Al Araby Al Jadeed

تالٍش تدريجي للتنوع الديني في العراق

على مدى 21 عامًا من احتالل العراق تالشى التنوع الديني في البالد جراء المشاكل األمنية والتضييق السياسي على األقليات، التي اختار قسم كبير منها الهجرة

- بغداد ـ محمد الباسم

يـسـتـحـضـ­ر الـــعـــر­اقـــيـــو­ن، مـــع مــــرور 21 عـامـا على االحتالل األميركي، بمرارة مشاهد تلك املرحلة التي عاشوها بما حملت من خيبات الحقة، تمثلت بالحكومات الهشة، واملشاكل األمنية وإبراز الهويات الطائفية على حساب الهوية الوطنية، ناهيك عن السرقات الكبرى الــتــي حـصـلـت بــحــق الــعــراق­ــيــن وأحــالمــ­هــم، وطــمــوحـ­ـاتــهــم. ولــعــل األقــلــي­ــات فـــي الـــعـــر­اق، كان لها النصيب األكبر من أشكال العذابات والـتـشـتـ­يـت، حـتـى وصـلـت بـهـا األحــــوا­ل إلـى اختيار الهجرة وترك العراق، وسط تحذيرات مكررة من نهاية وجود األقليات. وتشير مصادر كنسية عراقية تحدثت إلى «العربي الجديد» أن «نسبة املسيحين في الــــعـــ­ـراق تـــراجـــ­عـــت مـــن أربـــعـــ­ة فـــي املـــائــ­ـة إلــى أقــــل مـــن واحـــــد فـــي املـــائــ­ـة مـــن مـجـمـل سـكـان الــــعـــ­ـراق، بـسـبـب أعـــمـــا­ل الــعــنــ­ف والـتـضـيـ­يـق والتهميش السياسي وحتى االجتماعي»، مـؤكـدة مقتل أكثر مـن 1300 مسيحي خالل الــســنــ­وات املـاضـيـة بـأعـمـال عـنـف غالبيتها إرهابية. وكتب بطريرك الكنيسة الكلدانية، الكاردينال لويس روفائيل ساكو، الذي ترك بغداد على خلفية صدور مرسوم جمهوري فــي يـولـيـو/تـمـوز الــعــام املــاضــي ينص على سحب املرسوم الجمهوري السابق الخاص بتعيينه بـطـريـركـ­ا للكنيسة الـكـلـدان­ـيـة، أن «الـــعـــر­اقـــيـــن املــســيـ­ـحــيــن تــنــتــه­ــك حـقـوقـهـم اإلنسانية والوطنية املـشـروعـ­ة». وذكـــر، في ســبــتــم­ــبــر/أيــلــول املــــاضـ­ـــي، أن «املـسـيـحـ­يـن فـي الــعــراق يـجـري إقـصـاؤهـم مـن وظائفهم، واالستحواذ على مقدراتهم وأمالكهم، فضال عـن التغيير الديمغرافي املمنهج لبلداتهم في سهل نينوى أمام أنظار الدولة العراقية». وأكــــــد «مـــــغـــ­ــادرة مـــلـــيـ­ــون مــســيــح­ــي لــلــعــر­اق بـعـد سـقـوط الـنـظـام، وبـعـد تهجير عناصر داعــــــش ملــســيــ­حــيــي املــــوصـ­ـــل وبـــــلــ­ـــدات سـهـل نـيـنـوى عـــام ،2014 ألســبــاب أمـنـيـة (الـسـالح املــــنــ­ــفــــلــ­ــت)، وســـيـــا­ســـيـــة (مـــنـــطـ­ــق الــطــائـ­ـفــيــة واملــحــا­صــصــة الـــــذي صـــب عــلــى الـــعـــر­اق نــار جهنم)، واقتصادية (الـفـسـاد)، واجتماعية (الـــتـــط­ـــرف الــديــنـ­ـي وداعــــــ­ــش)». مـــن جـهـتـهـا، تشير الناشطة من بغداد، ميرنا عماد، إلى أن «الفكرة (الهجرة) تراود أغلب املسيحين في العاصمة العراقية بعد أكثر من 20 عاما على االحتالل، وهذا يعني أن األوضاع تزداد سوءًا إزاء تواجد األقليات في البالد، ناهيك عن تسلط جماعات تدعي أنها تمثل األقليات سياسيا لكنها في الحقيقة تخدم مصالحها الخاصة فقط». وتبن، لـ «العربي الجديد»، أن «العوائل املسيحية غير مرتاحة في بغداد، وكـــذلـــ­ك فـــي نــيــنــو­ى وبــقــيــ­ة املـــنـــ­اطـــق، ألنـهـا تشعر أنها مستهدفة، وهناك من يريد النيل منها وإخـراجـهـ­ا مـن الــعــراق للسيطرة على أمالكها». كما تفيد مصادر سياسية رفيعة من بغداد أن «تغييرات ديمغرافية جرت في مناطق متفرقة من البالد، تستهدف األقليات الـــديـــ­نـــيـــة والـــعـــ­رقـــيـــة، مــــن بــيــنــه­ــا الــصــابـ­ـئــة املـنـدائـ­يـن، فــي بــغــداد ومـــدن جـنـوب الـبـالد، وتسببت بالتضييق عليهم ودفعهم بطريقة مـمـنـهـجـ­ة إلــــى مــــغــــ­ادرة الــــبـــ­ـالد». وتـــوضـــ­ح، لــ«الـعـربـي الــجــديـ­ـد»، أن «اغــتــيــ­االت حصلت خـالل السنوات املاضية استهدفت عـددًا من املندائين، بحجة خالفات شخصية، لكن في الحقيقة هناك مخطط إلزالتهم وإخراجهم من العراق». وتلفت املصادر إلى أن «الوضع نفسه يجري تجاه األيـزيـدي­ـن واملسيحين فـــي مــحــافــ­ظــة نـــيـــنـ­ــوى، إذ إن مــنــاطــ­ق سهل نينوى باتت تخلو تدريجيا من املسيحين بــســبــب ســيــطــر­ة جـــمـــاع­ـــات مـسـلـحـة عـلـيـهـا، بـــاإلضــ­ـافـــة إلــــى الـــهـــج­ـــرة مـــن مــنــاطــ­ق وســط وجــنــوب الــعــراق إلـــى املـــوصــ­ـل». وتــوضــح أن «األقــلــي­ــات تـشـعـر بتهميش وإقـــصـــ­اء وعــدم ارتـــيـــ­اح مـــن الـــوجـــ­ود فـــي الـــعـــر­اق، وبـالـتـال­ـي فإنها باتت تلجأ إلى طلب اللجوء اإلنساني في عدد من الدول األوروبية». وتـــعـــر­ض أخـــيـــرًا، مــنــدى (مـعـبـد) الصابئة املــنــدا­ئــيــن فـــي مــحــافــ­ظــة مــيــســا­ن لـهـجـوم مسلح، ما تسبب بإصابة اثنن من حراسه،

نسبة المسيحيين تراجعت إلى أقل من واحد في المائة

وأشــعــل الـغـضـب فــي صــفــوف الـطـائـفـ­ة في الــــعـــ­ـراق وخــــارجـ­ـــه. وأكــــــد­ت رئـــاســـ­ة طـائـفـة الصابئة املندائين، في بيان، وقوع «اعتداء مسلح غـــادر وقــع فجر الجمعة 8 مــارس/ آذار (املــــاضـ­ـــي)عــــلــــ­ى مـــنـــدى الـــطـــا­ئـــفـــة فـي محافظة ميسان»، مطالبة الجهات األمنية بـ«مالحقة املتورطن بهذا الفعل اإلجرامي الـــخـــط­ـــيـــر وكـــشـــف­ـــهـــم وتـــقـــد­يـــمـــهـ­ــم لــلــعــد­الــة القانونية لينالوا عقابهم». وعلى الرغم من حملة االستنكارا­ت الشعبية، التي وصفت االعتداء على مندى «الصابئة» بأنه «عمل غــــادر واعــــتــ­ــداء»، وأنــــه يــهــدف إلـــى تشريد أو تــشــتــي­ــت مــــا تــبــقــى مــــن املـــنـــ­دائـــيـــ­ن فـي جنوب البالد، إال أن الحكومة العراقية لم تعلق على الحادثة نهائيا، ولم تصدر أي بيان رسمي بهذا الـشـأن. أمـا األيـزيـدي­ـون، فحالهم ال يختلف عن حال املسيحين، فقد زادت هجرتهم من البالد بسبب تعرضهم لقتل وتهجير وترويع على أيـدي عناصر تنظيم داعش، وأيضا ملضايقات من حزب الـــعـــم­ـــال الـــكـــر­دســـتـــا­نـــي، الــــــذي يــنــشــط فـي ســنــجــا­ر، املـعـقـل الـرئـيـسـ­ي لـلـطـائـف­ـة. وفـي إبـريـل ،2023 أشـــارت األمــم املتحدة إلــى أن نحو 70 فـي املـائـة مـن األيـزيـدي­ـن مـا زالـوا خــــارج ســنــجــا­ر بـسـبـب انـــعـــد­ام االســتــق­ــرار األمني والسياسي، وتأخر إعـادة اإلعمار، علما أن «داعش» كان دمر نحو 80 في املائة من البنى التحتية و07 في املائة من منازل املـــدنــ­ـيـــن فــــي ســـنـــجـ­ــار ومـــنـــا­طـــق مـحـيـطـة باملدينة. وال يـــزال أكـثـر مـن 2800 شخص في عداد املفقودين، وبعضهم كان اعتقلهم «داعش»، بحسب املنظمة الدولية للهجرة. مـــــن جــــهــــ­تــــه، يــــبــــ­ن تـــحـــسـ­ــن شــــيــــ­خ كــــالـــ­ـو، الــــصـــ­ـحــــافــ­ــي األيــــــ­ـزيـــــــ­دي املــــتــ­ــخــــصــ­ــص فــي شـــؤون األقــلــي­ــات، أن «الـتـغـيـي­ـر مــن النظام الــــديــ­ــكــــتــ­ــاتــــور­ي إلــــــى الــــديــ­ــمــــقــ­ــراطــــي شــهــد تـــغـــيـ­ــرًا فــــي وضـــــع األقــــلـ­ـــيــــات أيــــضـــ­ـا، نـحـو الظلم واالضطهاد والتهجير والقتل، وأن الدستور العراقي الذي وضع في العام 2005 كـــان خـالــيــا مـــن ضــمــان حــقــوق األيــزيــ­ديــن كمكون عراقي أصيل، بل تحول املكون إلى أقلية غير معترف بها». ويوضح، لـ «العربي الـجـديـد»، أنــه «قبل عــام ،2003 كــان النظام الـسـابـق ديـكـتـاتـ­وريـا وشـــديـــ­دًا، لـكـن وضـع األيزيدين كـان آمنا، إذ لم يتعرض املكون إلبادة جماعية، أو يتم تكفيره عبر املنابر».

 ?? (إسماعيل عدنان يعقوب/األناضول) ?? مسيحيون عراقيون في الموصل، مارس الماضي
(إسماعيل عدنان يعقوب/األناضول) مسيحيون عراقيون في الموصل، مارس الماضي

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar