كوفية الحرباوي... ميالٌد في المصنع
تبث منصة Nowness لفن الفيديو الوثائقي القصير «ُصنع في فلسطين» )2019( للمخرجة المصرية - الفيليبينية مريم دويدار
تحاول جهات فنية عدة أن تتخذ موقفًا من االحــتــالل اإلسـرائـيـلـي وحـــرب اإلبــــادة التي يشنها ضـد الشعب الفلسطيني فـي قطاع غـــزة بــطــرق مـخـتـلـفـة. بــعــض هـــذه الـجـهـات واملـــؤســـســـات يــصــدر بــيــانــات تـــديـــن جـرائـم االحتالل، وبعضها يقاطع كل من له عالقة به. وبعضها اآلخر، كمنصة ،Nowness تعيد نـشـر فيلم مـرتـبـط بالقضية الفلسطينية. في عـام ،2019 صـدر وثائقي قصير يحمل عــــنــــوان «صــــنــــع فــــي فـــلـــســـطـــني» Made in( ،)Palestine للمخرجة املصرية - الفيليبينية مــريــم دويـــــدار .)Mariam Dwedar( ثماني دقـــائـــق فـــقـــط، كـــانـــت كــافــيــة لـــســـرد خــالصــة قصة مصنع الحرباوي املوجود في مدينة الخليل، وهـو املصنع الوحيد في فلسطني الذي ينتج الكوفية. أخيرًا، استعادت منصة ،Nowness املتخصصة بفن الفيديو Video( )Art واألفالم القصيرة، هذا العمل الوثائقي، واضعة إياه على صفحة املوقع الرئيسية. ال يخوض «صنع في فلسطني» في تفاصيل إعداد الكوفية وحياكتها وتقنيات صنعها، وإنما يسعى إلى توكيد تجذرها في وجدان
وثقافة الشعب الفلسطيني، وانتمائها إليه، بمعزل عن روايــة االحتالل التي تحاول أن تسطو ثقافيًا على كل شيء يتعلق بتاريخ فلسطني، ابتداء من األرض وما عليها وما تحتها، مـرورًا بالطعام واألزيــاء واملالبس، وليس انتهاء بالحيوانات والطيور التي ترمز للشعب الفلسطيني. يــبــدأ الـفـيـلـم بـلـقـطـة عــامــة ملــديــنــة الـخـلـيـل. ثـــم نـــرى أحـــدهـــم مـــن داخــــل املــصــنــع، يفتح بـابـه ليستقبل الـصـبــاح. بـعـدهـا مـبـاشـرة، تنتقل بنا الكاميرا إلى إحدى اآلالت، ونرى بداخلها الخيوط وهــي تنسج. يقول أحد العاملني فــي املـصـنـع، عبد الـعـزيـز كـراكـي: «ملـــا بسمع صـــوت اآلالت بــكــون مـبـسـوط». يضيف: «كـل عواطفي أضعها في الكوفية بينما أعدها»، مؤكدًا أن الكوفية تمثل جزءًا مهمًا من التراث الفلسطيني. بـــعـــدهـــا، نــنــتــقــل إلــــــى جـــــــودة الــــحــــربــــاوي، أحــد أبـنـاء مـؤسـس املصنع (الــراحــل ياسر الــــحــــربــــاوي)، إذ يـــقـــول: «نـــحـــن ولــــدنــــا في املـصـنــع. تــاريــخ مــيــالدي هــو نفسه تـاريـخ ميالد املصنع»، مشيرًا إلـى أنــه انطلق في عــــام ،1961 بــآلــتــني، وقــــد تـــطـــور عــمــلــه مع الزمن حتى وصل إلى ما هو عليه اآلن. نـعـود إلــى عبد الـعـزيـز كــراكــي، إذ يـوضـح: «فــي عــام ،1936 فـتـرة الــثــورة الفلسطينية عـلـى االنـــتـــداب الــبــريــطــانــي، اعــتــبــر كــل من يـضـع كــوفــيــة مــعــارضــًا إلدارة االنـــتـــداب». بـــهـــذا، أمـــســـى كــــل الــشــعــب يــضــع الــكــوفــيــة، فـــــي إشـــــــــارة إلــــــى الـــتـــأكـــيـــد عـــلـــى عـــروبـــتـــه وفلسطينيته وتمسكه بـإرثـه، للتحرر من سطوة االستعمار اإلنكليزي آنــذاك. يقول: «الــكــوفــيــة هـــي تــــؤام الــعــلــم الـفـلـسـطـيـنـي».
هنا، نغادر املصنع إلى مدينة الخليل. نرى حاجزًا وضعه جيش االحتالل، يعلوه برج مراقبة فيه جـنـدي، وكـذلـك نــرى علم دولـة االحــتــالل. املـفـارقـة فـي هــذه اللقطة أن هذا الــحــاجــز املــعــدنــي يـقـابـلـه ســــور طــويــل في املــديــنــة، يـتـنـاقـض كـلـيـًا مـــع ذلـــك الــحــاجــز.
ســــور يـــتـــألـــف مـــن حـــجـــارة عــمــرهــا ال يـقـل عـن 300 سنة. هـذا الحاجز مهمته حماية مــســتــوطــنــة شـــيـــدهـــا االحــــتــــالل فــــي وســـط مـديـنـة الـخـلـيـل. نــعــود إلـــى املـصـنـع. جولة بــني اآلالت وهـــي تنسج الـكـوفـيـة. يتحدث العاملون عن استيراد البضاعة الصينية
وتــأثــيــره الـسـلـبـي عـلـى تــجــارتــهــم، وعـــودة املصنع إلــى العمل بعد تــوقــف دام خمس سـنـوات نتيجة هــذا االســتــيــراد. نــرى فتاة تــضــع الــلــمــســات الــنــهــائــيــة عــلــى الــكــوفــيــة، وتخيط إليها رقــعــة بيضاء، كـتـب عليها: «صنع في فلسطني - الخليل».