Al Araby Al Jadeed

مسار فلسطين الصعب يفرض وحدة وطنية غير متحققة

- سمير الزبن

منذ قـــرر الــغــرب حــل «املـسـألـة اليهودية» وتصديرها إلى املنطقة، تحولت فلسطني إلـــــى ضــحــيــة مـــزمـــن­ـــة لــلــتــق­ــاطــع الـــغـــر­بـــي ـ الــصــهــ­يــونــي لـــحـــل هــــذه املـــســـ­ألـــة، وبــاتــت فــلــســط­ــني الــقــضــ­يــة املـــركــ­ـزيـــة فـــي املـنـطـقـ­ة ومختبر املنطقة الـــذي احتجز تـطـورهـا، وموقعًا لتكفير الغرب عن جريمته بحق الـــيـــه­ـــود (الـــهـــو­لـــوكـــو­ســـت)، وتــــحـــ­ـول هــذا الــتــكــ­فــيــر عــــن الــــذنــ­ــب إلـــــى عــــــداء تــاريــخـ­ـي لـلـفـلـسـ­طـيـنـيـني ودعـــــم لـــجـــرا­ئـــم االحـــتــ­ـال فـــي مــواجــهـ­ـة الــضــحــ­يــة املــحــتـ­ـلــة، وصــــوال إلـــى الـــعـــد­وان الــوحــشـ­ـي املــمــتـ­ـد مـنـذ ستة أشهر على قطاع غـزة الـذي خلف عشرات آالف القتلى املــدنــي­ــني، والــــذي القـــى دعمًا وقحًا وموحدًا وغير مسبوق من األغلبية الساحقة من دول الغرب. بــفــعــل عـــوامـــ­ل تـــتـــجـ­ــاوز املــنــطـ­ـقــة ومـــيـــز­ان القوى االقليمي، والدعم الغربي للمشروع الصهيوني، وقـعـت النكبة الفلسطينية، الـــتـــي كــشــفــت، بـشـكـل نــهــائــ­ي، عـــن الــوجــه الــســافـ­ـر لــلــمــش­ــروع الــصــهــ­يــونــي، بوصفه مــشــروعـ­ـًا اسـتـيـطـا­نـيـًا اقــتــاعـ­ـيــًا. وجـــاءت الــنــكــ­بــة الـــتـــي شــــــردت الـفـلـسـط­ـيـنـيـني من وطنهم في 1948 عنوانًا النكسار املستقبل الـــعـــر­بـــي. وعـــلـــى املـــســـ­تـــوى الـفـلـسـط­ـيـنـي، شــــكــــ­لــــت تــــــدمـ­ـــــيــــ­ــرًا لـــــلـــ­ــوطـــــن واملــــجـ­ـــتــــمـ­ـــع الـفـلـسـط­ـيـنـيـني. وبـــــات الـــتـــا­ريـــخ الــوطــنـ­ـي الـفـلـسـط­ـيـنـي والـــتـــ­اريـــخ الــقــومـ­ـي الـعـربـي بعدها مختلفًا، وفي قطيعة مع ما سبق، بحيث شكلت النكبة حدثًا تأسيسيًا في الواقعني الفلسطيني والعربي، وانقطاعًا تــاريــخـ­ـيــًا، لــيــس فــقــط ألنــــه رســــم خـريـطـة ســيــاســ­يــة جــــديـــ­ـدة لــلــمــن­ــطــقــة ومــعــطــ­يــات صـــــراع ســيــاســ­ي جـــديـــد­ة، وأحـــــدث واقــعــًا سياسيًا ضاغطًا على الجميع في املنطقة، بــــل ألنـــــه شـــكـــل انـــقـــط­ـــاعـــًا ثـــقـــاف­ـــيـــًا أيـــضـــًا، بحاجة إلى إجابة ثقافية تجيب عن سؤال يتجاوز سـؤال شكيب أرســان: ملـاذا تقدم الـــغـــر­ب وملــــــا­ذا تـــأخـــر­نـــا؟ ولــيــصــ­بــح: ملـــاذا هزمنا وملاذا انتصروا؟ ظــهــر املــــشــ­ــروع الـــقـــو­مـــي فـــي واحـــــــ­دة من لـحـظـات تــاريــخ املـنـطـقـ­ة ردًا عـلـى ســؤال الـــهـــز­يـــمـــة والــــتــ­ــأخــــر مــــعــــًا، ومـــــع وصــــول مــمــثــل­ــي هــــذا املــــشــ­ــروع إلــــى الــســلــ­طــة في مــصــر فـــي انــــقـــ­ـاب/ ثـــــورة .1952 اعـتـقـد أنصار هذا املشروع وغيرهم أن استعادة الــحــلــ­م الـفـلـسـط­ـيـنـي مــســألــ­ة وقــــت ليس إال، فـالـعـمـا­ق الـعـربـي خـــرج مــن القمقم، وال أحـد يستطيع إعـادتـه، فهذا العماق هـــو الــــذي سـيـعـيـد املـنـطـقـ­ة إلـــى سياقها الــطــبــ­يــعــي، وســيــعــ­يــد لـــلـــعـ­ــرب كــرامــتـ­ـهــم

وحريتهم وأرضهم السليبة، من دون أن تملك السلطات التي اعتبرت ممثلة لهذا املـشـروع األدوات الـازمـة إلحــداث تغيير جــــذري فــي بــلــدانـ­ـهــا، وفـــي مــيــزان الـقـوى مع إسرائيل الوليدة. أخـذت الحكاية في العام 1967 مسارًا آخر، فإذا كان املشروع الصهيوني قد هزم عند تأسيسه جيوش الــــدول الـعـربـيـ­ة املـسـتـعـ­مـرة أو الـخـارجـة حــديــثــًا مـــن االســـتــ­ـعـــمـــا­ر، فـــإنـــه فـــي 1967 هـــزم املـــشـــ­روع املـسـتـقـ­بـلـي الــعــربـ­ـي، على افـتـراض أن املـشـروع القومي كـان يجيب إجــابــات صحيحة عــن أسـئـلـة املستقبل. إن تسمية هزيمة 1948 النكبة وهزيمة 1967 النكسة كـان تعبيرًا عن العجز في مواجهة املشكلة حتى من خال االعتراف الــــلـــ­ـغــــوي بـــحـــقـ­ــيـــقـــ­ة مـــــا حـــصـــل بــوصــفــ­ه هـزيـمـة. التسميتان احـتـيـالـ­يـتـان، حــاول مـخـتـرعـو­هـمـا حـجـب الـــواقــ­ـع، وبـالـتـال­ـي، اســـتـــخ­ـــدمـــتـ­ــا لــلــتــغ­ــطــيــة عـــلـــى مــــا جــــرى، وهي مصطلحات تبريرية. وجاء وصف «الـــنـــك­ـــســـة» لــهــزيــ­مــة 1967 لـــيـــبـ­ــرر بــقــاء السلطة بعد هزيمتها، وأن ما جرى ليس سوى نكسة صغيرة إلى الوراء، وأن هذه النكسة لن توقف املشروع القومي. وبذلك مـــا زال املـــشـــ­روع الــقــومـ­ـي مــســتــم­ــرًا وأنـــه سيتجاوز نكسته وسيرد على العدوان، وسيستعيد األرض الــتــي سـلـبـت الحقًا وســـابـــ­قـــًا. ولـــكـــن املــــشــ­ــروع الـــقـــو­مـــي دخــل املستنقع بعد هزيمة ،1967 وبعد حرب 1973 الــتــي اعــتــبــ­رهــا أصـــحـــا­ب املــشــرو­ع القومي رد اعتبار، رغـم أنها لم تستطع أن تستعيد أي أرض تذكر، أخذ املشروع القومي بعد االستنقاع بالتعفن. مــع تــصــدع املــشــرو­ع الــقــومـ­ـي، وفـشـلـه في التصدي للمهمات التي ألقاها على نفسه بالنسبة للقضية الفلسطينية، كـان الـرد الــوطــنـ­ـي الـفـلـسـط­ـيـنـي، بــأولــوي­ــة الـوطـنـي عــلــى الـــقـــو­مـــي فـــي الــتــعــ­امــل مـــع الـقـضـيـة الـفـلـسـط­ـيـنـيـة، مـــع إنـــجـــا­زات رمـــزيـــ­ة، مثل مـعـركـة الــكــرام­ــة 1968 الـتـي تــصــدت فيها مجموعة من الفدائيني لقوات إسرائيلية. كانت أسطورة الوطني وقدرته على إنجاز تحرير كامل التراب الفلسطيني تحلق في الــســمــ­اء، وإن تــحــريــ­ر فـلـسـطـني هـــو الـــذي يحقق الوحدة العربية، وكل ما فشل فيه املشروع القومي تم إسناده إلـى املشروع الوطني الفلسطيني، الــذي أعــاد الوجود الفلسطيني إلـى الخريطة السياسية في املنطقة، وحـمـل الـهـم الفلسطيني وجعل الشعب الــذي حــاول املـشـروع الصهيوني تـكـنـيـسـ­ه مـــن املــنــطـ­ـقــة، إلـــى جــــزء أســاســي من معادلة املنطقة. ولكن مهمة التحرير الــكــامـ­ـل لــلــوطــ­ن الــســلــ­يــب كـــانـــت أكـــبـــر من

التصدي للجريمة في غزة مسؤولية الجميع، وال أحد سيكون بريئًا من المسؤولية في حال نجاح إسرائيل في حربها المستعرة إلبادة الشعب الفلسطيني

قـــدرة الـوطـنـيـ­ة الفلسطينية. لــذلــك خـال سنوات قليلة، وبفعل الوقائع التي أخذت تتكّرس على األرض، بـدأت حركة التحّرر املحلقة فــي سـمـاء الحلم تـنـزل إلــى أرض الــــواقـ­ـــع، لــتــتــح­ــول إلــــى عــضــو فـــي الـنـظـام العربي الرسمي، ومـن ثم تبحث عن آلية للتكيف مع ممكنات املعطيات السياسية في املنطقة، وبدأ البحث مبكرًا بعد حرب تـشـريـن األول/ أكــتــوبـ­ـر 1973 عـــن كيفية دخـــول حــركــة الــتــحــ­رر فــي إطـــار التسوية املحتملة بعد تلك الــحــرب، فـجـاء الشعار الـشـهـيـر بـبـنـاء «الـسـلـطـة الــوطــنـ­ـيــة» على أي جـــزء يــتــحــر­ر مــن فـلـسـطـني، وكــــان هـذا الشعار مدخا لتحويل حركة التحرر إلى جزء من آليات عمل املنطقة وقواها وبناها اإلقليمية. كان يجب تأديب حركة التحرر عــــدة مــــرات حـتـى تـتـكـيـف، وكــــان الـتـكـيـف النهائي بتوقيع اتفاق أوسلو الذي أدخل حركة التحرير إلى وطنها كسلطة من دون أن تتحرر هذه األرض، ومن دون االعتراف بأن األرض التي تقيم سلطتها عليها هي أرضها، بل جرى التعامل معها بوصفها «أراضي متنازعًا عليها». انـــــهــ­ـــارت املـــــفـ­ــــاوضـــ­ــات، وتــــفـــ­ـكــــك الـــوضـــ­ع الفلسطيني وانــقــسـ­ـم إلـــى سـلـطـتـني، ولـم يـنـجـح طــرفــا االنـــقــ­ـســـام، رغـــم املــفــاو­ضــات العديدة، واملرات الكثيرة التي أعلنوا فيها الـوصـول إلـى آلية إلـى استعادة «الوحدة الوطنية»، والتي لم تكن سوى تصريحات لم يؤيدها الواقع. وفي ظل هذا االنقسام،

ّّ تكررت االعتداء ات اإلسرائيلي­ة على قطاع غــــــزة، ولــــم تـــدفـــع هــــذه الــــحـــ­ـروب الــشــرسـ­ـة طرفي االنقسام إلى تجاوزه. حتى الحرب الشرسة التي تديرها إسرائيل منذ ستة أشــهــر فـــي قــطــاع غـــــزة، وذهــــب ضحيتها عـــشـــرا­ت اآلالف مـــن الــضــحــ­ايــا املــدنــي­ــني، وفي مقدمتهم النساء واألطفال والشيوخ، لـــم تــدفــع إلـــى وحــــدة الــصــف الفلسطيني وتجاوز االنقسام، والذي تحتاجه الساحة الفلسطينية كـضـرورة تاريخية مـن أجل حماية الشعب الفلسطيني الذي يتعرض إلى حرب إبادة من إسرائيل. الــــــيـ­ـــــوم، يــــحــــ­تــــاج الـــــوضـ­ــــع الــفــلــ­ســطــيــن­ــي إلـــــــى كــــــل الـــــجــ­ـــهـــــو­د مــــــن أجـــــــل الــــتـــ­ـصــــدي لــلــعــد­وان اإلســرائـ­ـيــلــي وأهـــدافـ­ــه فــي إبـــادة الفلسطينين­ي وترحيلهم، وأن التصدي لـــهـــذه الــجــريـ­ـمــة مــســؤولـ­ـيــة الــجــمــ­يــع، وال أحد سيكون بريئًا من املسؤولية في حال نجاح إسرائيل في حربها املستعرة إلبادة الشعب الفلسطيني.

 ?? (ياسر قديح/فرانس برس) ?? يرفع علم فلسطين فوق أنقاض خانيونس، أول من أمس
(ياسر قديح/فرانس برس) يرفع علم فلسطين فوق أنقاض خانيونس، أول من أمس

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar