لمصلحة َمن إثارة الفتنة في األردن؟
ظــــهــــرت أخـــــيـــــرًا مــــــقــــــاالت لـــــكـــــتـــــاب أردنــــيــــن معروفن وغير معروفن، تتضمن تحريضًا، ضــمــنــيــًا أو صـــريـــحـــًا، عــلــى املــحــتــجــن ضد التطبيع مـع الـدولـة الصهيونية، وبخاصة بعد استمرار االحتجاجات الليلية في أقرب نـقـطـة مـــن الـــســـفـــارة اإلســرائــيــلــيــة فـــي عــمــان والدعوات إلى إغالقها كليًا. ويحرض كاتبو املـــقـــاالت والـتـعـلـيـقـات املـمـاثـلـة عـلـى وسـائـل التواصل االجتماعي الدولة من أجل التحرك ضــد املــظــاهــرات واالعــتــصــامــات، ويشككون في انتماء املشاركن، ويتهم بعضهم إيـران وحـركـة حماس بمحاولة تقويض استقرار األردن. املشكلة في هـذه الـدعـوات أنها تقفز على حقيقة أن إسرائيل تمثل الخطر الرئيس عـلـى األردن، وأن الـــدولـــة تستطيع أن تجد وســـائـــل حـكـيـمـة لـلـتـعـامـل مـــع أي مـــؤشـــرات لـــتـــدخـــل أي جـــهـــة دون تـــعـــريـــض الــــوحــــدة الـــداخـــلـــيـــة لـــشـــرخ ال يــفــيــد ســــوى إســـرائـــيـــل. وقــد يكون مفهومًا انـزعـاج الـدولـة األردنـيـة من نــداءات قـادة املقاومة في قطاع غـزة إلى الشعوب العربية إلـى عبور الـحـدود للقتال ضد إسرائيل، وصحيح أن الدولة ال تستطيع الــســمــاح بـــذلـــك، إال أنــهــا أيــضــًا تـعـتـبـر هــذه النداءات تحريضًا مباشرًا ضد سياساتها، فهي لـم تقطع العالقة مـع إسـرائـيـل، بالرغم مــــن تـــصـــريـــحـــات اإلدانــــــــة الـــرســـمـــيـــة لـلـكـيـان الصهيوني، ومن دعمها وتأييدها الدعوى الـــتـــي رفــعــتــهــا جـــنـــوب أفــريــقــيــا فـــي محكمة العدل الدولية إلثبات أن إسرائيل منخرطة في حرب إبادة ضد أهل غزة. استياء الدولة األردنية مرده أيضًا خشيتها
مــــن أن نـــــــــداءات «حـــــمـــــاس» تــــقــــوي شـكـيـمـة اإلخــوان املسلمن بــاألردن، فال يـزال حاضرًا بــقــوة فـــي ذهـــن الـــدولـــة مـــيـــدان الــتــحــريــر في القاهرة الذي انتهت تظاهرات فيه إلى قيادة اإلخوان املسلمن مصر قبل انقالب 3 يوليو، وهــــذا مــا عــبــر عـنـه رئــيــس مـجـلـس األعــيــان، فيصل الـفـايـز، بـتـحـذيـره كــل مــن «اإلخــــوان» وحـــمـــاس مـــن «الـــلـــعـــب»، فـــي تــصــريــح لـــه لم يكن موفقًا، ألنـه ينطوي على اتهام ضمني ضد املحتجن واملتضامنن مع املقاومة، أو عـلـى األقـــل مــع أهـــل غــــزة، بـــأن حـركـة حماس «تــســتــخــدمــهــم» فــــي «الـــلـــعـــب» فــــي الــســاحــة الداخلية األردنـيـة. فيما تستطيع الدولة أن تبعث رسائل إلى «حماس» من خالل وسطاء ودول، وال ضرورة لتخويف الداخل األردني، فالحركة في النهاية ليست العدو. وقــد تناسبت تصريحات الـفـايـز، وإن ليس كـــلـــيـــًا، مــــع الـــتـــحـــريـــض الــــواضــــح فــــي بـعـض املـــقـــاالت، وإن احــتــجــت مـــقـــاالت أخــــرى على تــحــريــض واضـــــح ضـــد األردنــــيــــن مـــن أصــل فلسطيني، لكن املشكلة أن كل كلمة تقولها الــــدولــــة فـــي هــــذا االتــــجــــاه سـتـخـتـلـط بــوابــل الــتــعــلــيــقــات املــســيــئــة الـــتـــي تـــمـــس بــالــوحــدة الــوطــنــيــة. كــيــف يـمـكـن تــشــويــه املــشــهــد إلــى هـــذا الـحـد بـــدال مــن فهمه وعــرضــه كـمـا هـو؟ مـن الطبيعي أن تـأتـي هـتـافـات املتظاهرين عـــلـــى أســــمــــاء رمــــــوز مــــقــــاومــــة، ولـــيـــس لــهــذا عـالقـة بـتـحـدي الـهـويـة األردنـــيـــة، وإنــمــا هو تــحــد لــلــمــشــروع الـصـهـيـونـي الـكـولـونـيـالـي الــذي يهدف إلـى محو الهوية الفلسطينية، وبـالـتـالـي يشكل تـهـديـدًا استراتيجيًا على فلسطن واألردن وهــويــة األردن الـوطـنـيـة. هـــنـــاك غـــضـــب وحــــــزن بــــن األردنـــــيـــــن؛ فـمـن
ناحية يجدون عجزًا عربيًا رسميًا عن وقف جــريــمــة اإلبــــــادة اإلســرائــيــلــيــة، ومــــن نـاحـيـة أخـــرى يـخـشـون عـلـى مستقبلهم ومستقبل األردن واستقراره. وتسطيح املشهد، بحيث يـــجـــري تـــصـــويـــر الــــشــــعــــارات وكـــأنـــهـــا تــحــد لــلــهــويــة الــوطــنــيــة األردنـــــيـــــة، يـــشـــوه مـــا هو مفروض أن يكون جميال ومفهومًا، فمقاومة إسرائيل فعل يحمي األردن وال يشكل خطرًا عليه. ليست حركة حماس فــوق النقد، لكن التعامل معها بصورة تقترب من اعتبارها عــــدوًا يـخـلـط األوراق، بـحـيـث يـنـتـج تـأزيـمـًا وتــــوتــــرًا داخـــلـــيـــًا ال يــحــتــاجــه األردن، فـمـن الـطـبـيـعـي أن ال يـــؤيـــد الـــنـــاس الـتـطـبـيـع مع كيان يفاخر باحتالله وجرائمه، وحكومته ال تـحـتـرم األردن وال سـيـادتـه، وطـبـيـعـي أن تؤيد أغلبية فكرة املقاومة وفعلها، وبإمكان الـــــدولـــــة اســـتـــيـــعـــاب ذلـــــــك؛ وعـــــــدم تــحــمــلــهــا، والسماح بالتحريض على املتضامنن هو تأزيم قصير النظر وغير مفهوم. أما الخوف من استقواء اإلخوان املسلمن في األردن بشعبية «حماس»، فال يجب التعامل معه بهذه الطريقة، ولنتذكر أن أغلب مؤيدي املـــقـــاومـــة فــــي األردن هــــم مــــن جــمــيــع فــئــات الشعب األردني وطبقاته، وليس لذلك عالقة بأيديولوجية إسالمية أو حمساوية، واألهم أن رفض التطبيع مع إسرائيل ال يقتصر على املتظاهرين أو األحزاب، بل هناك ضيق لدى املواطن الذي لم يعد يحتمل أن يشاهد القتل والترويع والتدمير ودفع من لم يستشهد من أهــل غـــزة إلــى حـيـاة بــؤس وخـــوف وحـرمـان، وانــتــظــار مــــوت قــــادم مــن الــســمــاء أو الـجـوع أو املـــــرض. ملــــاذا ال تــوظــف الـــدولـــة األردنـــيـــة احـتـجـاجـات املـتـظـاهـريـن املـسـائـيـة اليومية عـنـد أقـــرب نقطة مـسـمـوح لـهـم االقـــتـــراب من سفارة إسرائيل ملقاومة الضغوط األميركية وتــجــمــيــد الــتــطــبــيــع، فــاالســتــعــانــة بـالـشـعـب ســـــالح اســـتـــراتـــيـــجـــي يـــجـــب أن ال تـــفـــرط بـه الــدولــة األردنـــيـــة؟ وملصلحة مــن يـجـري الـرد عـلـى االحـتـجـاجـات، بـطـرق مـبـاشـرة أو غير مـــبـــاشـــرة، بـتـخـويـن األردنــــيــــن وبــــث الـفـرقـة بــيــنــهــم؟ إذا كـــانـــت الـــدولـــة تـــعـــول عــلــى فــوز جديد للرئيس األميركي جو بايدن ورحيل مأمول لرئيس الــوزراء اإلسرائيلي بنيامن نـتـنـيـاهـو، بـعـد أن انـقـلـب بــايــدن علنًا عليه أخيرًا بعد استشهاد نحو 35 الف فلسطيني، وتــــشــــويــــه أطـــــفـــــال وشـــــبـــــاب وشــــــابــــــات، مــن
مـبـتـوري األطـــــراف وفـــاقـــدي الــعــيــون، فحتى لـــو حـــدث هــــذا، فـــإن بــديــل نـتـنـيـاهـو املـقـبـول أميركيًا مجرم الحرب بيني غانتس، وهناك انزياح إلى أقصى يمن اليمن العنصري في املجتمع اإلسـرائـيـلـي. أي إن األردن سيبقى فــــي خــــطــــر، فـــهـــنـــاك مــــن الـــيـــمـــن مــــن يـعـتـبـر األردن جـــــزءًا مـــن أرض إســـرائـــيـــل، والـــقـــادة اإلســـرائـــيـــلـــيـــون يــتــعــامــلــون مـــع األردن بكل وقـاحـة وكـأنـه مـجـرد حديقة خلفية ومعبر لهم إلى بقية العالم العربي واملنطقة. يــــنــــحــــو كــــــتــــــاب مـــــــقـــــــاالت إلــــــــى الـــتـــحـــريـــض والــــتــــخــــويــــف لـــتـــبـــريـــر عـــمـــلـــيـــات الـــتـــوقـــيـــف واالعــتــقــال بــن صــفــوف املـحـتـجـن، ولكنها مـــن دون قــصــد تـــضـــاعـــف مـــن تــأثــيــر حملة إســرائــيــلــيــة مـــن خــــالل حـــســـابـــات مــشــبــوهــٍة عــلــى وســـائـــل الـــتـــواصـــل االجـــتـــمـــاعـــي، تبث شــتــائــم عــنــصــريــة ضـــد األردنــــيــــن مـــن أصــل فـلـسـطـيـنـي، لــكــن الــــقــــرار فـــي يـــد الــــدولــــة في عـدم تصعيد الوضع الداخلي ومواجهة ما تخطط له إسرائيل ضد األردن. من الطبيعي أن يــؤيــد األردنــــيــــون املــقــاومــة الفلسطينية ويــرفــضــوا الـتـطـبـيـع مــع إســرائــيــل، وهـــو ما يشهد بــه تـاريـخـهـم، فـكـايـد مفلح عـبـيـدات، أول شهيد أردنـــي على أرض فلسطن، قاد عـمـلـيـة مـسـلـحـة ضـــد املــســتــوطــنــن فـــي عــام ،1920 وعشائر األردن بقيادة الشيخ حسن باشا الطراونة كانت أول من قاد حملة ضد االســتــيــطــان الـصـهـيـونـي فــي مـؤتـمـر شهير في عمان عام .1927 فاملقاومة ضد املشروع الصهيوني ورفـــض التطبيع هما استمرار ملحطات مضيئة في تاريخ األردن واألردنين الذين ال يحتاجون أحدًا يحثهم عليهما.
المقاومة ضد المشروع الصهيوني ورفض التطبيع هما استمرار لمحّطات مضيئة في تاريخ األردن واألردنيين الذين ال يحتاجون أحدًا يحثهم عليهما