Al Araby Al Jadeed

6 أشهر من العدوان على غزة

االحتالل دّمر القطاع الصحي

- غزة ـ أمجد ياغي

مرّت ستة أشهر على العدوان اإلسرائيلي واإلبادة الجماعية التي يمارسها االحتالل اإلسرائيلي بحق قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين األول الماضي. خالل هذه األشهر الستة، قتل وأصاب أكثر من مائة ألف غزّي وعمل على تدمير مقّومات الحياة من بيوت ومستشفيات وطرقات ومؤسسات تربوية، وعرقل إدخال المساعدات وال يزال في ظل سياسة تجويع متعّمدة ومستمرّة. ويعاني الغزّيون اليوم من الجوع وانعدام األمن الغذائي وعدم القدرة على تأمين العالج ووجع الفقدان، وقد خسروا كل شيء

أنـهـى الـــعـــد­وان اإلسـرائـي­ـلـي عـلـى قـطـاع غـزة شـهـره الــســادس على الــتــوال­ــي، ووصـــل عدد املستشفيات التي تعمد االحتالل إخراجها مــن الــخــدمـ­ـة فــي الــقــطــ­اع إلـــى 28 مستشفى، مــــن أصـــــل 36 كـــانـــت تــعــمــل لـــخـــدم­ـــة ســكــان املحافظات الخمس على مدار الساعة. وتعرض مئات من العاملني في القطاع الطبي لالستهداف املباشر واإلعــدام واالعتقال من أماكن عملهم على مدار أشهر العدوان، إذ كان يعمل في قطاع غزة قبل السابع من أكتوبر/ تشرين األول املاضي، نحو 20 ألـف شخص في القطاع الصحي، ما بني أطباء وممرضني وفـنـيـني وإداريــــ­ـني وعـــمـــا­ل. ويــتــواج­ــد حاليًا نصف هـذا الـعـدد مـن العاملني ضمن نطاق عــمــل عــشــوائـ­ـي فـــي مــنــشــآ­ت وزارة الـصـحـة باملنطقة الشمالية املـحـاصـر­ة، بينما يعمل البقية في مدينة رفـح واملحافظة الوسطى، كما تشير معلومات وزارة الصحة. وكــــــــ­ــان إجـــــمــ­ـــالـــــ­ي الــــســـ­ـعــــة الـــــســ­ـــريـــــ­ريـــــة فــي مستشفيات قطاع غــزة يبلغ 3.026 سريرًا، حــســب بــيــانــ­ات الــجــهــ­از املـــركــ­ـزي لـإحـصـاء الـفـلـسـط­ـيـنـي فـــي عــــام ،2023 وتـــديـــ­ر وزارة الـــصـــح­ـــة بــشــكــل مـــبـــاش­ـــر 13 مــســتــش­ــفــى فـي القطاع بسعة تبلغ 2011 سـريـرًا. بينما في الوقت الحالي، ال تتجاوز السعة السريرية املــــتــ­ــوفــــرة ألـــــف ســــريـــ­ـر، ويـــشـــم­ـــل ذلـــــك أســــرة الطوارئ والعمليات، ما دعا إلى إنشاء عدد

من املستشفيات امليدانية، من بينها األردني والـقـطـري واإلمـــار­اتـــي، والـتـي تباشر عملها منذ بداية العام الحالي. وتقدم وكالة غوث وتشغيل الالجئني الفلسطينين­ي «أونـــروا» خــدمــات صحية ألكـثـر مــن 70 فــي املــائــة من سكان القطاع، من خالل مراكز صحية تتولى املــتــاب­ــعــة الــعــالج­ــيــة ولـــيـــس الـــعـــا­لج املـكـثـف واملـــبــ­ـيـــت. ويــــدعــ­ــم الـــقـــط­ـــاع الـــطـــب­ـــي فــــي غـــزة منظمات صحية مثل الهالل األحمر ومنظمة اإلغــاثــ­ة الطبية، كما يضم القطاع عـــددًا من العيادات واملستوصفا­ت التابعة لجمعيات خـيـريـة تـسـهـم فــي تـقـديـم الــخــدمـ­ـات الطبية األولـيـة داخــل األحـيـاء السكنية، لكن القدرة االستيعابي­ة الحالية تراجعت بشكل خطير. واعتقل االحتالل قرابة 310 من أفراد الطواقم الطبية العاملة في قطاع غزة أثناء ممارسة عملهم حتى نهاية مـــارس/آذار املاضي، من بينهم مـديـرو مستشفيات. وتشير بيانات وزارة الصحة إلــى أنــه حتى يــوم 31 مـارس املاضي، أدت خسائر القطاع الطبي املسجلة إلى استشهاد أكثر من 484 من أفـراد الكادر الــصــحــ­ي، كــمــا تـــم اســـتـــه­ـــداف 159 مـؤسـسـة صحية، و03 مستشفى، منها اثنان يعمالن بـطـاقـة مـــحـــدو­دة، و55 مــركــزًا صـحـيـًا. وكــان مـسـتـشـفـ­ى بــيــت حـــانـــو­ن أول املـسـتـشـ­فـيـات الـتـي تعرضت لقصف مباشر أخـرجـهـا من الخدمة، بعد أن نشط املستشفى التخصصي فــي تغطية حـــاالت الـــطـــو­ارئ للمصابني في األســبــو­ع األول مــن الـــعـــد­وان، قبل تحويلها

إلى املستشفى اإلندونيسي الواقع في بلدة بيت الهيا، والذي خرج هو اآلخر من الخدمة بالكامل بعد تكرار قصفه، ثم اقتحام قوات االحــــتـ­ـــالل لـــه فـــي نــوفــمــ­بــر/تــشــريــ­ن الــثــانـ­ـي املاضي. كان الطبيب محمد أبو صفية يعمل فـــي املـسـتـشـ­فـى اإلنــدونـ­ـيــســي، وحـــني تـوقـف املستشفى عن العمل مع استمرار االضطراب الـــحـــا­صـــل فـــي الـــقـــط­ـــاع الـــطـــب­ـــي، اضـــطـــر إلــى الـــنـــز­وح مـــن أقــصــى شــمــال الــقــطــ­اع، وانـتـقـل لـلـعـمـل فـــي مستشفى كــمــال عـــــدوان، والـــذي يحاول العودة إلى العمل في نطاق محدود، وتحت ضغط عمل يزيده قلة املعدات الطبية واألدوية. يقول أبو صفية لـ «العربي الجديد»: «كـــان واضـحـًا أن املخطط اإلسـرائـي­ـلـي يركز على استهداف وتدمير مستشفيات املناطق األكــــثـ­ـــر كـــثـــاف­ـــة ســـكـــان­ـــيـــًا، خـــصـــوص­ـــا مـجـمـع الــشــفــ­اء واملــســت­ــشــفــى اإلنـــدون­ـــيـــســ­ـي، وكــذلــك مجمع نـاصـر فـي خانيونس، ثـم استهداف املستشفيات املـسـانـد­ة، ليضمن عــدم توفير الخدمة الطبية. حصل هذا في شمال القطاع

ينتظر قرابة 9 آالف شخص الموافقة على العالج خارج قطاع غزة

مــع مستشفى الـــعـــو­دة، ثــم مستشفى اليمن الـسـعـيـد الــلــذيـ­ـن يــســانــ­دان عــمــل املستشفى اإلنــدونـ­ـيــســي، والــلــذي­ــن خــرجــا مــن الـخـدمـة، لكن بجهود عدد قليل من األطباء والعاملني الذين ال يتجاوز عددهم املائة، أعدنا العمل في مستشفى كمال عدوان». ويتابع أبو صفية: «املشكلة األساسية حاليًا فـــي مـسـتـشـفـ­ى كــمــال عـــــدوان أنــــه مستشفى صغير ال يكفي لتغطية املحافظة، فقد كان مستشفى أساسيًا لغاية عام 2014 بمحافظة شمال قطاع غزة التي تضم عددًا من البلدات والـــقـــ­رى ومــخــيــ­م جــبــالــ­يــا، لـكـنـه تـــحـــول إلــى مستشفى عـسـكـري فـــي الــســنــ­وات األخـــيــ­ـرة، ونـــقـــل­ـــت أبــــــرز األجــــهـ­ـــزة واملـــــع­ـــــدات مـــنـــه إلـــى املستشفى اإلندونيسي، لكن الـعـدوان أجبر عــددًا مـن الطواقم الطبية على إعـــادة إحياء املستشفى. نعمل في أوضاع سيئة، ونعاني مـن الـجـوع والعطش، ونحن مضطرون إلى مــواصــلـ­ـة الــعــمــ­ل لـتـغـطـيـ­ة حــاجــة نــحــو 350 ألف مواطن متواجدين في محافظة الشمال التي تضم أكبر مخيم فلسطيني في القطاع، وكذلك مدينة غزة». وفـــي مــديــنــ­ة غـــزة الــتــي تــضــم أكــبــر عـــدد من املستشفيات فــي الـقـطـاع، خــرج مــن الخدمة مجمع الشفاء الطبي، وهو أكبر مستشفيات قطاع غزة، ومستشفى القدس التابع للهالل األحـــمــ­ـر الـفـلـسـط­ـيـنـي، ومـسـتـشـف­ـى الـخـدمـة الـــــعــ­ـــامـــــ­ة، ومـــســـت­ـــشـــفــ­ـى أصــــــدق­ــــــاء املــــريـ­ـــض، ومـسـتـشـف­ـى الــصــداق­ــة الـفـلـسـط­ـيـنـي الـتـركـي الــتــخــ­صــصــي، ومــســتــ­شــفــى حـــمـــد لـــأطـــر­اف الـصـنـاعـ­يـة والــتــأه­ــيــل، ومـسـتـشـف­ـى الـنـصـر لأطفال، ومستشفى عبد العزيز الرنتيسي التخصصي، ومستشفى غزة للطب النفسي، ومستشفى غــزة للعيون، ومستشفى الــدرة لــــأطـــ­ـفــــال، ومـــســـت­ـــشـــفــ­ـى الـــــوفـ­ــــاء لــلــتــأ­هــيــل، ومــســتــ­شــفــى الـــحـــل­ـــو الـــــدول­ـــــي، ومــســتــ­شــفــى حيفا، ومستشفى سانت جون التخصصي، ومستشفى مسلم للعيون. وفي محافظة شمال القطاع، توقف مستشفى بـــيـــت حـــــانــ­ـــون الـــتـــخ­ـــصـــصــ­ـي، واملــســت­ــشــفــى اإلنـــدون­ـــيـــســ­ـي، وهــــو األكـــبــ­ـر فـــي املــحــاف­ــظــة، ومــســتــ­شــفــى الـــيـــم­ـــن الـــســـع­ـــيـــد، ومــســتــ­شــفــى الــكــرام­ــة، ومستشفى الــعــودة الـتـابـع للهالل األحمر الفلسطيني. وفي مدينة خانيونس، خـــــرج مــســتــش­ــفــى دار الــــســـ­ـالم مــــن الـــخـــد­مـــة، وكـــذلـــ­ك مــجــمــع نـــاصـــر الـــطـــب­ـــي، ومـسـتـشـف­ـى األمــــل الــتــابـ­ـع لــلــهــا­لل األحـــمــ­ـر الفلسطيني، ومستشفى الـخـيـر، واملـسـتـش­ـفـى الـجـزائـر­ي التخصصي، ومستشفى األقصى الخيري. وبــــعـــ­ـد 6 أشــــهـــ­ـر مــــن الــــــعـ­ـــــدوان، بـــقـــيـ­ــت فـقـط 6 مــســتــش­ــفــيــات عـــامـــل­ـــة فــــي وســـــط وجـــنـــو­ب قـطـاع غـــزة، اثـنـان منها فـي ديــر الـبـلـح، هما مستشفى شهداء األقصى، ومستشفى يافا الــتــخــ­صــصــي، وثـــالثــ­ـة فـــي مــديــنــ­ة رفــــح، هي مستشفى أبــو يـوسـف الـنـجـار، واملستشفى اإلماراتي، واملستشفى الكويتي، إضافة إلى املـسـتـشـ­فـى األوروبـــ­ــــي الـــواقــ­ـع بـــني مـديـنـتـي

رفـح وخانيونس فـي املنطقة الشرقية التي تتعرض الستهداف متواصل. بينما في املنطقة الشمالية املحاصرة، يعمل مستشفى كــمــال عــــدوان بـطـاقـة استيعابية وطاقة عمل ال تتجاوز 25 في املائة، في حني يعمل املستشفى املعمداني في منطقة البلدة القديمة بمدينة غزة، بطاقة ال تتجاوز 40 في املائة، وألنه تحت رعاية الكنيسة املعمدانية يـحـاول االحـتـالل تجميل صـورتـه بالسماح باستمرار عمله، رغم استهدافه له سابقًا في مجزرة أوقعت مئات الشهداء. كان الطبيب مروان إسحق يعمل جراحًا في مجمع الشفاء الطبي، كما عمل في عدد من مستشفيات القطاع أثناء العدوان، وهو يعمل حاليًا ما بني مستشفى أبـو يوسف النجار واملستشفيا­ت امليدانية في جنوبي القطاع، ويــؤكــد أن الــطــواق­ــم الـطـبـيـة تـضـطـر أحـيـانـًا إلــــى إجـــــراء عـمـلـيـات جــراحــيـ­ـة مــعــقــد­ة، مثل تلك املتعلقة باألعصاب أو الدماغ أو القلب، وهـــي عـمـلـيـات تـتـطـلـب ســـاعـــا­ت مـتـواصـلـ­ة، بـيـنـمـا ال تـسـمـح الـــظـــر­وف وال املـسـتـلـ­زمـات الــطــبــ­يــة املـــتـــ­احـــة بــــذلـــ­ـك، خـــصـــوص­ـــًا فــــي ظـل تـوافـد أعـــداد كبيرة مـن الـجـرحـى، والحاجة الكبيرة إلــى التركيز على حـــاالت الــطــوار­ئ. ويــوضــح إسـحـق لــ«الـعـربـي الـجـديـد»: «قبل الـعـدوان، كانت غرفة العمليات تجرى فيها عملية أو اثنتان يوميًا، بينما اليوم، نجري عدة عمليات في وقت واحد، فأعداد املصابني كـــبـــيـ­ــرة، ونــصــنــ­فــهــم ضـــمـــن أولــــويـ­ـــة حــــاالت اإلغاثة واإلنقاذ، لذا يتواجد اآلالف في قوائم انتظار العالج في الـخـارج، ولـو ظل الوضع على هـذه الحال، فسيشكل األمـر خطرًا على قــرابــة 9 آالف شخص ينتظرون الـعــالج في الخارج، وستقع بينهم وفيات كثيرة». ويشير رئـيـس لجنة الــطــوار­ئ الصحية في محافظة رفــح، الطبيب مـــروان الهمص، إلى أن القطاع الطبي فقد نحو 80 في املائة من قـــدراتــ­ـه بـسـبـب اســتــمــ­رار الــــعـــ­ـدوان، ويـتـركـز الــعــمــ­ل حــالــيــًا عــلــى حـــــاالت الــــطـــ­ـوارئ، ومــع مـــحـــدو­ديـــة الــســعــ­ة، وتــقــيــ­يــد حـــريـــة الـتـنـقـل، تصبح األزمة الصحية خطرًا محدقًا. يضيف لـ«العربي الجديد»: «مـن بني أهـم النواقص توفير األمـــن للطواقم الطبية أثــنــاء العمل، فـهـم يعملون فــي ظــل الـقـلـق املــتــوا­صــل على أرواحــــه­ــــم، وكـــذلـــ­ك الــقــلــ­ق عــلــى ذويـــهـــ­م، كما يــعــانــ­ون مـــن نــقــص األدوات واملــســت­ــلــزمــا­ت، وبالتالي يضطرون إلـى استخدام أي شيء متاح في حاالت الطوارئ». يتابع الهمص: «كميات الـــدواء الـتـي تدخل عـــبـــر مــعــبــر رفـــــح قــلــيــل­ــة، وســـيـــا­ســـة الـــعـــا­لج تــقــوم عـلـى مـطـالـعـة الــجــريـ­ـح، ومـنـحـه عـالج الــــطـــ­ـوارئ، ثـــم يـطـلـب مــنــه اســتــكــ­مــال الــعــالج فــي الــخــارج حـتـى يـحـل مـكـانـه مـصـاب آخــر، وهذا يتسبب في ضغط نفسي كبير تواجهه الـــطـــو­اقـــم الــطــبــ­يــة يـــومـــي­ـــًا بــســبــب الــطــلــ­بــات واألسئلة، والتي تتحول في بعض األحيان إلى مشادات».

 ?? (أحمد حسب اهلل/ )Getty ??
(أحمد حسب اهلل/ )Getty
 ?? (دعاء الباز/ األناضول) ?? أنشئت مستشفيات ميدانية في أنحاء غزة
(دعاء الباز/ األناضول) أنشئت مستشفيات ميدانية في أنحاء غزة

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar