بأّي حال عاد عيد المصريين؟
عـــادة مـا ينتظر املـصـريـون األعــيــاد بمظاهر البهجة والسعادة، وعبر األنشطة والفعاليات، مــــن الـــبـــيـــوت إلــــــى الــــــشــــــوارع. وفــــــي رمـــضـــان بـــالـــذات، قـيـلـت أشــعــار فــي رمــضــانــات ّمصر، فـ«رمضان في مصر حاجة تانية... والسر في التفاصيل» بتعبير الفنان اإلمــاراتــي حسني الــجــســمــي، فـــي أغــنــيــة ال يـسـتـشـعـرهـا ســوى مصريو الخارج، وغير املصريني ممن عاشوا األجـــواء الرمضانية فـي مـصـر، لكن يـبـدو أن املـــصـــريـــني أنــفــســهــم فـــي الــــداخــــل لـــم يـــعـــودوا يــشــعــرون كـثـيـرًا بــهــذه األجـــــواء مـنـذ سـنـوات مضت، فمجتمعات «الكومباوندز» أو األحياء السكنية املسورة تخلو من مظاهر رمضانية، وتــعــتــبــرهــا شــعــبــيــة ال يــجــب أن تــقــتــرب من طبقتهم، وإن أرادوا الشعور بها ذهبوا إلى أقرب حي شعبي يتزين بزينة رمضان. لكن، هـل مـا زال البسطاء قــادريــن على اإلحـسـاس بفرحة العيد بصنعهم أجواء رمضانية طوال الشهر، الستحضار تلك الحالة الرمضانية الفريدة حقًا في مصر؟ معدل التضخم تجاوز %33 في الشهر املاضي (مارس/ آذار). غالبية األسـر فقيرة ومفقرة، وغير قـادرة على شراء مـابـس جــديــدة للعيد، وزحـفـت أفـــواج كانت تـــظـــن نــفــســهــا طـــبـــقـــة وســـطـــى نـــحـــو أســـــواق املــــابــــس املـــســـتـــعـــمـــلـــة، وانـــخـــفـــضـــت األجــــــور الحقيقية كثيرًا رغم االرتفاع النظري لألجور النقدية، فحدها األدنى الذي كان يساوي 150 دوالرًا فــي يــنــايــر/ كــانــون الــثــانــي 2023 هو اآلن ال يتجاوز 130 دوالرًا، فيما تأتي مصر في ذيـل قائمة الــدول األقــل أجــورًا في العالم، بــمــتــوســط أقــــل مـــن 118 دوالرًا، وانـخـفـضـت تحويات ذويـهـم فـي الــخــارج نحو %25 في األشــهــر املــاضــيــة. بــهــذه املــعــطــيــات، يستقبل املصريون هـذا العيد. وهناك فـارق كبير بني مسلسات اإلعانات الرمضانية، التي تنادي بــاملــبــادرة واإلســــــراع بـحـجـز وحــــدات سكنية فـــي املـــشـــروعـــات الـــجـــديـــدة الـــفـــارهـــة بـأسـعـار أكـــثـــر مــــن خـــيـــالـــيـــة، ونــــــــــداء ات االســـتـــعـــطـــاف للتبّرع للمستشفيات املختلفة لعاج أمراض الـــســـرطـــان، وغـــيـــرهـــا، وهــــي حـــقـــوق أســاســيــة لـــلـــمـــواطـــنـــني انـــســـحـــبـــت الـــــدولـــــة مــــن أمــامــهــا بشكل كبير أو هـي عـاجـزة عـن تلبيتها، في بلد يفترض أن به نظام تأمني صحي شامل، لكنه ينفق مئات املليارات على بنية تحتية ملـــشـــروعـــات جـــديـــدة، لـــن يـسـتـعـمـلـهـا غـالـبـيـة املــصــريــني املــفــقــريــن، الــذيــن وعــدتــهــم محات «الـــكـــحـــك» بـتـقـسـيـطـه بـنـكـيـًا ألول مـــــرة. حــال غالبية األسـر املصرية يرثى له. ترى هذا في وجـوه املتجولني في الشوارع واألســواق، وال سيما أسواق املابس املستعملة التي لم يعد الحد األدنــى لـألجـور، املنتظر تطبيقه، قـادرًا على شـــراء طقم لـكـل فــرد فــي األســــرة، ناهيك عن مابس جديدة. خفض املصريون غالبية استهاكهم للسلع األساسية رغم أنوفهم، مع مــا يحمله هـــذا مــن تـبـعـات صـحـيـة محتملة، مـن تفاقم ســوء التغذية واألمــــراض املرتبطة بــه، ومــن قــزامــة ووالدات قيصرية أو تبعات اجــتــمــاعــيــة، تــتــمــثــل فـــي أعـــلـــى انــخــفــاض في نسب املواليد، وربما نسب الـزواج أيضًا، مع ارتـفـاع حــدة الـتـوتـرات االجتماعية، وحــاالت الــطــاق، والــســرقــة، واملـشـكـات اليومية التي تــواجــه املـصـريـني فــي الـــشـــوارع يـومـيـًا. ليس هذا فحسب، إذ يغرق املصريون في آالم حرب غــــزة، الــتــي كشفت وهـــم الـــصـــدارة اإلقليمية، والقدرة على الفعل، والدور الوظيفي النشط، ليكتشف الجميع أن دولتنا، أكبر دولة عربية، غير قـــادرة على التحكم بمعابرها وال حتى على إدخـــال املـسـاعـدات اإلنسانية لـدولـة في جـــوارهـــا املـــبـــاشـــر، طـــاملـــا اعـــتـــبـــرت قـضـيـتـهـا مركزية لشعب مصر، في تراجع تـام لثوابت األمـــن الـقـومـي الـتـاريـخـيـة والـجـغـرافـيـة، رغـم وجود قرارات دولية وإقليمية وغطاء شعبي يسمح ألي نظام كان أن يخرج من هذه الحرب بـطـا قـومـيـًا، بــا كثير جـهـد أو عــنــاء، سـوى تنفيذ الـــقـــرارات الــدولــيــة. ولــو اسـتـمـرت هذه الــحــرب عـلـى حــــدود بـلـد أفــريــقــي أو أمـيـركـي التيني، لفعل نظامه أكثر بكثير مما فعله هذا النظام الذي ال يسمح حتى بالتظاهر للتعبير عن الغضب الكامن تجاه املحتل وحربه على األطـــفـــال والــنــســاء والــشــجــر والــحــجــر، خـوفـًا مـــن أن تـنـفـلـت تــلــك الــتــظــاهــرات وتـــخـــرج عن الـــســـيـــطـــرة، فــيــقــبــض عــلــى مـــن يـــرفـــعـــون علم فلسطني، وعـلـى مـن رفـعـوا شــعــارات مغايرة لفعالية يتيمة نظمها الـنـظـام نـفـسـه، وكـــأن املــعــادلــة: اغـضـب فــي صـمـت ومـــت كــمــدًا، لكن ال تعبر عما بـداخـلـك. ويــخــرج علينا رئيس الباد يمن علينا باستقرار زائف، وبأن حالنا أفضل من حال شعوب في جوارنا، ال يستطيع هـو إدخـــال املـسـاعـدات إليهم، وكـــأن علينا أن نحمد الله أننا لم نحتل بعد، ولم يفعل بنا ما فعل بغزة وأهلها. املهم أن نشكره على البقاء أحياء، أما نوعية الحياة التي نحياها فغير مهمة. يعترف الرئيس عبد الفتاح السيسي، فــــي غـــيـــر مـــنـــاســـبـــة، بــــتــــدنــــي األجــــــــور وعــــدم كفايتها، وعدم سعادة املواطنني، وليس آخر هــذه االعــتــرافــات تصريحه بـــأن املــواطــن كان سعيدًا في الخمسينيات، رغم أنه كان يقبض جنيهات فـقـط، بينما هــو لـيـس سـعـيـدًا اآلن وهو يقبض آالف الجنيهات، وكـأن التضخم ثابت في عقل املتحدث، وبينما ال يفتأ يذكر املـــواطـــنـــني بـــضـــرورة الــتــقــشــف، وهــــو يفتتح عــاصــمــتــه الـــجـــديـــدة بـحـفـل تـنـصـيـب مـهـيـب، يعتبر أن الله قد وهبه امللك وعلمه من تأويل األحــــاديــــث مـــا تــعــجــز عــنــه الـــعـــامـــة والــنــخــب املـــصـــريـــة، بــيــنــمــا تـــبـــشـــر حــكــومــتــه األهـــالـــي بـــالـــعـــودة إلــــى جـــدولـــة انــقــطــاعــات الــكــهــربــاء التقليدية بعد العيد، إذ ال ينبغي أن يعتاد الـشـعـب انـتـظـام الـكـهـربـاء ألنـــه يـتـعـارض مع سـيـاسـة تخفيف األحــمــال للتعامل مــع أزمــة السيولة وأزمة الطاقة، في آن واحد.
وعدت البنوك وبيوت التمويل المصريين بتقسيط «كحك» العيد واللحوم وبعض المنتجات، وهو ما يتندر به المصريون