Al Araby Al Jadeed

التونسي يبحث عن الهجرة ويثق بسعيّد

- صالح الدين الجورشي

عاد الجدل في تونس بشأن مصداقية مؤسسات سبر (استطالع) اآلراء، سواء التي ينجزها تونسيون أو أجانب، وذلك بعد إعالن نتائج استطالع أنجزته مجموعة الباروميتر العربي، الذي تقف وراءه جامعات ومراكز بحثية أميركية وعربية مهمة، ومن جهة أخـرى، صدور «باروميتر» قامت به مؤسسة «تينيزيا ميتر». وجاءت النتائج محيرة، خصوصًا ألوساط املعارضة التي لديها تقديرات مختلفة تمامًا. هناك تقاطع بني التقريرين، حيث يتفقان على صدارة الرئيس قيس سعيد الذي ال يزال يحظى بنسبة ثقة عالية من التونسيني بلغت .%68 وفي اآلن نفسه، تشير النتائج إلى الفارق الكبير والعريض بينه وبني رئيس الحكومة أحمد حشاني الذي لم تتجاوز نسبة الثقة فيه %4 فقط، وهذه أسوأ نتيجة تسجل في تاريخ رؤساء الحكومات في تونس. وهذا أمر مفهوم، ألن الرجل ليست له الشروط التي تجعله قادرًا على كسب ود التونسيني، فنادرًا ما خاطبهم وشرح لهم ما يفعله وما ينوي القيام بـه، وتمحورت معظم تدخالته حـول الرئيس سعيد وحـبـه تـونـس. وكذلك الشأن بالنسبة إلى البرملان الذي بدا عاجزًا عن فعل أي شيء لصالح البالد والعباد. يكمن املشكل في أن املسؤول عن سياسة الحكومة هو رئيس الدولة وليس غيره. إذا كانت هذه السياسة جيدة، فاألمر يحسب له، وإذا كانت سيئة تحسب عليه. والغريب أنه عندما سئل التونسيون سؤاال ال لبس فيه: هل البالد تسير في الطريق الصحيح؟ قال %9 فقط: نعم. ... أي إن األغلبية الساحقة من أفراد الشعب اعتبروا بالدهم تسير في االتجاه الخاطئ. فكيف يمكن تفسير هذا التناقض. كذلك فإن النصف تقريبًا من املستجوبني في «الباروميتر العربي» يفكرون في الهجرة، سيما األصغر سنًا واألفضل تعليمًا. وضمن الفئة التي تفكر في الهجرة، أقل من النصف بقليل أقــروا بأنهم بــدأوا في التخطيط لذلك، وقـال أربعة من كل عشرة أشخاص إنهم يفكرون في الخروج من تونس، حتى إذا لم تتوافر األوراق الرسمية الالزمة لالنتقال إلى دولة أخرى، في إشارة إلى وسائل الهجرة السرية أو غير النظامية. قيل في تفسير هذا التوجه املتناقض في ردود التونسيني إن الساحة شاغرة، وفي غياب املعارضة وعـدم وجـود بديل سيبقى التونسيون متمسكني بقيس سعيد الذي ال يزال يوصف بالرجل النظيف والحازم في مالحقة الفاسدين. بمعنى آخر، كلما غاب البديل املقنع استمّرت الثقة في النموذج الوحيد املاثل أمام الجميع. لكن املعارضة التي ال تفرض وجودها لن يلتفت إليها الناس ويبحثوا عنها، خصوصًا اذا سبق لها أن حكمت وفشلت، وتركت خلفها انطباعًا سيئًا لدى عموم شعبها. قد يكون التونسيون بصدد البحث عن شخص آخر يقنعهم بأنه سيكون األقدر على تجديد األمـل لديهم، والنهوض بأوضاعهم نحو األفضل. ولعل ذلـك يفسر حـصـول مـنـذر الــزنــاي­ــدي على %21,1 مــن نـيـات التصويت بعد الـرئـيـس سعيد مباشرة الذي حظي بنسبة ،%21 وهي بداية جيدة لشخصية سياسية تعلن نيتها الترشح للرئاسيات املقبلة. ويتفق كل الذين يعرفون الرجل بأنه كـفء ونظيف ومحبوب لدى تونسيني كثيرين، وترك انطباعًا جيدًا بعد توليه بعض املسؤوليات الوزارية في عهد الرئيس بن علي، فليس كل من سبق وعمل في أجهزة الدولة قبل الثورة هو سيئ بالضرورة كما يعتقد بعضهم. يبقى التحدي الرئيسي اقتصاديًا بامتياز، وهو ما يفسر هذا «اإلحباط من الديمقراطي­ة». فالديمقراط­ية في أذهان التونسيني وفــي تعريفهم لـهـا، حسبما ورد فـي «الـبـارومـ­يـتـر الـعـربـي» مرتبطة «بتوفير الضرورات االقتصادية، واملساواة تحت لواء القانون، وغياب الفساد، أكثر من ارتباطها بعقد انتخابات حرة ونزيهة». وهذا ما يجب أن تفكر فيه املعارضة بجدية. ال يعني التخلي عن الحريات، ولكنها ستخسر االنتخابات إذا اقتصرت على الجوانب السياسية من دون التركيز بقوة على توفير احتياجات مواطنيها. يجب أن تقطع مع حالة االنفصام التي عانت منها طوال املرحلة املاضية.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar