Al Araby Al Jadeed

جوناثان غليزر... أن تكون يهوديًا في هوليوود

- عمار فراس

فـتـح املــخــرج الـبـريـطـ­انـي، جــونــاثـ­ـان غـلـيـزر، أبـواب الجحيم على مصاريعها أثناء تلقيه جـــائـــز­ة األوســــك­ــــار ألفــضــل فـيـلـم أجــنــبــ­ي، إذ ألقى صاحب ‪،The Zone of Interest‬ حينها، كلمة ملخصها توجيه الـلـوم إلــى االحـتـالل اإلســرائـ­ـيــلــي عـلـى مـــصـــاد­رة الـهـولـوك­ـوسـت، وارتــكــا­ب جـرائـم بحق الشعب الفلسطيني. غـــــلـــ­ــيـــــزر، الــــــيـ­ـــــهــــ­ــودي، وصــــــاح­ــــــب فـــيـــلـ­ــم عــن الهولوكوست، اتهم فـورًا بمعاداة السامية، ووقعت عريضة في هوليوود تدين ما قاله، مشيرة إلى أنه يدين «اليهود» ظلمًا، وغيرها من االتهامات التي تكشف أن التعصب الديني يتفوق على الحس اإلنساني، وتكشف أيضًا أن هوليوود مستعدة لـ«طرد» و«إلغاء» كل من يتوجه باالنتقاد إلى إسرائيل، حتى لو كان يهوديًا. الحالة املثيرة لالهتمام املتمثلة بغليزر توقعنا في حيرة، ألن بالغة نظرية املــــؤام­ــــرة تـــبـــدو واضـــحـــ­ة عــنــد الـــحـــد­يـــث عن حلف صهيو-أميركي في هوليوود. ومن ثم نكتشف، هنا أثر ماكينة الدعاية الصهيونية التي حولت أي منتقد، حتى لو كان من صلب الصناعة، إلى مؤامراتي وكاذب، وغيرها من الــصــفــ­ات الـسـلـبـي­ـة الــتــي يـنـعـت بــهــا مـــن «ال يؤخذ كالمهم على محمل الجد». الهجمة التي يتعرض لها غليزر تتجاوزه نحو كل من طلب وقـف إطــالق الـنـار. الطلب املقترن بإطالق سراح األسرى اإلسرائيلي­ن، والقائم على موقف إنساني بحت، ال حسابات سياسية فيه، يشمل طرفن مـن «األبــريــ­اء»، لكن ال، هناك خوف يهودي دفن ومصادرة لحق يهود كل العالم، إذ عليهم إيضًا تأييد

إسرائيل و«عمليتها العسكرية» (ارتكابها إلبــادة جماعية)، وهـذا بالضبط اإلشكالية، كـونـه يـضـع االنـتـمـا­ء الـديـنـي فـــوق الـوطـنـي. اإلشكالية السابقة يشير إليها الكوميديان جــــون ســـتـــيـ­ــورات، مــوضــحــًا أن يــهــوديـ­ـتــه ال تعني أنـه إسرائيلي، بل أميركي أوال، وهي املــفــار­قــة الــوطــنـ­ـيــة الــتــي تــجــر بــهــا إســرائــي­ــل اليهود إلى صفها بناء على نبوءات دينية، ال محرقة أوروبية. وهنا يبدو موقف غليزر فاضحًا للعمى األيـديـول­ـوجـي الصهيوني، املـــســـ­تـــعـــد لــــطــــ­رد يــــهــــ­ودي آخــــــر ومـــحـــا­ربـــتـــه بسبب موقف إنساني. وقع 150 فنانًا رسالة تضامن مع غليزر، تشير بوضوح إلى رفض مصادرة الهولوكوست، و«أمـن اليهود على حساب حرية الفلسطينين». الكلمات هنا شـــديـــد­ة الــــدقــ­ــة، فـــمـــصـ­ــادرة الــهــولـ­ـوكــســت ال تعني احتكار املأساة على إسرائيل فحسب، بــل تـهـديـد الـهـولـوك­ـوسـت نفسه وسـرديـتـه، الــقــائـ­ـمــة عــلــى شـــهـــاد­ات الـــنـــا­جـــن، ومــقــارن­ــة هذه الشهادات بتلك شديدة الغموض وغير الـدقـيـقـ­ة ملــا حـــدث فــي 7 أكــتــوبـ­ـر، ومـقـارنـت­ـه بــالــهــ­ولــوكــوس­ــت، مـــا يـفـتـت تـمـاسـك سـرديـة الـهـولـوك­ـوسـت األوروبـــ­ـيــــة، بــل يــحــرك نسقًا يرتبط أيضًا باملؤامرة وبالغتها حول إنكار

ما يتعرض له غليزر يطاول كل من يطلب وقف إطالق النار الهولوكوست. ما تقوم به إسرائيل ببساطة، هو دفع أي معارض لها نحو بالغة املؤامرة، األمـر الـذي اتسع نحو اتهام ناجن وأحفاد نــاجــن مـــن الــهــولـ­ـوكــوســت نـفـسـهـا بـمـعـاداة السامية. وهــذا بالضبط مـا يمكن تسميته بـــ ‪،Global Gaslightin­g‬ إذ تــحــاول إسرائيل أن تـقـنـع «الــجــمــ­يــع» أنـــهـــم عــلــى خــطــأ وهــي الـــوحـــ­يـــدة عــلــى صــــــواب، مـــا يـــحـــرك مـــعـــاد­اة الــســامـ­ـيــة والــيــمـ­ـن املــتــطـ­ـرف، لـيـس ألسـبـاب أيديولوجية فقط، بل نفسية؛ إذ كيف يمكن ألحدهم أال يستشيط غضبًا حن يدفع إلى إنـكـار مقتل أكثر مـن 33 ألــف فلسطيني في قـطـاع غـــزة، يــرى جثثهم كـل يـــوم، وتصديق ناطق باسم الجيش اإلسرائيلي؟ بالغة املؤامرة والـ Gaslightin­g كلها تقنيات تضاف إلـى البروباغان­دا، لكنها ذات تأثير عـــكـــسـ­ــي، كـــونـــه­ـــا تــــهــــ­دد كــــل الــــفـــ­ـئــــات، لـيـس املـتـظـاه­ـريـن فــي الـــشـــا­رع أو الـفـنـانـ­ن فقط، بـل كـل مـن يمتلك قــدرة على إطــالق األحكام كإنسان يرى مقتلة أخيه اإلنسان، إذ ظهرت مــصــطــل­ــحــات جــــديـــ­ـدة تــكــشــف عــــن ســيــاســ­ة إسرائيل، كإبادة املنازل وإبـادة املـدارس، في محاولة ربما لشرح كل جزء من الجريمة، لكن األهم، هو اغتيال الشخصية الذي يستهدف غليزر وغيره، ومحاولة نزع الشرعية عنهم، وتـهـديـد هويتهم يــهــودًا، ولـيـس أميركين، كـون الـواليـات املتحدة ما زالـت الداعم األول إلسرائيل. اغتيال الشخصية واإلرغـام على تـأيـيـد إســرائــي­ــل يــتــرك الــفــرد أمــــام خـيـاريـن؛ إمـــا الـتـشـكـي­ـك فـــي قــــواه الـعـقـلـي­ـة كــمــا فـــي الـــ ،Gaslightin­g أو التسليم األعـمـى بالسردية اإلسرائيلي­ة، وكـال الخيارين يـصـادران حق الفرد في التعبير.

 ?? (رودن إكنروث/ytteG) ?? غليزر يتسلم جائزة في هوليوود، مارس الماضي
(رودن إكنروث/ytteG) غليزر يتسلم جائزة في هوليوود، مارس الماضي

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar