Al Araby Al Jadeed

لمصلحة َمن إثارة الفتنة في األردن؟

- لميس أندوني

ظــــهــــ­رت أخـــــيــ­ـــرًا مــــــقــ­ــــاالت لـــــكـــ­ــتـــــاب أردنــــيـ­ـــن معروفن وغير معروفن، تتضمن تحريضًا، ضــمــنــي­ــًا أو صـــريـــح­ـــًا، عــلــى املــحــتـ­ـجــن ضد التطبيع مـع الـدولـة الصهيونية، وبخاصة بعد استمرار االحتجاجات الليلية في أقرب نـقـطـة مـــن الـــســـف­ـــارة اإلســرائـ­ـيــلــيــ­ة فـــي عــمــان والدعوات إلى إغالقها كليًا. ويحرض كاتبو املـــقـــ­االت والـتـعـلـ­يـقـات املـمـاثـل­ـة عـلـى وسـائـل التواصل االجتماعي الدولة من أجل التحرك ضــد املــظــاه­ــرات واالعــتــ­صــامــات، ويشككون في انتماء املشاركن، ويتهم بعضهم إيـران وحـركـة حماس بمحاولة تقويض استقرار األردن. املشكلة في هـذه الـدعـوات أنها تقفز على حقيقة أن إسرائيل تمثل الخطر الرئيس عـلـى األردن، وأن الـــدولــ­ـة تستطيع أن تجد وســـائـــ­ل حـكـيـمـة لـلـتـعـام­ـل مـــع أي مـــؤشـــر­ات لـــتـــدخ­ـــل أي جـــهـــة دون تـــعـــري­ـــض الــــوحــ­ــدة الـــداخــ­ـلـــيـــة لـــشـــرخ ال يــفــيــد ســــوى إســـرائــ­ـيـــل. وقــد يكون مفهومًا انـزعـاج الـدولـة األردنـيـة من نــداءات قـادة املقاومة في قطاع غـزة إلى الشعوب العربية إلـى عبور الـحـدود للقتال ضد إسرائيل، وصحيح أن الدولة ال تستطيع الــســمــ­اح بـــذلـــك، إال أنــهــا أيــضــًا تـعـتـبـر هــذه النداءات تحريضًا مباشرًا ضد سياساتها، فهي لـم تقطع العالقة مـع إسـرائـيـل، بالرغم مــــن تـــصـــري­ـــحـــات اإلدانــــ­ــــة الـــرســـ­مـــيـــة لـلـكـيـان الصهيوني، ومن دعمها وتأييدها الدعوى الـــتـــي رفــعــتــ­هــا جـــنـــوب أفــريــقـ­ـيــا فـــي محكمة العدل الدولية إلثبات أن إسرائيل منخرطة في حرب إبادة ضد أهل غزة. استياء الدولة األردنية مرده أيضًا خشيتها

مــــن أن نـــــــــ­داءات «حـــــمـــ­ــاس» تــــقــــ­وي شـكـيـمـة اإلخــوان املسلمن بــاألردن، فال يـزال حاضرًا بــقــوة فـــي ذهـــن الـــدولــ­ـة مـــيـــدا­ن الــتــحــ­ريــر في القاهرة الذي انتهت تظاهرات فيه إلى قيادة اإلخوان املسلمن مصر قبل انقالب 3 يوليو، وهــــذا مــا عــبــر عـنـه رئــيــس مـجـلـس األعــيــا­ن، فيصل الـفـايـز، بـتـحـذيـر­ه كــل مــن «اإلخــــوا­ن» وحـــمـــا­س مـــن «الـــلـــع­ـــب»، فـــي تــصــريــ­ح لـــه لم يكن موفقًا، ألنـه ينطوي على اتهام ضمني ضد املحتجن واملتضامنن مع املقاومة، أو عـلـى األقـــل مــع أهـــل غــــزة، بـــأن حـركـة حماس «تــســتــخ­ــدمــهــم» فــــي «الـــلـــع­ـــب» فــــي الــســاحـ­ـة الداخلية األردنـيـة. فيما تستطيع الدولة أن تبعث رسائل إلى «حماس» من خالل وسطاء ودول، وال ضرورة لتخويف الداخل األردني، فالحركة في النهاية ليست العدو. وقــد تناسبت تصريحات الـفـايـز، وإن ليس كـــلـــيـ­ــًا، مــــع الـــتـــح­ـــريـــض الــــواضـ­ـــح فــــي بـعـض املـــقـــ­االت، وإن احــتــجــ­ت مـــقـــاا­لت أخــــرى على تــحــريــ­ض واضـــــح ضـــد األردنــــ­يــــن مـــن أصــل فلسطيني، لكن املشكلة أن كل كلمة تقولها الــــدولـ­ـــة فـــي هــــذا االتــــجـ­ـــاه سـتـخـتـلـ­ط بــوابــل الــتــعــ­لــيــقــا­ت املــســيـ­ـئــة الـــتـــي تـــمـــس بــالــوحـ­ـدة الــوطــنـ­ـيــة. كــيــف يـمـكـن تــشــويــ­ه املــشــهـ­ـد إلــى هـــذا الـحـد بـــدال مــن فهمه وعــرضــه كـمـا هـو؟ مـن الطبيعي أن تـأتـي هـتـافـات املتظاهرين عـــلـــى أســــمـــ­ـاء رمــــــوز مــــقــــ­اومــــة، ولـــيـــس لــهــذا عـالقـة بـتـحـدي الـهـويـة األردنـــي­ـــة، وإنــمــا هو تــحــد لــلــمــش­ــروع الـصـهـيـو­نـي الـكـولـون­ـيـالـي الــذي يهدف إلـى محو الهوية الفلسطينية، وبـالـتـال­ـي يشكل تـهـديـدًا استراتيجيًا على فلسطن واألردن وهــويــة األردن الـوطـنـيـ­ة. هـــنـــاك غـــضـــب وحــــــزن بــــن األردنــــ­ـيـــــن؛ فـمـن

ناحية يجدون عجزًا عربيًا رسميًا عن وقف جــريــمــ­ة اإلبــــــ­ادة اإلســرائـ­ـيــلــيــ­ة، ومــــن نـاحـيـة أخـــرى يـخـشـون عـلـى مستقبلهم ومستقبل األردن واستقراره. وتسطيح املشهد، بحيث يـــجـــري تـــصـــوي­ـــر الــــشـــ­ـعــــارات وكـــأنـــ­هـــا تــحــد لــلــهــو­يــة الــوطــنـ­ـيــة األردنــــ­ـيـــــة، يـــشـــوه مـــا هو مفروض أن يكون جميال ومفهومًا، فمقاومة إسرائيل فعل يحمي األردن وال يشكل خطرًا عليه. ليست حركة حماس فــوق النقد، لكن التعامل معها بصورة تقترب من اعتبارها عــــدوًا يـخـلـط األوراق، بـحـيـث يـنـتـج تـأزيـمـًا وتــــوتــ­ــرًا داخـــلـــ­يـــًا ال يــحــتــا­جــه األردن، فـمـن الـطـبـيـع­ـي أن ال يـــؤيـــد الـــنـــا­س الـتـطـبـي­ـع مع كيان يفاخر باحتالله وجرائمه، وحكومته ال تـحـتـرم األردن وال سـيـادتـه، وطـبـيـعـي أن تؤيد أغلبية فكرة املقاومة وفعلها، وبإمكان الـــــدول­ـــــة اســـتـــي­ـــعـــاب ذلـــــــك؛ وعـــــــد­م تــحــمــل­ــهــا، والسماح بالتحريض على املتضامنن هو تأزيم قصير النظر وغير مفهوم. أما الخوف من استقواء اإلخوان املسلمن في األردن بشعبية «حماس»، فال يجب التعامل معه بهذه الطريقة، ولنتذكر أن أغلب مؤيدي املـــقـــ­اومـــة فــــي األردن هــــم مــــن جــمــيــع فــئــات الشعب األردني وطبقاته، وليس لذلك عالقة بأيديولوجي­ة إسالمية أو حمساوية، واألهم أن رفض التطبيع مع إسرائيل ال يقتصر على املتظاهرين أو األحزاب، بل هناك ضيق لدى املواطن الذي لم يعد يحتمل أن يشاهد القتل والترويع والتدمير ودفع من لم يستشهد من أهــل غـــزة إلــى حـيـاة بــؤس وخـــوف وحـرمـان، وانــتــظـ­ـار مــــوت قــــادم مــن الــســمــ­اء أو الـجـوع أو املـــــرض. ملــــاذا ال تــوظــف الـــدولــ­ـة األردنـــي­ـــة احـتـجـاجـ­ات املـتـظـاه­ـريـن املـسـائـي­ـة اليومية عـنـد أقـــرب نقطة مـسـمـوح لـهـم االقـــتــ­ـراب من سفارة إسرائيل ملقاومة الضغوط األميركية وتــجــمــ­يــد الــتــطــ­بــيــع، فــاالســت­ــعــانــة بـالـشـعـب ســـــالح اســـتـــر­اتـــيـــج­ـــي يـــجـــب أن ال تـــفـــرط بـه الــدولــة األردنـــي­ـــة؟ وملصلحة مــن يـجـري الـرد عـلـى االحـتـجـا­جـات، بـطـرق مـبـاشـرة أو غير مـــبـــاش­ـــرة، بـتـخـويـن األردنــــ­يــــن وبــــث الـفـرقـة بــيــنــه­ــم؟ إذا كـــانـــت الـــدولــ­ـة تـــعـــول عــلــى فــوز جديد للرئيس األميركي جو بايدن ورحيل مأمول لرئيس الــوزراء اإلسرائيلي بنيامن نـتـنـيـاه­ـو، بـعـد أن انـقـلـب بــايــدن علنًا عليه أخيرًا بعد استشهاد نحو 35 الف فلسطيني، وتــــشـــ­ـويــــه أطـــــفــ­ـــال وشـــــبــ­ـــاب وشــــــاب­ــــــات، مــن

مـبـتـوري األطـــــر­اف وفـــاقـــ­دي الــعــيــ­ون، فحتى لـــو حـــدث هــــذا، فـــإن بــديــل نـتـنـيـاه­ـو املـقـبـول أميركيًا مجرم الحرب بيني غانتس، وهناك انزياح إلى أقصى يمن اليمن العنصري في املجتمع اإلسـرائـي­ـلـي. أي إن األردن سيبقى فــــي خــــطــــ­ر، فـــهـــنـ­ــاك مــــن الـــيـــم­ـــن مــــن يـعـتـبـر األردن جـــــزءًا مـــن أرض إســـرائــ­ـيـــل، والـــقـــ­ادة اإلســـرائ­ـــيـــلــ­ـيـــون يــتــعــا­مــلــون مـــع األردن بكل وقـاحـة وكـأنـه مـجـرد حديقة خلفية ومعبر لهم إلى بقية العالم العربي واملنطقة. يــــنــــ­حــــو كــــــتــ­ــــاب مـــــــقـ­ــــــاالت إلــــــــ­ى الـــتـــح­ـــريـــض والــــتــ­ــخــــويـ­ـــف لـــتـــبـ­ــريـــر عـــمـــلـ­ــيـــات الـــتـــو­قـــيـــف واالعــتــ­قــال بــن صــفــوف املـحـتـجـ­ن، ولكنها مـــن دون قــصــد تـــضـــاع­ـــف مـــن تــأثــيــ­ر حملة إســرائــي­ــلــيــة مـــن خــــالل حـــســـاب­ـــات مــشــبــو­هــٍة عــلــى وســـائـــ­ل الـــتـــو­اصـــل االجـــتــ­ـمـــاعـــ­ي، تبث شــتــائــ­م عــنــصــر­يــة ضـــد األردنــــ­يــــن مـــن أصــل فـلـسـطـيـ­نـي، لــكــن الــــقـــ­ـرار فـــي يـــد الــــدولـ­ـــة في عـدم تصعيد الوضع الداخلي ومواجهة ما تخطط له إسرائيل ضد األردن. من الطبيعي أن يــؤيــد األردنــــ­يــــون املــقــاو­مــة الفلسطينية ويــرفــضـ­ـوا الـتـطـبـي­ـع مــع إســرائــي­ــل، وهـــو ما يشهد بــه تـاريـخـهـ­م، فـكـايـد مفلح عـبـيـدات، أول شهيد أردنـــي على أرض فلسطن، قاد عـمـلـيـة مـسـلـحـة ضـــد املــســتـ­ـوطــنــن فـــي عــام ،1920 وعشائر األردن بقيادة الشيخ حسن باشا الطراونة كانت أول من قاد حملة ضد االســتــي­ــطــان الـصـهـيـو­نـي فــي مـؤتـمـر شهير في عمان عام .1927 فاملقاومة ضد املشروع الصهيوني ورفـــض التطبيع هما استمرار ملحطات مضيئة في تاريخ األردن واألردنين الذين ال يحتاجون أحدًا يحثهم عليهما.

المقاومة ضد المشروع الصهيوني ورفض التطبيع هما استمرار لمحّطات مضيئة في تاريخ األردن واألردنيين الذين ال يحتاجون أحدًا يحثهم عليهما

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar