Al Araby Al Jadeed

6 أشهر على العدوان: غزة مدمرة واقتصاد مشوه

خلف العدوان اإلسرائيلي المستمر منذ ستة أشهر، كارثة معيشية في قطاع غزة المدمر، وباتت القطاعات االقتصادية في الضفة الغربية أكثر تشوهًا وهشاشة

- رام اهلل ـ مالك نبيل غزة ـ العربي الجديد

بـــعـــد انـــقـــض­ـــاء نـــصـــف عـــــام عـلـى الــعــدوا­ن اإلسـرائـي­ـلـي على قطاع غـــــزة، مــنــذ الــســابـ­ـع مـــن أكــتــوبـ­ـر/ تـــشـــري­ـــن األول املـــــاض­ـــــي، تــســتــم­ــر الــعــجــ­لــة االقـــتــ­ـصـــاديــ­ـة فـــي الــضــفــ­ة الــغــربـ­ـيــة املـحـتـلـ­ة بالتراجع يومًا بعد يوم، ما يجعل االقتصاد الـفـلـسـط­ـيـنـي مــشــوهــًا وأكـــثـــ­ر هــشــاشــ­ة أمـــام الـــصـــد­مـــات الـــتـــي يــتــلــق­ــاهــا، فـــي حـــن جــرى دفـــن الـقـطـاعـ­ات االقــتــص­ــاديــة الضعيفة في غـزة بـاألسـاس تحت ركــام املنشآت والبنية التحتية التي جرى تدميرها تدميرًا واسعًا. فقد االقتصاد الفلسطيني في الضفة نحو %27 مــــن املــــعــ­ــدل الــطــبــ­يــعــي لـــإنـــت­ـــاج قـبـل الحرب، باإلضافة إلى خسائر إنتاجية تقدر بنحو 2.5 مليار دوالر، عدا عن فقدان السوق نحو 12 مليار شيكل 3.4( مليارات دوالر) كانت تضخ كل نصف عام من عمال الداخل املحتل عــام 1948 والـبـالـغ عـددهـم 200 ألف عامل. وبـــــحــ­ـــســـــب بــــــيــ­ــــانــــ­ــات وزارة االقـــــت­ـــــصــــ­ـاد الفلسطيني، فــإن أكـثـر مــن 80 ألــف منشأة تـــجـــار­يـــة تـــراجـــ­ع إنــتــاجـ­ـهــا أو تــوقــفــ­ت عن الـعـمـل بــالــكــ­امــل، ومـــن أبــــرز هـــذه املـنـشـآت، قـطـاع اإلنــشــا­ءات والــعــقـ­ـارات، يليه القطاع الـــزراعـ­ــي والــخــدم­ــاتــي والــصــنـ­ـاعــي، ويــقــدر عدد العاملن في هذه القطاعات بنحو 651 ألف عامل. ولــم تقف األزمـــة عند الـقـطـاعـ­ات التجارية، بل إن املوظفن في القطاع العام ال يتلقون الــــروات­ــــب بــانــتــ­ظــام مــنــذ نــوفــمــ­بــر/ تـشـريـن الثاني ،2021 إذ يتلقون شهريًا ما بن %60 إلــى %80 مــن الــراتــب. ويبلغ عــدد املوظفن 147 ألــــف مــدنــي وعـــســـك­ـــري، بـــرواتــ­ـب تصل إلى نحو 160 مليون دوالر شهريًا، يضاف إليها 120 مليون دوالر أخرى شهريًا تمثل أجور املتقاعدين ومخصصات ذوي األسرى والشهداء، ومجموعها 280 مليون دوالر. ولــم تستطع الحكومة اإليــفــا­ء بالتزاماته­ا نتيجة اســتــمــ­رار االقـتـطـا­عـات اإلسرائيلي­ة مـن أمـــوال املقاصة (عـائـدات الضرائب التي تحولها إسرائيل إلى السلطة الفلسطينية) إذ إنه مع بداية العدوان على غزة قرر وزير املالية اإلسرائيلي بيتسلئيل سموتريتش، اقتطاع حصة غزة من أموال املقاصة، والتي تـبـلـغ قـــرابـــ­ة 75 مــلــيــو­ن دوالر مـــن إجـمـالـي املقاصة البالغة 220 مليون دوالر شهريًا، في حن يصل مجموع أمــوال املقاصة التي يحتجزها االحــتــا­لل إلـــى نـحـو 850 مليون دوالر منذ ،2018 وهذه األمـوال التي تعتمد عـلـيـهـا الـسـلـطـة الفلسطينية لــدفــع رواتـــب املـوظـفـن. وبـحـسـب منظمة الـعـمـل الـدولـيـة فــإن أكثر مـن 650 نقطة تفتيش إسرائيلية دائمة أو مؤقتة تنتشر في الضفة الغربية، ما ترك أثرًا سلبيًا على االقتصاد الفلسطيني، حـيـث إن ثـلـث الـعـمـالـ­ة فــي الــســوق تـضـررت بـالـكـامـ­ل، وســـط مــخــاوف مــن ارتــفــاع نسبة البطالة إلى %50 بفعل استمرار الحرب. ذلـك كله أدى إلـى توقف تدفق مئات املالين مـــــن الــــشـــ­ـواكــــل إلــــــى الـــــســ­ـــوق الــفــلــ­ســطــيــن­ــيــة، والــــذي انـعـكـس سلبًا عـلـى الــقــدرة الشرائية للمواطنن، والتي ألقت بظاللها على املحالت التجارية التي توقفت عن العمل أو تراجعت أربــــاحـ­ـــهــــا أو مــبــيــع­ــاتــهــا، مــــا جـــعـــل الـــســـو­ق الفلسطيني يواجه مرحلة من أسـوأ املراحل االقتصادية منذ 30 عامًا وفق وزارة االقتصاد.

أكثر من 80 ألف منشأة تجارية في الضفة تراجع إنتاجها أو توقفت بالكامل

ثالثة سيناريوهات للمستقبل

كـــــل الــــعـــ­ـوامــــل الـــســـا­بـــقـــة تـــجـــعـ­ــل املــســتـ­ـقــبــل االقتصادي ضبابيًا، لذا يجب قراء ة الظروف الـــحـــا­لـــيـــة ضـــمـــن ثـــالثـــ­ة ســـيـــنـ­ــاريـــوه­ـــات فـي األعراف االقتصادية، بحسب ما يقول عضو االتـحـاد الـعـام لالقتصادين الفلسطينين، ثابت أبو الروس. ويوضح أبو الـروس في حديث مع «العربي الــجــديـ­ـد» أن أول هـــذه الــســيــ­نــاريــوه­ــات هو الـــســـي­ـــنـــاري­ـــو «املــــتــ­ــفــــائـ­ـــل» واملــــرت­ــــبــــط بــوقــف الـــــــع­ـــــــدوا­ن عــــلــــ­ى غــــــــز­ة، ثـــــم تــــســــ­لــــم الــســلــ­طــة الفلسطينية أمــوال املقاصة بالكامل، يليها عودة العمال تدريجيًا إلى العمل في الداخل املحتل تزامنًا مع عودة الدعم الدولي واملنح الـــخـــا­رجـــيـــة، بــــاإلضـ­ـــافــــة إلـــــى عــــــودة نـشـطـة لـلـسـيـاح­ـة الـــوافــ­ـدة مـــن الـــخـــا­رج، والـسـيـاح­ـة الداخلية من أراضي عام .1948 وال تـعـتـبـر هـــذه الــعــوام­ــل واردة فـــي الــوقــت الحالي ما دام العدوان اإلسرائيلي مستمرًا على غزة، في حن ال يعتبر السيناريو الثاني «املـــتـــ­شـــائـــم» راجـــحـــًا ألنــــه يـعـتـمـد عــلــى عــدم وجــود أيـة انفراجة في امللفات االقتصادية، ونظرًا إلى وجود حكومة فلسطينية جديدة بـــرئـــا­ســـة مــحــمــد مــصــطــف­ــى، تــحــظــى بـقـبـول إسرائيلي أوال، ثـم دولــي وعـربـي، وتوصف

بـــأنـــه­ـــا اقــــتـــ­ـصــــاديـ­ـــة بــــالـــ­ـدرجــــة األولـــــ­ــــى فـــإن السيناريو الثالث هو األرجح والذي يسمى الــســيــ­نــاريــو «األســــــ­ــاس» املـــرتــ­ـبـــط بــاملــوا­قــف السياسية، إذ يعتمد هــذا السيناريو على حلحلة فـي بعض القضايا االقتصادية مع استمرار العدوان، وهي عودة الدعم الدولي مـــع إمــكــانـ­ـيــة الـــعـــو­دة الــجــزئـ­ـيــة لـلـعـمـال­ـة في الداخل، واستعادة أجزاء من أموال املقاصة، كما يرى أبو الروس. ويــــتـــ­ـابــــع أبــــــو الــــــــ­ــروس: «ال أعـــتـــق­ـــد أن يـمـر االقـــتــ­ـصـــاد الـفـلـسـط­ـيـنـي بــمــرحــ­لــة أســـــوأ من املرحلة الحالية، نظرًا إلــى تعايش املواطن مـــع حــالــة الـــحـــر­ب، وانــــدمـ­ـــاج عــشــرت اآلالف من العمال العائدين من الداخل في مشاريع صـــغـــيـ­ــرة وجـــــديـ­ــــدة، لـــكـــن ذلـــــك ال يــعــنــي أن تـحـسـنـًا ســيــطــر­أ عــلــى االقـــتــ­ـصـــاد، حــيــث إن سلوك املواطن االستهالكي بات يتركز على األساسيات مقابل الكماليات، وسط تراجع فـــي شـــــراء املـــركــ­ـبـــات واألجــــه­ــــزة الـكـهـربـ­ائـيـة والشقق التجارية، وذلــك يعني ضبط حالة الشراء ومحاولة االدخار وتقليل النفقات».

ال أفق إلنهاء األزمة قريبًا

ويـــــرى أســـتـــا­ذ الـتـنـمـي­ـة االقـــتــ­ـصـــاديــ­ـة، عبد الـــفـــت­ـــاح أبــــو شــكــر أن األزمـــــ­ـة االقــتــص­ــاديــة

الحالية ال أفـق لحل لها، حيث إنها تواجه تقييدًا إسرائيليًا، ولـن تستطيع الحكومة الفلسطينية الـجـديـدة اإليــفــا­ء بالتزاماته­ا ما دامــت السيطرة اإلسرائيلي­ة قائمة على مصادر الدخل املالي، باإلضافة إلى استمرار العدوان اإلسرائيلي الـذي لم يتوقف وسط غياب فرص إنهائه في املرحلة املقبلة. ويقول أبو شكر الذي كان عضوًا في الوفد الفلسطيني للمفاوضات االقـتـصـا­ديـة مع إسرائيل في حديث لـ«العربي الجديد» إن إســـرائــ­ـيـــل تـسـيـطـر عــلــى %60 مـــن مــصــادر السلطة الفلسطينية املالية، وفي حال عدم استرجاع أموال املقاصة وعدم توقف الحرب فإن التعقيدات االقتصادية ستستمر وسط مؤشرات ارتفاع نسبة البطالة، والفقر، ولن تستطيع الـحـكـومـ­ة الفلسطينية الـجـديـدة تحقيق التنمية واالنــتــ­عــاش االقــتــص­ــادي، وســط تـقـديـرات بانخفاض ضريبة الدخل التي تعتبر من املصادر املالية للسلطة. وال يعتقد أبـــو شـكـر أن الـــواليـ­ــات املـتـحـدة األمــيــر­كــيــة ومــعــهــ­ا الـــــدول األوروبـــ­ـيــــة على اســتــعــ­داد لتقديم الــدعــم املــالــي للسلطة ما دامــــت الــحــرب قـائـمـة فــي غــــزة. ويـــقـــو­ل: «مـا لم تساعد أميركا السلطة فإن األزمة املالية لـن تنتهي ولــن تختلف الحكومة الجديدة عن السابقة، حيث ستواجه األخيرة ديونًا تقدر بسبعة مليارات دوالر متراكمة وقابلة للزيادة». وكانت السلطة الفلسطينية عمدت مؤخرًا إلـــى تغيير حـكـومـة محمد اشـتـيـة وتعيني مـــحـــمـ­ــد مـــصـــطـ­ــفـــى الـــــــذ­ي يـــشـــغـ­ــل مــنــاصــ­ب اقــــتـــ­ـصــــاديـ­ـــة مـــنـــهـ­ــا إدارة هـــيـــئـ­ــة صـــنـــدو­ق االستثمار الفلسطيني، ومستشار الرئيس محمود عباس للشؤون االقـتـصـا­ديـة، وقد كـــلـــف بـتـشـكـيـ­ل حــكــومــ­ة جـــديـــد­ة عــلــى أمــل إحداث انفراجة اقتصادية.

اقتصاد غزة تحت الركام

وفي قطاع غزة تتفاوت تقديرات الخسائر املادية بني جهة وأخـرى، كما أن آخر تقرير مشترك للبنك الدولي واألمــم املتحدة يقيم األضــــــ­ــرار الـــتـــي لــحــقــت بــالــبــ­نــيــة الـتـحـتـي­ـة الــحــيــ­ويــة فـــي الــفــتــ­رة بـــني أكـتـوبـر/تـشـريـن األول حــتــى نــهــايــ­ة يـــنـــاي­ـــر/كـــانـــو­ن الــثــانـ­ـي املاضيني. وأشار تقدير صادر عن البنك الدولي مطلع إبـــريـــ­ل/ نــيــســا­ن الـــجـــا­ري، إلـــى أن الـــعـــد­وان اإلســرائـ­ـيــلــي ألــحــق أضـــــرارًا قيمتها تناهز 18.5 مـــلـــيـ­ــار دوالر فــــي الـــبـــن­ـــيـــة الــتــحــ­تــيــة للقطاع. وفي تقييمه غير النهائي لألضرار، لفت البنك الدولي إلـى أن الرقم يمثل %97 مـــن الـــنـــا­تـــج االقـــتــ­ـصـــادي املـــشـــ­تـــرك للضفة الغربية املحتلة وقطاع غزة في العام ،2022 فــي حــني خـلـف الــعــدوا­ن 26 مليون طــن من الـركـام الــذي من املتوقع أن تستغرق إزالته سـنـوات. ويقدم التقرير تفاصيل عن حجم الدمار الذي لحق بالبنية التحتية والحالة املـــــزر­يـــــة لـــلـــسـ­ــكـــان فـــــي الــــقـــ­ـطــــاع الـــســـا­حـــلـــي الضيق، إذ دمرت املرافق الصحية، ويعاني السكان الجوع وتعرقل أعمال اإلغاثة بفعل استمرار العدوان. ووجـــــد الــتــقــ­ريــر أن األضــــــ­ـرار الـــتـــي لحقت باملباني تـؤثـر فـي كـل قـطـاع غـــزة، إذ يمثل اإلسكان %72 من التكاليف، وتمثل البنية الـــتـــح­ـــتـــيــ­ـة لـــلـــخـ­ــدمـــات الــــعـــ­ـامــــة مـــثـــل املـــيـــ­اه والصحة والتعليم .%19 وقال البنك الدولي إن أكـــثـــر مــــن مـــلـــيـ­ــون شـــخـــص بــــال مـــنـــاز­ل، %75و من السكان مشردون، مضيفًا أن أكثر مـن نصف سـكـان غــزة أصبحوا على حافة املـــجـــ­اعـــة، ويــعــانـ­ـي جـمـيـع الــســكــ­ان انـــعـــد­ام األمن الغذائي الحاد وسوء التغذية.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar