Al Araby Al Jadeed

30 عامًا على اإلبادة الجماعية في رواندا

- محمد أحمد بنيس

خلدت رواندا، قبل أيام، الذكرى الثاثني لإلبادة الجماعية التي خلفت مئات آالف من القتلى، وعدت واحدة من أكبر اإلبادات في النصف الثاني من القرن العشرين. وعلى الرغم من كل التدابير التي قامت بها روانــدا، على درب معالجة الشروخ املجتمعية العميقة التي خلفتها أحـــداث ،1994 إال أن ترميم الـذاكـرة الجماعية واستعادتها، وترسيخ املصالحة الوطنية، ذلك كله يبقى التحدي األكبر بالنسبة لدولة تراهن على األجيال الجديدة في تخطي إرث تلك املأساة وضمان عدم تكرارها، خاصة بعد أن أصبحت الباد واحدة من التجارب االقتصادية الصاعدة في القارة األفريقية. بـدأت اإلبــادة الجماعية في روانــدا بمقتل الرئيس جوفينال هابياريمان­ا في حادث طائرة في 6 إبريل/ نيسان ،1994 لتنطلق على إثرها أعمال عنف واسعة، بعد أن اتهمت أغلبية «الهوتو» أقلية «التوتسي» بالضلوع في الحادث. وسرعان ما تحولت أعمال العنف إلى إبـادة جماعية ممنهجة، حيث أقامت مليشيات عسكرية وأمنية، من «الهوتو»، حواجز تفتيش في العاصمة كيغالي. وقد مكنت بطاقات الهوية، التي تحدد االنتماء العرقي ألصحابها، تلك املليشيات من التعرف إلـى كل من ينتمي لـ«التوتسي» وإعدامه فورًا. ثم ما لبثت أن خرجت األوضاع عن السيطرة بعد اتساع أعمال اإلبادة لتشمل معظم أنحاء الباد، إلى درجة أن أعدادًا كبيرة من «التوتسي» صفتهم تلك املليشيات، بسبب شكوك في والئهم إلثنيتهم أو رفضهم االشتراك في املجازر التي نفذت بحق «الهوتو». أسـبـاب كثيرة كانت خلف تلك املـأسـاة املــروعــ­ة، فـي مقدمتها اإلرث االستعماري، حيث ارتبط «التوتسي» بعاقات مصالح مع سلطات االستعمار البلجيكي، وهو ما عمق االنقسام في املجتمع الرواندي، فقد رأى «الهوتو»، الذين كانوا يعانون من التهميش االقتصادي واالجتماعي، في «التوتسي» حلفاء لاستعمار. كما فشلت الدولة الوطنية في تحقيق الحد األدنـى من التنمية االقتصادية واالجتماعي­ة، وحل مشكلة االندماج الوطني، وإدارة التوتر بني اإلثنيتني املتصارعتن­ي. يضاف إلى ذلك دور اإلعام في تأجيج مشاعر الكراهية والعنصرية والتفوق اإلثني والقبلي، هذا من دون إغفال تقاعس األمم املتحدة والدول الغربية الكبرى التي سقطت في أول امتحان أخاقي وإنساني بعد نهاية الحرب الباردة. لقد كشفت اإلبادة الجماعية في رواندا، من بني أحداث ووقائع أخرى، زيف النظام العاملي الجديد، الذي يفترض أنه قام على مبادئ الحرية والديموقرا­طية وحقوق اإلنسان، إذ فشلت مؤسساته، وفي مقدمتها األمـم املتحدة، في وقـف املقتلة الرواندية التي ظلت مفتوحة أكثر من ثاثة أشهر. ورفضت القوات البلجيكية والفرنسية التدخل ملنع اإلبادة الجماعية بحق «التوتسي»، ضمن حسابات الصراع على إعادة تشكيل مناطق النفوذ في شرق أفريقيا مطلع التسعينيات، خصوصًا بني فرنسا التي ساندت «الهوتو» والـواليـا­ت املتحدة التي راهنت على «التوتسي»، من خال جبهة رواندا الوطنية. تضج اإلبــادة الجماعية في روانــدا بــدروس وخاصات توجب الوقوف عندها، سيما بالنسبة للمجتمعات األفريقية التي ال يزال التوتر اإلثني والقبلي قنبلة موقوتة في معظمها. ومع غياب نخب سياسية مؤهلة إلدارة هذا التوتر بأقل التكاليف املمكنة بتعزيزها الهوية الوطنية الجامعة في مقابل الهويات اإلثنية والقبلية الفرعية، تزداد مخاطر االنجرار، في غير بلد أفريقي، إلى دوامة عنف قد تتحول، بسهولة، إلى إبادات جماعية أخرى ال تقل فظاعاتها عن التي جرت في رواندا أمام مرأى ومسمع من العالم.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar