عيد الليبيين في ساحة الصراع

ال تزال تداعيات أزمة املتصارعني على السلطة في ليبيا تطحن حياة املواطنني منذ سنوات من دون انفكاك لها. وفي جديد تجليات مظاهرها، أن أكثر الليبيني لم يعيدوا هذا العام، فلم يتمكنوا من شراء لوازم فرحة العيد بسبب أزمة نقص السيولة النقدية الحاد في جميع فروع البنوك في مختلف أنحاء البالد. صحيح أن أزمة السيولة النقدية ليست جديدة، واستطاع املواطن التماهي والتجاوب معها بحلول كثيرة، لكن الالفت فيها هذه املرة أنها عاجلت املواطن بشكل مفاجئ، فلم تكن التوقعات أن تتوالى آثار قرارات أقطاب الصراع على السلطة بهذه السرعة، وتفرغ البنوك من سيولتها على عجل. يدرك الليبيون أن أزمة نقص السيولة نتجت عن قرارات وخطوات أصدرها تحالف جديد في فضاء الصراع، جمع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ومحافظ البنك املركزي الصديق الكبير، بعد سنوات من القطيعة بينهما، ومنها االمتناع عن صرف موازنة جديدة للحكومة في طرابلس، ما تسبب في توقف صرف الرواتب، وفرض ضرائب جديدة على بيع النقد األجنبي، ما أرهب التجار وجعلهم يتجهون إلى سحب ودائعهم البنكية. لكن صدمة املواطن كانت في استسهال صراع السياسيني وتحويله إلى ورقة للضغط لتمرير مصالحهم، ومنها إسقاط حكومة عبد الحميد الدبيبة، بدفع الشارع إلى التظاهر واالحتجاج عليها. وسعت صفحات على منصات التواصل االجتماعي، ممولة من شخصيات على صلة بأطراف الصراع، للمتاجرة بأزمة املواطن بعد أن اختلقتها، من خالل توسيع انتشار فيديوهات تظهر مشاهد صادمة لتدافع الناس داخل أحد البنوك في طبرق شرقي البالد، وأخرى الكتظاظات حفلت بها مقار أخرى ملواطنني يبحثون عن أية طريقة للوصول إلى أموالهم، محملني، بعبارات ساخطة، الدبيبة وحكومته املسؤولية ومنادين بضرورة إسقاطها. يضاف إلى ذلك كله إصدار البنك املركزي بيانًا ملصاريف الحكومة في طرابلس خالل األشهر الثالثة املاضية، والتي بلغت قرابة مليارين ونصف مليار دينار 500( مليون دوالر تقريبًا). ولم يسع الدبيبة إال أن يطلب املسامحة من الليبيني على «أي تقصير» حيال عدم قدرتهم على الوصول إلى رواتبهم في البنوك، متمنيًا لهم، وهو يعايدهم، «أيامًا ملؤها الخير». التنافس السياسي مقرر ضمن أدبيات الديمقراطيات. أما أن يتحول املواطن إلى سلعة للمتاجرة بأزماته وخنقه لتمرير مصالح قلة متحكمة فأمر تنهار معه كل آمال مرور البالد إلى أي مرفأ لألمان.