«العربي الجديد» في عيد ميالده العاشر
ُّ شكل اسم «العربي الجديد» عنصر جاذبية وجرأة، وقد اختار املوقع اإللكتروني أن يطل على الواقع العربي وهو يحمل اسمًا مركبًا في 30 مارس/ آذار ،2014 في زمن ساد فيه االعتقاد بنهاية املـشـروع القومي، وتـراجـع أسـهـمـه ودرجـــــات حــضــوره فــي الـسـيـاسـات العربية. استطاع املـوقـع أن يكمل عقدًا من حضوره الفاعل، واملتفاعل مع كل ما يجري فــــي املـــحـــيـــط الـــعـــربـــي وفـــــي الـــعـــالـــم. وخــــال ســـنـــوات عــشــر مـــــرت بــســرعــة، يــحــق لــقــرائــه أن يــتــسـاءلــوا عــن األدوار والــخــدمــات التي صنعت هذا املنبر في دائرة اإلعام العربي، كـمـا يــحــق لــهــم، الـتـفـكـيـر فــي ســمــات الــجــدة
ِّ التي رسمت املـوقـع، وهـو يواجه التحوالت الجارية في عاملنا. كان عنوان مقالتي األولى في املوقع، في /4/3 ،2014 «العربي الجديد... أفق وطريق». وكان اسمه قد شكل في ذهني عنصر جرأة وجذب. انطلقت في تحريره (العنوان) من اإليمان بأن مـن يقف وراء املـشـروع يتوخى اإلسـهـام في إعـادة بناء املعالم الكبرى لعروبة املستقبل، عـــروبـــة الــتــحــديــث والـــتـــحـــول الــديــمــقــراطــي. وضــمــن هــــذا األفـــــق، اخـــتـــرت اإلســـهـــام طـــوال سـنـوات العقد الـتـي اكتملت بحلول إبـريـل/ نــيــســان .2024 لــســت هــنــا بــصــدد تــقــديــم ما أنــجـزت مــن مــقــاالت فــي صفحة الــــرأي، فهذه مسألة صعبة، وسأكتفي بالقول إنني كنت ومــا زلــت أمــام رحلة فـي الـزمـان وفــي البحث والكتابة، بمختلف صعوباتها ومفارقاتها وتــنــاقــضــاتــهــا، رحـــلـــة فـــي الـــتـــاريـــخ بـــكـــل ما
يحمله من تعقيد وعناء، وبكل ما يفجره من مد وجزر. اخترت اإلسهام في ما اعتقدت أن اســم املـوقـع يشير إلـيـه، أي اإلسـهـام بصورة تسمح بمواجهة أبرز التحوالت الناشئة في املحيط العربي وفي العالم، األمر الذي ترتب عليه تنويع املـواقـف واآلراء املعنية بأسئلة وإشكاالت الواقع العربي في جريانه. كتبت املقالة األولى تحت تأثير جاذبية اسم «الـعـربـي الـجـديـد»، تحت تأثير الــجــرأة التي تمتع بها االسم في ذهني، في زمن ساد فيه كـثـيـر مــن نــفــور مــن إعـــام وأدبـــيـــات املــشــروع القومي التقليدي، وشكلت مقاالت الرأي التي
نـشـرت فيه خــال السنوات العشر املنصرمة مناسبة متواصلة للتفكير وإعــــادة التفكير في بعض أسئلة ومعضات الحاضر العربي، وفــي كثير مــن أوجـــه الــتــحــوالت الـجـاريـة في عاملنا. وقد حرصت على معاينة كيفية عناية املـــوقـــع بـأسـئـلـة الـــراهـــن الــعــربــي فـــي غـلـيـانـه، بحكم أن صدوره واكب جملة من االنفجارات التي لم تتوقف طوال سنوات العقد الثاني من األلفية الثالثة، حني وضعنا «الربيع العربي» أمـام تجربة تاريخية غير مسبوقة، أسهمت وتسهم في صناعة كثير من تحديات ومعارك جديدة في الحاضر العربي. وجــــــد فـــــريـــــق الــــعــــمــــل نــــفــــســــه، فـــــي ســـنـــوات الـــصـــدور األولــــــى، أمـــــام جــمــلــة مـــن األحـــــداث غـيـر املــتــوقــعــة، انـــفـــجـــارات تـمـأل الــفــضــاءات العامة فـي غالبية الـبـلـدان العربية، وتتجه لتعميم الـــثـــورات الـعـربـيـة فــي الــعــام .2011 وجد «العربي الجديد» نفسه أمام الخافات العربية العربية، ثم أمام تركة الثورات التي تحققت، واألخرى التي انخرطت في مواجهة ممانعات وتداعيات مختلفة. واجه «العربي الجديد» بعض مظاهر عودة االستعمار إلى بـعـض الــبــلــدان الـعـربـيـة. وقـــد تــرتــب عــن كـل مـا أشـرنـا إلـيـه نـشـوء ثـــورات مــضــادة حـاول أصحابها مواجهة روح املد الثوري ورياحه، وحــاولــوا الـتـصـدي لـكـل مـا يمكن أن يسمح بـتـحـديـث املـجـتـمـعـات الــعــربــيــة وتـحـويـلـهـا نـــحـــو الـــديـــمـــقـــراطـــيـــة. وتـــــواجـــــه الــصــحــيــفــة الـــيـــوم، ومــنــذ الــســابــع مـــن أكــتــوبــر/ تشرين األول املـــاضـــي، مـعـركـة مــقــاومــة حـــرب إبـــادة الفلسطينيني التي أعلنها الكيان الصهيوني على غـــزة. وفــي قلب املـذكـور سابقًا، لـم تكن
مهمة «العربي الجديد» سهلة، فواجه الطاقم املـشـرف على إعـــداده خــال الـسـنـوات العشر املنصرمة مجموعة مـن األحــــداث واملــواقــف، وركــــب فــي ســيــاق هـــذه املــواجــهــة الــخــيــارات التي بدت له أكثر قربًا من تطلعات «العربي الجديد»، الذي ينخرط اليوم في لغة جديدة، مــتــوخــيــًا الـتـفـاعـل مــع املـــشـــروع الــعــربــي في النهضة والتقدم. لم يكن عبور عقد من الزمن باألمر الهني، وقد تعاقبت على تدبير إعـام «العربي الجديد» وأعماله مجموعة من اإلعاميني، واشتركت فــــي ضـــبـــط تــبــويــبــه ومــــــــواده مــجــمــوعــة مـن الـصـحـافـيـني والــخــبــراء، ونــتــصــور أنـــه نجح في تخطي صعاب كثيرة اعترض طرائقه في العمل. ونتجه بمناسبة عيد مياده العاشر إلى أن نفكر في مستقبله، في عالم تزايد فيه دور اإلعــــام فــي صـنـاعـة األحـــــداث ومـواكـبـة املتغيرات وتركيب البدائل بصورة مدهشة. فـــمـــاذا نـنـتـظـر مـــن مــوقــع انــتــصــر عــلــى كثير مـن الـحـواجـز والـعـوائـق الـتـي واجهته خال الـــســـنـــوات الــعــشــر املـــاضـــيـــة؟ نـــعـــرف جـــوانـــب من الـروح املهنية املوجهة لكثير من نواحي عمله، كما نـعـرف نوعية الـحـضـور الرقمي، الـــذي يمنحه الــيــوم فـــضـــاءاٍت ومــســاحــاٍت ال يتيحها النظام الــورقــي. نـعـرف أيـضـًا، نمط التطور الذي لحقه خال سنوات العقد الذي عبر فصوله وأحواله، ومن حقنا أن نتساءل، ماذا ننتظر منه اليوم، وقد انخرط في األيام األولى من سنته الجديدة؟ يــقــف املـــتـــابـــع ملــحــتــوى مـــا يــنــشــره «الــعــربــي الــجــديــد» عـنـد صـــور حــرصــه، خـــال سـنـوات العقد األول مـن عـمـره، على كيفيات تجديد
وتطوير طرائقه في العمل، ســواء في شبكة املاحق التي صدرت عنه أو في قلب صفحاته اإللــكــتــرونــيــة أو فـــي نـسـخـتـه الـــورقـــيـــة. فقد استطاع أن يصنع لنفسه مكانة رمزية مهمة في زمن قصير، وداخـل دائـرة إعامية مليئة بـالـصـراعـات والـتـجـاذبـات املـركـبـة واملـعـقـدة. وأتــصــور أن مـا سـاعـده على تحقيق املكانة الـتـي أصبحت لــه، يتمثل فـي أنـــه حــرص وال يزال، منذ أعداده األولى، على العناية املهنية بمختلف قضايا الـواقـع العربي. وقـد عاينا ونحن نتابع التحليات واآلراء التي تنشر عـلـى صـفـحـاتـه، حـــرص طـاقـمـه عـلـى الطابع املتنوع ملا ينشره من مواقف وآراء، لتعكس صفحاته مختلف الـحـسـاسـيـات السياسية والثقافية، ومختلف املواقف التي تمأل الواقع العربي. وكــان حـرصـه على مـا ذكـرنـا يعادل حرصه، في اآلن نفسه، على تركيب ما يمكن أن يساهم في توضيح أفقه السياسي العام، األفـق الـذي يتجه لبنائه في عالم بـدت عليه كثير مـن عـامـات الـتـاشـي، كما بــدت عليه، في اآلن نفسه، عامات أخرى تشير إلى أطوار عالم جديد يتشكل. ال نـــتـــردد فـــي الـــقـــول إن أهـــم مـــزايـــا «الـعـربـي الجديد» تبرز في احتضانه املواقف املختلفة واملتناقضة أحيانًا، وسعيه الـدائـم لتحرير مقاالته بباغة مبدعة، مكثفة وكاشفة لكثير من أوجه األحداث التي تركب مامحه العامة. وبـهـذه الطريقة، نسج لنفسه وسـط خريطة اإلعــــــام الـــعـــربـــي والـــعـــاملـــي مــوقــعــًا ومــوقــفــًا، فتحول إلى منبر للتفاعل اليقظ مع مختلف ما يجري في العالم من أحداث.
استطاع «العربي الجديد» أن يصنع لنفسه مكانة رمزية مهمة في زمن قصير، وداخل دائرة إعالمية مليئة بالصراعات والتجاذبات ال ُمر َّكبة وال ُمع َّقدة