ماذا تبقى من المؤسسات التعليمية؟
يــــواجــــه طــــاب غــــزة وأكـــاديـــمـــيـــوهـــا مـصـيـرًا مجهوال بعد تدمير املنشآت التعليمية من مدارس وجامعات. وعلى الرغم من أن هؤالء هم الفئة املعنية مباشرة بهذا الدمار، إال أن التأثيرات تنسحب على أهالي القطاع عامة. فـلـلـجـمـيـع أوالد تـــخـــرجـــوا مــنــهــا وذكـــريـــات جميلة. اهتم الغزيون بالتعليم منذ النكبة الـفـلـسـطـيـنـيـة عــــام ،1948 ســـاحـــًا ملــواجــهــة ظـروفـهـم الـتـي فـرضـت عليهم فـي ظـل حياة الــلــجــوء وتــحــت رحــمــة االحـــتـــال والـحـصـار اإلســـرائـــيـــلـــي. وعـــلـــى الـــرغـــم مـــن االعــــتــــداء ات اإلســـرائـــيـــلـــيـــة املــــتــــكــــررة والــــحــــصــــار، كــانــت أعـــداد الــطــاب تـرتـفـع، ولــم يستثن الــعــدوان اإلســرائــيــلــي الـسـابـق املـــــدارس والـجـامـعـات، لـكـنـهـا كــانــت أهـــدافـــًا رئـيـسـيـة لـــه خـــال هـذا الـــــعـــــدوان. ومـــنـــذ األســــبــــوع األول لـــلـــعـــدوان، رصــــد املــكــتــب اإلعــــامــــي الــحــكــومــي تــدمــيــرًا مــتــعــمــدًا لـــلـــمـــدارس والـــجـــامـــعـــات، هـــي الـتـي كــانــت ضــمــن األهـــــداف الـرئـيـسـيـة لـاحـتـال اإلســــرائــــيــــلــــي. ودمــــــر االحـــــتـــــال مـــنـــذ بـــدايـــة الـــعـــدوان حـتـى نـهـايـة مــــارس/ آذار املـاضـي حــــوالــــي 100 جـــامـــعـــة ومـــــدرســـــة حــكــومــيــة وخاصة وأخرى تابعة لوكالة غوث وتشغيل الاجئني الفلسطينيني «أونروا»، فيما ألحق دمـارًا جزئيًا بحوالي 305 مدرسة وجامعة. واســــتــــهــــدف االحـــــتـــــال جـــمـــيـــع الـــجـــامـــعـــات والكليات البالغ عددها 17 في قطاع غزة، من بينها جامعتا األزهر والجامعة اإلسامية، وهما أهــم جامعتني فـي قطاع غــزة وارتبط وجـــــودهـــــمـــــا بـــــتـــــاريـــــخ الـــــقـــــطـــــاع والــــحــــركــــة النضالية الفلسطينية والتظاهرات الطابية خــال فـتـرة االحــتــال اإلسـرائـيـلـي لـغـزة قبل قدوم السلطة الفلسطينية عام .1994 وتــأســســت جـامـعـة األزهـــــر عـــام 1991 بـقـرار مــــن الـــرئـــيـــس الــفــلــســطــيــنــي الـــــراحـــــل يــاســر عـــرفـــات، بــهــدف غـــرس الـشـبـاب الفلسطيني فـــي بــلــده وتــدعــيــم جـــــذوره فــيــهــا، وقـــد نمت هــذه الجامعة نـمـوًا سـريـعـًا. وبـــدأت جامعة األزهـــــر بكليتني فــقــط، هــمــا: كـلـيـة الـشـريـعـة والقانون (كلية الحقوق اآلن) وكلية التربية. وفــي عــام ،1992 أنـشـئـت أربـــع كليات أخــرى هــي الـصـيـدلـة، والـــزراعـــة، والــعــلــوم، واآلداب اإلنسانية، ثم أضيفت إليها في العام 1993 كلية سابعة وهــي كلية االقـتـصـاد والعلوم اإلداريــــــــــة. أمـــــا الـــجـــامـــعـــة اإلســــامــــيــــة، فـتـعـد إحـــدى أبـــرز الـجـامـعـات الفلسطينية، وهـي مـؤسـسـة أكــاديــمــيــة مستقلة مــن مـؤسـسـات التعليم العالي في فلسطني، تعمل بإشراف وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية، وتأسست عــام 1978 وهــي عضو فـي اتحاد الـــجـــامـــعـــات الـــعـــربـــيـــة ورابـــــطـــــة الـــجـــامـــعـــات اإلسامية ورابـطـة جامعات البحر األبيض املـــتـــوســـط واالتـــــحـــــاد الـــــدولـــــي لــلــجــامــعــات، وتـــربـــطـــهـــا عـــــاقـــــات تـــــعـــــاون بـــالـــكـــثـــيـــر مــن الـــجـــامـــعـــات الـــعـــربـــيـــة واألجــــنــــبــــيــــة. ويـــقـــول األســـتـــاذ املـتـخـصـص بـالـعـلـوم اإلداريــــــة في جــامــعــة األزهــــــر بـــاســـم رزق 55( عــــامــــًا)، إن االحتال اإلسرائيلي دمر القطاع التعليمي األكاديمي بالكامل، موضحًا أنه دمر البنية التحتية للجامعات املحلية والكليات منها. كما يلفت إلى أنه فقد عددًا من زمائه خال الــــعــــدوان، مـنـهـم مــؤســســون ألبـــــرز الـكـلـيـات وأكبرها في جامعات القطاع. ويــــشــــدد عـــلـــى صـــعـــوبـــة تـــعـــويـــض الــــكــــوادر األكـــاديـــمـــيـــة املـــهـــمـــة فــــي قـــطـــاع غــــــزة. فـقـبـل الـــعـــدوان اإلســرائــيــلــي األخــيــر، كـــان بعضهم قـــد غــــادر الــقــطــاع جــــراء األزمـــــة االقـتـصـاديـة التي عصفت بالجامعات. ويقول لـ «العربي الجديد»: «يجب إنهاء الـعـدوان اإلسرائيلي وإعـــــــــــــداد دراســـــــــــة وخـــــطـــــة إنــــــقــــــاذ لـــلـــقـــطـــاع األكاديمي واالستغناء عن الـدروس العملية والتطبيقية من أجل خلق فرصة إلعادة بناء عدد من املؤسسات الفلسطينية وتكوينها. على الرغم من اإلحباط واألمل املعدوم بسبب الدمار الكبير، ما زلت أقول إننا شعب قادر ويــمــكــن إعـــــادة األمــــل بــأقــل الـــخـــطـــوات ألنـنـا ببساطة أصـحـاب األرض». قبل السابع من أكتوبر/ تشرين األول املاضي، كانت انطاقة املــســيــرة الـتـعـلـيـمـيـة فـــي قـــطـــاع غــــزة تــواجــه مـصـاعـب عـــدة فــي ظــل األزمـــــات املـالـيـة التي تـعـانـيـهـا املــؤســســات الـتـعـلـيـمـيـة، بـمـا فيها الـجـامـعـات واملـــــدارس. يـضـاف إلـــى مــا سبق التهديدات بتقليص دعم مدارس أونروا. في األول من إبريل/ نيسان الحالي، أعلنت وزارة الـــتـــربـــيـــة والـــتـــعـــلـــيـــم الــفــلــســطــيــنــيــة االنتهاكات التي لحقت بالقطاع التعليمي مــنــذ بـــدايـــة الــــعــــدوان اإلســـرائـــيـــلـــي، ووثــقــت اســتــشــهــاد أكـــثـــر مـــن 6050 طــالــبــًا وطــالــبــة، 5994 منهم ارتــقــوا فـي غــزة و65 فـي الضفة الغربية، فيما بلغ عدد املصابني 9890 طالبًا وطالبة في القطاع 329و في الضفة، مشيرة إلـــــى اعـــتـــقـــال جـــيـــش االحــــتــــال 105 طـــالـــب. إلــــى ذلـــــك، يـــقـــول إبـــراهـــيـــم عـــمـــر، وهــــو مـديـر مدرسة الرشيدي الثانوية، إن املدرسة التي يديرها تضررت كثيرًا وباتت غير صالحة لـــاســـتـــخـــدام، حــتــى إنــــه ال يــمــكــن اســتــخــدام بــعــض الـــفـــصـــول غــيــر املـــتـــضـــررة بــســبــب ما لحق بالبنية التحتية مـن دمـــار. ويـقـول إن معظم املدارس في قطاع غزة خال السنوات الـ 15 األخيرة بنيت بتمويل من دول مانحة أوروبية ومنها خليجية. ويـوضـح أن القطاع التعليمي متضرر منذ ما قبل العدوان جراء الحصار وتقييد حرية الـتـنـقـل مـــن أجـــل انــفــتــاح الــقــطــاع التعليمي على العالم الخارجي. يقول عمر لـ «العربي الجديد»: «العدوان اإلسرائيلي الحالي دمر كل شيء في قطاع التعليم. لكن بعد انتهاء الــعــدوان، يمكن إعـــداد خطة إنـقـاذ تعليمية وتـــخـــصـــيـــص ثـــــــاث فـــــتـــــرات لـــــلـــــدراســـــة فــي املـدارس الناجية من القصف، باإلضافة إلى الــدراســة فـي فصل الـصـيـف. وفــي مـا يتعلق بــــالــــجــــامــــعــــات، يـــجـــب تـــخـــصـــيـــص عــــــدد مـن املـــدارس والـجـامـعـات للتعليم املـؤقـت سـواء وجاهيًا أو من بعد. لكن بقاء العدوان يعني دمار القطاع التعليمي أكثر وضياع مستقبل املزيد من التاميذ». لم تدم فرحة الطالب عبد املطلب درويـــش 19( عـامـًا) بالتحاقه بقسم الهندسة امليكانيكية في الجامعة اإلسامية سوى شهر واحد. كان قد عمل جاهدًا لتأمني رســـوم الـجـامـعـة والــحــصــول عـلـى منحة 50 فـــي املـــائـــة لــكــونــه حــافــظــًا لــلــقــرآن، وتـقـديـمـه طـلـبـًا لـلـحـصـول عــلــى حــســم بـسـبـب ظــروفــه االجتماعية. يصف واقعه الحالي بالكابوس الكبير، إذ يعيش اآلن في خيام قرب الحدود الفلسطينية املـصـريـة. وكـــان يـأمـل أن تغير الجامعة حياته إلى األفضل.