هل يحتاج الفلسطينيون إلى رئيس ورئيس وزراء؟
تــــشــــكــــلــــت حــــكــــومــــة مــــحــــمــــد مــــصــــطــــفــــى، أو الــــحــــكــــومــــة الــــتــــاســــعــــة عـــــشـــــرة فــــــي تــــاريــــخ الـــســـلـــطـــة الــفــلــســطــيــنــيــة، وأدى أعـــضـــاؤهـــا مــــراســــم «الــــيــــمــــن» نـــهـــايـــة الـــشـــهـــر املـــاضـــي (مـارس/ آذار). وهناك معضلتان متصلتان فــــي هــــــذه الـــحـــكـــومـــة، كـــمـــا فــــي أي حــكــومــة فلسطينية يمكن أن تتشكل حـالـيـًا؛ األولــى أن مختلف الصالحيات السياسية واألمنية والـــتـــشـــريـــعـــيـــة حـــالـــيـــًا بـــيـــد شـــخـــص واحـــــد، هــو الــرئــيــس مـحـمـود عـــبـــاس، الــــذي انتخب منذ نحو 20 عامًا. والثانية أن العالقة بن «الرئاسة» و«الحكومة» متوترة بنيويًا، أي منذ استحداث منصب رئيس الحكومة عام ،2003 وقد تواله حينذاك عباس، ووقتها لم تسر العالقات على نحو سلس بن الرئيس ياسر عرفات ورئيس حكومته. وربما يحتاج الفلسطينيون، عـــدا االنــتــخــابــات والـتـوافـق الوطني، إلى إعـادة النظر في مجمل النظام السياسي، فربما يجدر ان يكون لديهم فقط رئيس أو رئيس وزراء، وليس كليهما، فضال عن حسم عدة مشكالت أخرى. يــــتــــضــــمــــن بــــرنــــامــــجــــا مــــنــــظــــمــــة الـــتـــحـــريـــر الفلسطينية وحركة فتح بناء الدولة، وهذا يـتـعـارض مــع عــدم وجـــود مجلس تشريعي
أو مـجـلـس وطــنــي يـجـتـمـعـان فــي اللحظات الـــحـــاســـمـــة. واملـــنـــظـــمـــة هــــي إطـــــــار جــبــهــوي عريض توافقي للقوى الفلسطينية. لذلك فإن االنتخابات أو التوافق القائم على التشاور واالتــــــفــــــاق هــــي أســـــــاس الـــنـــظـــام الــســيــاســي الـــفـــلـــســـطـــيـــنـــي، أمـــــــا الــــــتــــــذرع بـــــــأن الـــقـــانـــون األســــــاســــــي يـــجـــعـــل الــــرئــــيــــس الــفــلــســطــيــنــي صاحب القرار في اختيار الحكومة، ومنحها الثقة، في غياب املجلس التشريعي، فهو أمر ينبه إلـى الخلل في النظام السياسي، أكثر مما يعطي شرعية ملثل هذا الوضع. مـــعـــروف مـنـذ ســنــوات أن مـحـمـد مصطفى، رئـــيـــس صـــنـــدوق االســـتـــثـــمـــار الـفـلـسـطـيـنـي، عــضــو الـلـجـنـة الـتـنـفـيـذيـة ملـنـظـمـة الـتـحـريـر الفلسطينية، سيكون خليفة محمد اشتية في رئاسة الحكومة، وذلــك لسبب محدد أن الـرئـيـس عــبــاس يــريــده رئيسًا «لحكومته»، مــثــلــمــا أراده وأراد مـــعـــه زيــــــاد أبـــــو عـــمـــرو، عـــضـــويـــن فــــي الـــلـــجـــنـــة الـــتـــنـــفـــيـــذيـــة ملـنـظـمـة الـــتـــحـــريـــر، وقـــــد كـــــان واضــــحــــًا أن مـصـطـفـى على «الئحة مرشحي» الرئيس منذ تعيينه فـــي حــكــومــة رامـــــي الــحــمــدالــلــه (عـــــام )2013 مــــع زيــــــاد أبـــــو عــــمــــرو، نـــائـــبـــن لـــرئـــيـــس تـلـك الـحـكـومـة، وكــــان واضــحــًا أن لـهـمـا، فــي ذلـك الــوقــت، عـالقـة مـبـاشـرة مــع رئـيـس السلطة، إلى درجة أن الحكومة بدت لحظة تشكيلها
أقــرب إلـى حكومة ثالثية الـــرؤوس، ما جعل الــحــمــدالــلــه يـــقـــدم اسـتـقـالـتـه بــعــد أسـبـوعـن من توليه املنصب، احتجاجًا على «تضارب الـــصـــالحـــيـــات»، ثـــم تـــراجـــع اعــــن االســتــقــالــة، وبـــقـــي الـــتـــضـــارب، أو االخـــتـــالف فـــي أنــمــاط التفكير، وصوال إلى استقالة مصطفى نفسه بمبادرة منه في مارس/ آذار .2015 كانت لحظة استقالة الحكومة السابقة، قبيل لقاء موسكو للفصائل، مطلع الشهر الفائت (مـــــارس/ آذار)، مـــا أعــطــى انـطـبـاعـًا أن هـذا تمهيد لحكومة توافق وطني على خلفية ما يحدث في قطاع غزة، وقد عبر بيان استقالة مــحــمــد اشــتــيــة ذاتـــــه عـــن هـــــذا، فــفــي مــقــدمــة األسباب التي عبر عنها جاء أن قراره «يأتي على ضــوء املستجدات السياسية واألمنية واالقتصادية املتعلقة بالعدوان على أهلنا في غزة». لـــكـــن الـــحـــكـــومـــة وهــــويــــة رئـــيـــســـهـــا وطــريــقــة تـعـيـيـنـهـا كـلـهـا لـــم تـعـكـس أي شــــيء يـجـري فـي غـــزة، فمصطفى مـرشـح منذ عــام ،2013 على األقـــل، وهــو مــن داخـــل «قـائـمـة الرئيس القصيرة» التي يعرفها املتابعون للمشهد الـــســـيـــاســـي الــفــلــســطــيــنــي. وجــــــــاء ت طــريــقــة تـشـكـيـل حــكــومــة مــصــطــفــى، بـــقـــرار الـرئـيـس واختياره، لتقطع الطريق على أي تكهنات أن هذه حكومة مختلفة، أو لديها فرص نجاح
مختلفة. لم يسبق تشكيل الحكومة توافقات دولية أو محلية، فال جدل بن الفصائل وال مـشـاورات، لالتفاق على برنامج وطني، وال مـفـاوضـات مـع إسـرائـيـل أو مـن يقف خلفها (الـــواليـــات املــتــحــدة) لحلحلة األزمـــــات التي كـانـت تخنق الحكومة السابقة، مثل إعــادة أمـــــــوال املــــقــــاصــــة، أو الـــتـــوصـــل إلـــــى تــرتــيــب ملفات خالفية عـديـدة. وحتى داخــل «فتح» لــم يـتـسـرب أي شـــيء يـشـيـر إلـــى أن اخـتـيـار
مصطفى خضع لنقاش حقيقي داخل اللجنة املركزية للحركة. ... هــنــاك أربــــع أزمـــــات يـــجـــدر الـتـفـكـيـر فيها قـــبـــل تــشــكــيــل أي حـــكـــومـــة، هــــل يـــجـــب فــعــال االستمرار في الفصل بن منصبي الرئيس ورئــــيــــس الـــحـــكـــومـــة، أم يـــجـــب الــتــفــكــيــر فـي نــظــام جـــديـــد، إمــــا أن يــكــون رئــاســيــًا يجعل الرئيس رسميًا صاحب الصالحيات، وهو ذاتــــه رئــيــس الـحـكـومـة وأن تــكــون الحكومة اختياره كما في الـواليـات املتحدة أو بلدان النظام الرئاسي، أو تصبح حكومة برملانية، رئــيــس الـــــوزراء فـيـهـا هــو األســـــاس، شريطة شرعيته االنتخابية، وإلغاء منصب الرئيس أو االتفاق على رئيس بصالحيات محدودة كـــمـــا فــــي أنـــظـــمـــة بـــرملـــانـــيـــة كـــثـــيـــرة. واألزمــــــة الثانية هي أزمة العالقة بن منظمة التحرير والــســلــطــة الـــوطـــنـــيـــة. والـــثـــالـــثـــة أزمـــــة غــيـاب االنتخابات التشريعية والرئاسية وغياب مجلس وطني تـوافـقـي. والـرابـعـة واألهـــم أن نظامًا سياسيًا طبيعيًا تحت االحتالل غير ممكن، وال بد أخـذ هـذا في االعتبار، وطنيًا وعبر موقف دولــي واضــح مـن هــذه املسألة، وكل هذه األزمات ال يمكن حلها من دون أطر وطـنــيــة جــامــعــة، فـــي مـجـلـس وطــنــي جــديــد، ومجلس تشريعي منتخب.
الصالحيات السياسية واألمنية والتشريعية حاليًا بيد شخص واحد، الرئيس محمود عبّاس، الذي انتخب منذ نحو 20 عامًا