل باإلفالت من العقاب ومساعدتها فــــــي تـــثـــبـ­ــيـــت قـــبـــضـ­ــتـــهـــ­ا فــــــي اســـتـــع­ـــمـــاره­ـــا واحتاللها لفلسطن. ومنذ 7 أكتوبر/تشرين األول املاضي، تاريخ بــدء الـحـرب على غـــزة، استخدمت الـواليـات املتحدة حق النقض أربـع مـرات ضد قـرارات تتعلق بوقف إطـالق النار أو هدن إنسانية. وحتى عندما تمكن مجلس األمن من إصدار ثــالثــة قــــــرار­ات فـــي األشـــهــ­ـر الــســتــ­ة األخـــيــ­ـرة، اثـــنـــا­ن حــــول إدخــــــا­ل املـــســـ­اعـــدات وثـالـثـهـ­مـا حول وقف إطـالق النار خالل شهر رمضان، فــــإن الــــوالي­ــــات املــتــحـ­ـدة عــمــدت فـــي الجلسة نفسها إلى تقويض هذا القرار، عندما ادعت املندوبة األميركية ليندا توماس غرينفيلد فـي مداخلتها بعد االمـتـنـا­ع عـن التصويت والـــســـ­مـــاح بــتــمــر­يــر الــــقـــ­ـرار ،2728 أنـــــه غـيـر ملزم. وهـذا ادعــاء يزيد من إضعاف مجلس األمـــــن واالنـــقـ­ــســـامــ­ـات داخـــلـــ­ه الـــتـــي لـــن تقف تبعاتها عند فلسطن، كما يرسخ ممارسات الواليات املتحدة والدول الغربية ومعاييرها املزدوجة. لكن يبقى عيب القرار ،2728 كونه ال يتمتع بـتـدابـيـ­ر تنفيذية عـلـى الــرغــم من إلـــزامــ­ـه، ألنـــه لــم يـتـم تبنيه تـحـت مــا يـعـرف بالبند السابع من ميثاق األمــم املتحدة، ما كـــان سيجبر مـجـلـس األمــــن عـلـى اسـتـخـدام الـقـوة أو سبل أخـــرى مـن أجــل تنفيذه. ومع ذلـــــــك، فــــإنـــ­ـه يــــزيـــ­ـد الـــضـــغ­ـــط عـــلـــى إســـرائــ­ـيـــل ويجعلها أكثر عرضة وحساسية للمقاضاة. هــــذا الــشــلــ­ل فـــي مــجــلــس األمــــــ­ن، يــتــمــث­ــل في «بــلــطــج­ــة» أمــيــركـ­ـيــة أكــثــر مــنــه انــقــســ­امــا في

فلسطين تبقى المثال األكثر فجاجة على سوء استخدام الفيتو

شكلت تقارير وتصريحات أممية ركيزة بدعوى جنوب أفريقيا

مواقف أغلب الدول، على األقل في ما يخص وقف إطـالق النار. إذ يدل اضطرار الواليات املتحدة إلى استخدام الفيتو على أن أغلبية الدول في املجلس متحدة على ضرورة وقف إطـــــالق الـــنـــا­ر فـــي غــــزة وإدخــــــ­ـال املـــســـ­اعـــدات وغــيــرهـ­ـا. وعــبــر دبـلـومـاس­ـيـون فــي أكــثــر من مناسبة عــن إحباطهم الـشـديـد مــن التعنت األميركي، وشلل مجلس األمـن وعـدم قدرته على القيام بمهمته الرئيسية «حفظ األمـن والسلم الدولين». منذ مدة تكثفت الجهود للعمل على إصالح نـــظـــام مــجــلــس األمــــــ­ن، لــكــن هــــذه الــتــحــ­ركــات الـــجـــا­ريـــة مــنــذ عـــقـــود تـسـيـر بـــبـــطء قـــاتـــل، ما يزيد من تهديد مصداقية املنظومة الدولية. وأظهرت حرب غزة األخيرة، أكثر من أي حرب أخــــــرى، مــــدى تــأثــيــ­ر االنـــقــ­ـســـام الـــداخــ­ـلـــي في مجلس األمن، ودعم الواليات املتحدة األعمى إلســرائــ­يــل عسكريا ودبـلـومـا­سـيـا، والتأثير القاتل لهذا الشلل في املجلس، وغياب اإلرادة األمــيــر­كــيــة عــلــى نــوعــيــ­ة ومــســتــ­وى عمليات املساعدات اإلنسانية. وأصبح شبح املجاعة يحوم بسبب استمرار الحصار اإلسرائيلي ومـنـع دخـــول أغلبية املـسـاعـد­ات. صحيح أن الــحــروب عـمـومـا تشهد خــالفــات واسـتـغـال­ل قضايا املساعدات، بما فيها في السودان أو سورية مثال، إال أنه حتى في سورية تمكنت األمم املتحدة ولسنوات في وسط الحرب من إدخــــال املــســاع­ــدات للمناطق الــواقــع­ــة خــارج ســيــطــر­ة الـــنـــظ­ـــام، عـــن طــريــق اآللـــيــ­ـة الــعــابـ­ـرة للحدود، واضطرت روسيا ولسنوات بقبولها بــشــكــل أو بـــآخـــر عـــلـــى الــــرغــ­ــم مــــن الــعــراق­ــيــل

والعقبات الكثيرة. عجز مجلس األمن خالل 6 أشهر من حرب غزة، قابلته جمعية عامة أكثر حسما في وجه انتهاكات االحتالل، إذ تبنت قــــــرار­ات مـشـابـهـة فـــي صـيـاغـتـه­ـا لـتـلـك الـتـي استخدمت الــواليــ­ات املتحدة الفيتو ضدها في مجلس األمــن. وشملت الـقـرارات املطالبة بإدخال املساعدات اإلنسانية وعدم استهداف البنية التحتية وهدن إنسانية. وعلى الرغم مـن أنـهـا تعتبر توصيات وهــي غير ملزمة، إال أن تبنيها بأغلبية ساحقة شكل إحراجا شـــديـــد­ا لـــلـــوا­ليـــات املـــتـــ­حـــدة وأظـــهـــ­رهـــا شبه منعزلة في موقفها من الجرائم اإلسرائيلي­ة ودعمها لها. وصوتت الكثير من الــدول بما فـيـهـا دول غــربــيــ­ة دعــمــا لـتـلـك الــــقـــ­ـرارات، ما أظهر شرخا في املوقف الغربي. آخرها القرار الـــذي تبنته الجمعية الـعـامـة فــي ديسمبر/ كـــانـــو­ن األول املــــاضـ­ـــي، والــــــذ­ي حــصــل على تأييد 153 دولــة (مـن أصـل 193 دولــة عضوا في الجمعية العامة) ومعارضة 10 دول على رأسها إسرائيل والـواليـا­ت املتحدة وامتناع 23 دولــة. على الرغم من الضغوط والهجوم الـــشـــر­س الـــــذي شــنــتــه إســـرائــ­ـيـــل ضـــد األمـــن الـــعـــا­م لــأمــم املــتــحـ­ـدة أنــطــونـ­ـيــو غـوتـيـريـ­س بـدايـة الــحــرب، والـــذي استعر كلما اشتعلت الحرب، ووصل إلى حد مطالبته باالستقالة، واتــهــام األمـــم املـتـحـدة ومنظماتها املختلفة بـــمـــعـ­ــاداة الــســامـ­ـيــة وغــيــرهـ­ـا مـــن االتــهــا­مــات الباطلة، إال أن الـدور الـذي لعبه األمـن العام كــــان أكــثــر تـعـقـيـدا مــمــا يـحـلـو إلســـرائـ­ــيـــل أن تـــدعـــي­ـــه. فــغــوتــ­يــريــس اســتــمــ­ر فـــي حـــــذره في مـا يخص انتقاد إسـرائـيـل، لكن حــال الواقع واالنتهاكا­ت غير املسبوقة، بما فيها مقتل أكـــبـــر عــــدد مـــن مــوظــفــ­ي األمـــــم املـــتـــ­حـــدة (مــن وكـــــالـ­ــــة غــــــوث وتـــشـــغ­ـــيـــل الــــالجـ­ـــئــــن أونـــــــ­روا وأغـلـبـهـ­م فلسطينيون) فــي تــاريــخ املنظمة وفي فترة زمنية قصيرة، أجبرته على اتخاذ

مـواقـف أكثر حسما. كما أنــه، حتى اآلن وإن كــــان أقــــل مـــن قـــبـــل، ال يــســتــخ­ــدم نــفــس الـلـغـة فــي إدانــــة الـعـنـف واالنــتــ­هــاكــات اإلسـرائـي­ـلـيـة ضـــد الـفـلـسـط­ـيـنـيـن، فـــي حـــن ال يـــتـــور­ع عن وصــــف مـــمـــار­ســـات املــقــات­ــلــن الفلسطينين باإلرهابية وإدانتها، في الوقت الذي ال يدين صــراحــة دائــمــا عـنـف املـسـتـوط­ـنـن والجيش وإرهـــاب الـدولـة واملــجــا­زر التي ترتكب بحق الــفــلــ­ســطــيــن­ــيــن املـــدنــ­ـيـــن، بــــل يــســتــخ­ــدم فـي الـــغـــا­لـــب لـــغـــة «الـــتـــع­ـــاطـــف» و«الــــــحـ­ـــــزن»، وإن استخدم كلمة إدانـة في سياق الجرائم التي تـــرتـــك­ـــب ضــــد الــفــلــ­ســطــيــن­ــيــن فـــإنـــه غـــالـــب­ـــا ال يسمي الفاعل. ال شــــــك أن وضــــــــ­ع غــــوتـــ­ـيــــريــ­ــس حـــــســـ­ــاس، خصوصا أنه يحتاج لالستمرار والتفاوض مع إسرائيل حول إدخال املساعدات وغيرها، إال أن حـجـم املـــجـــ­زرة فــي غـــزة وطـــول تـاريـخ وأمــــد الــظــلــ­م للفلسطينين يــحــتــم عـلـيـه أن يتخذ مواقف أكثر وضوحا، وهو ما لم يقم بــه دائـــمـــ­ا. مــثــال عـــدم إدراجـــــ­ه إســرائــي­ــل على «قائمة العار» في أي من السنوات املاضية، عــلــى الـــرغـــ­م مـــن ارتــكــاب­ــهــا واحـــــدة مـــن أعـلـى معدالت قتل وجــرح األطفال في الصراعات. وسيصدر تقرير هذا العام في شهر يونيو/ حزيران املقبل ويغطي العام املاضي، وسنرى إذا كان سيستمر في التستر على إسرائيل. ودان غوتيريس بشكل مباشر وال لبس فيه عملية الفصائل الفلسطينية فــي 7 أكتوبر (هــــجــــ­وم حـــركـــة حـــمـــاس عـــلـــى مــســتــو­طــنــات غــــالف غــــــزة). وبـــعـــد يـــومـــن (فــــي 9 أكــتــوبـ­ـر) قــال إن «الهجمات لـم تــأت مـن فـــراغ»، مؤكدًا فــي الــوقــت ذاتــــه أن تـصـريـحـه ال يـعـنـي «أنــه يبررها»، وأن التاريخ لم يبدأ في أكتوبر. إال أن الحملة اإلسرائيلي­ة ضـده تكثفت بعدها في أسبوعن عندما كــرر هـذه الجملة خالل إحاطة له في مجلس األمن الدولي. ولم يطالب

 ?? (فاتح أكطاش/األناضول) ?? أساءت الدول العظمى استخدام مجلس األمن بحسب أهوائها
(فاتح أكطاش/األناضول) أساءت الدول العظمى استخدام مجلس األمن بحسب أهوائها

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar