«كسر عضم»... سؤال المليون
ال يمكن بــأّي حــال ادعـــاء إن مسلسل «كسر عضم» (املـوسـم الثاني، وغيره من مـسـلـسـالت مـهـمـة، مـثـل «دقـيـقـة صــمــت» و«مــســافــة أمــــان» وثـالثـيـة «الـــــوالدة من الخاصرة» وغيرها) يهدف إلى تجميل النظام في سورية أو إلى تلميع صورته، أو إلى القول إن الرئيس بشار األسد هو شخصية جميلة وبعيد عن الديناميكيات القائمة للفساد. لم أقرأ أي رسالة في املسلسل بهذا الخصوص، بل وجود صورة الرئيس خلف مكاتب الفاسدين من قيادات املافيات األمنية السورية يشي بأنه جزء من هذا «السيتسم» الفاسد. وال أظن أن هنالك أي رسالة إيجابية للنظام، على األقل في ما شاهدته من الجزء األول وفي حلقات املوسم الثاني التي تقترب من نهايتها. النص جميل، واملستوى األدائي للممثلني مميز والحبكة قوية، واإلمساك بتفاصيل كثيرة وربطها ببعضها يتميز بمستوى عــال، والنقد السياسي يتسم بسقف ال نجده في أي دولـة عربية اليوم. ولعل هنا بيت القصيد، بل سؤال املليون: ملاذا يسمح النظام السوري الذي يحكم باألمن بمثل هذه املسلسالت؛ وفيها ممثلون محسوبون على النظام، أو ذوو «مواقف رمادية» في أفضل الحاالت، وجــزء من التصوير هو في دمشق، ويعرض املسلسل على شاشات تلفزيونات معارضة، مثل تلفزيون سوريا والعربي 2 (وكالهما من مؤسسة فضاءات ميديا، املعروف موقفهما الداعم للثورة السورية)؟! ذلك هو سؤال املليون! ما هي الرسالة السياسية للنظام السوري من املوافقة على هذا املستوى من النقد أو تمريره وعدم معاقبة املؤلفني واملخرجني واملمثلني (هنالك اسـتـثـنـاءات كما حــدث مـع سـامـر رضــــوان، سيناريست «الــــوالدة مـن الـخـاصـرة» و«ابتسم أيها الجنرال»)، وال يتوقع أحد أن يأخذ ممثلون وفنيون قرارًا باملشاركة بمثل هذه املسلسالت في نظام أمني مثل النظام السوري، هل سيأخذون قرارًا كهذا على عاتقهم من دون موافقة مسبقة من األجهزة األمنية؟ هل الرسالة السياسية هي تلميع النظام؟ العكس تمامًا؟ هل هي السماح بسقف من الحريات وتقبل النظام للنقد؟ تقول املسلسالت نفسها غير ذلك؛ كأن يعتقل شـخـص ملــجــرد نـشـر مـقـال عـلـى مــواقــع الــتــواصــل االجـتـمـاعـي. هــل هــي مـؤامـرة للتنفيس عــن الـــشـــارع؟ الـعـكـس صـحـيـح، فـاملـسـلـسـالت تصيب الــنــاس ّبالتوتر والغضب والشعور بحجم الفساد واإلهانة في املسلسل. هل هي للقول إن هنالك مجاال لإلصالح؟ شخصيًا، لم أجد هذه الرسالة.
ٌّ ثمة حجج عديدة قرأتها بخاصة من املعارضة السورية في نقد «كسر عضم»، ما اضطر مدير تلفزيون سوريا الصديق حمزة املصطفى إلى الدفاع عن سبب عرضه على شاشة التلفزيون (املعارض) بمنشور طويل. لكنني، حتى كتابة هذه السطور، لألمانة، لم أجد مقاال مقنعًا يكشف لنا أسبابًا مقنعة، وربما يقدم من داخل أروقة (ودهاليز) اإلخراج والتصوير والعالقة مع السلطة (في سورية) من شركة اإلنتاج أسـرارًا في كيفية فهم السبب في التهاون من النظام مع هذا املسلسل وغيره. ربما أكــون مخطئًا، فقد تكون الرسالة هي النقيض تمامًا لكل ما ذكــر، بمعنى أن النظام في سورية يقول «أنا ال أكذب وال أتجمل»، فهو معروف بهذا الوجه وال يستطيع إخفاءه وال يطلب من املواطنني أن يحبوه أو أن يقتنعوا بأنه مختلف، فات األوان على ذلــك، املطلوب هو الخوف والرعب من مصير من يعارض أو يمارس عمال سياسيًا. وهــذا تحليل قد يكون مجازفًا، وال يعني، بـالـضـرورة، أنــه هدف اإلنتاج واإلخراج، لكن أحد التفسيرات التي قد نضعها على الطاولة!