Al Araby Al Jadeed

قيس سعيّد ال يريد منافسين

مالحقة المرشحين المحتملين وشروط جديدة للمشاركة في االنتخابات الرئاسية

- تونس ـ بسمة بركات

يقول سياسيون ومراقبون تونسيون إن إجراءات الرئيس قيس سعيد المستمرة منذ ،2021 تهيمن على أجواء االستعداد لالنتخابات الرئاسية المقبلة. وبينما يقبع مرشحون محتملون من المعارضين داخل السجون، فإن شروط الترشح لالنتخابات بحد ذاتها يحكمها دستور سعيّد

يــــرى ســيــاســ­يــون ومـــراقــ­ـبـــون تــونــســ­يــون أن االنـــتــ­ـخـــابـــ­ات الـــرئـــ­اســـيـــة، املـــتـــ­وقـــعـــة مــــا بـن ســبــتــم­ــبــر/أيــلــول وأكـــتـــ­وبـــر/تـــشـــري­ـــن األول املقبلن، ستكون مقيدة بشروط سيفرضها رئـيـس الجمهورية قيس سعيد تمكنه من إزاحة كل منافس محتمل له. ويضيف هؤالء أن املـالحـقـ­ات املتتالية ملـرشـحـن محتملن والزج بهم في السجون هي تمهيد ملواصلة الحكم الفردي لسعيد. وكان األخير قد شدد فـي كلمة ألقاها فـي مدينة املنستير، وسط البالد، بمناسبة الذكرى الـ42 لوفاة الرئيس الـــتـــو­نـــســـي األســــبـ­ـــق الــحــبــ­يــب بـــورقـــ­يـــبـــة فـي السادس من إبريل/ نيسان الحالي، على «أنه ال يمكن القبول بالرجوع إلـى الـــوراء أو بأن يتم الترشح من قبل مجموعات ترتمي في أحضان الخارج». وأضاف أن املرشح «يجب أن يكون مزكى من قبل التونسين ومنتخبا مــن قبلهم وحــدهــم ولـيـس مــن قـبـل أي جهة أخـــــرى». وكــــان سـعـيـد قـــد قـــال فـــي املـنـاسـب­ـة نفسها، العام املاضي: «لن أسلم وطني ملن ال وطنية له»، ما فهم حينها بأنه سيكون هناك تضييق على مرشحن محتملن، بعضهم مقيم بـالـخـارج، مثل مـنـذر الــزنــاي­ــدي، وزيـر السياحة فــي عهد الـرئـيـس األســبــق الـراحـل زين العابدين بن علي. وفــــــــ­ـي الــــــسـ­ـــــيــــ­ــاق، يـــــــــ­رى أســـــــت­ـــــــاذ الـــــقــ­ـــانـــــ­ون الـدسـتـور­ي عبد الــــرزاق املـخـتـار، فـي حديث لـــــ«الــــعـــ­ـربــــي الــــجـــ­ـديــــد»، أنــــــه «ال يــــوجـــ­ـد فـي الـنـص الــدســتـ­ـوري» مـا يـفـرض على املـرشـح لـالنـتـخـ­ابـات الـرئـاسـي­ـة اإلقـــامـ­ــة فــي تـونـس، «وبالتالي، من هو مقيم في الخارج ويتمتع ببقية الشروط (للترشح) في الفصل 89 من الدستور يمكنه الترشح للرئاسة». وتقول املــــادة 89 مــن الــدســتـ­ـور، الـــذي أجـــرى سعيد اسـتـفـتـا­ء لتعديله عـــام ،2022 إن «الــتــرشـ­ـح ملنصب رئيس الجمهورية حق لكل تونسي أو تــونــســ­يــة غـــيـــر حـــامـــل لــجــنــس­ــيــة أخـــــرى،

مولود ألب وأم، وجد ألب، وجد ألم تونسين، وكــلــهــ­م تـونـسـيـو­ن بــــدون انــقــطــ­اع» وهـــو ما يقصي مـزدوجـي الجنسية. كما تنص على أنه يجب أن يكون املرشح أو املرشحة، «يوم تــقــديــ­م تـــرشـــح­ـــه، بــالــغــًا مـــن الــعــمــ­ر 40 سنة على األقــل، ومتمتعًا بجميع حقوقه املدنية والسياسية»، علمًا أن السن املطلوبة كانت 35 عامًا. ويوضح املختار أن «تقديم الترشح حسب الشروط املنصوص عليها في القانون االنـــتــ­ـخـــابـــ­ي ســـيـــفـ­ــرض الـــتـــو­جـــه إلـــــى هـيـئـة االنـتـخـا­بـات، أي سيكون التقديم شخصيًا ومــن دون وكــالــة»، مضيفًا أن «أي منع غير دستوري وغير قانوني، وأي تأويل، سيكون تــزيــدًا (تــجــاوزًا) قـانـونـيـًا». وبـــرأي املختار، فإن «اإلشكال اليوم أن هناك مناخًا من عدم الثقة، وهناك من يـرى أن هيئة االنتخابات (الهيئة العليا املستقلة لالنتخابات) قـد ال تقف على املسافة نفسها مع كل املرشحن، مـــا يــعــنــي أن دورهــــــ­ا ســيــكــو­ن داخـــــل دائــــرة الـضـوء وداخـــل دائـــرة التشكيك». يـأتـي ذلك خصوصًا فـي ظـل «صـــدور قــــرارات ترتيبية (تنظيمية) من قبل الهيئة قد تكون بديال عن القانون األساسي». ويشدد على أن «املسألة الدستورية واضحة، وهي أنه ال يمكن وضع شروط غير منصوص عليها دستوريًا، وإال فستتحول الهيئة بديال عن املشرع»، مضيفًا أنها «مدعوة الحترام الدستور». من جهته، يقول األمــن العام لحزب العمال حــــمــــ­ة الــــهـــ­ـمــــامــ­ــي، فـــــي حـــــديــ­ـــث لـــــ «الــــعـــ­ـربــــي الـــجـــد­يـــد»، إن «الـــحـــز­ب يـعـتـبـر أن ال ظـــروف موضوعية إلجراء انتخابات، إذ وضع قيس سـعـيـد شـروطـهـا فــي دســتــور كتبه بنفسه، وقـــــواع­ـــــد حــــددهــ­ــا لـــكـــي يــــكــــ­ون هــــو املـــرشــ­ـح األوحد». ويضيف أن االنتخابات «عبارة عن بيعة أكثر منها انتخابات رئاسية». ويلفت الـهـمـامـ­ي إلـــى أن «حــــزب الــعــمــ­ال لــن يـشـارك في انتخابات بشروط سعيد، وسيقاطعها وسيدعو إلى مقاطعتها». وبرأي الهمامي، فـــــإن مــــن «قــــاطـــ­ـع االنـــتــ­ـخـــابـــ­ات الــتــشــ­ريــعــيــ­ة (بــدورتــي­ــهــا األولـــــ­ى نــهــايــ­ة ،2022 والـثـانـي­ـة بـدايـة )2023 واالستفتاء على دسـتـور (عـام )2022 ثم يشارك في االنتخابات الرئاسية، فــكــأنــ­ه يــعــتــر­ف ضـمـنـيـًا بــاالنــق­ــالب ويعطي مــشــروعـ­ـيــة لــصــعــو­د قــيــس ســعــيــد مـــجـــددًا، وبالتالي سيمنحه مبررات ملواصلة الحكم». ويـــشـــي­ـــر إلـــــى أن «كـــــل مــــا فــعــلــه ســـعـــيـ­ــد مـنـذ االنقالب كان الهدف منه البقاء في السلطة، ولذلك عمل على الزج بكل من ينوي الترشح، فـــي الـــســـج­ـــن». كــمــا «جـــــرى تـلـفـيـق الـقـضـايـ­ا ضـــد مـــعـــار­ضـــن، إلــــى جـــانـــب وضــــع شـــروط لالنتخابات بطريقة فردية، ألن الهدف إزاحة كل من يفكر في الترشح، وإزاحة أي منافس جــدي» لسعيد. ويـقـول الهمامي إن «سعيد ال يخفي ذلــك، بـل صــرح عالنية بذلك خالل زيــــارتـ­ـــه أخـــيـــرًا مــحــافــ­ظــة املــنــسـ­ـتــيــر، عـنـدمـا تـحـدث عـن عــدم منح الرئاسة لشخص غير وطني»، لكنه يوضح أن «هذا ال يعني فسح املجال لسعيد لكي يفعل ما يريد، بل تنبغي مقاومة االنقالب، ورفض ما يحصل من خالل النضال والنزول إلى الشارع بطريقة سلمية وقـــانـــ­ونـــيـــة، وطـــــرح الـــبـــد­يـــل وفـــــرض شـــروط االنتخابات الديمقراطي­ة»، معتبرًا أن «هذه االنــتــخ­ــابــات لـــن تــكــون ديــمــقــ­راطــيــة». وكـــان سعيد قـد قـــرر، فـي 25 يوليو/ تـمـوز ،2021 تفعيل الـبـنـد 80 مــن دســتــور ،2014 واتـخـذ بـمـوجـبـه تــدابــيـ­ـر اسـتـثـنـا­ئـيـة، أقــــال خاللها حـكـومـة هـشـام املشيشي وجـمـد صالحيات مجلس نـــواب الـشـعـب، ورفـــع الـحـصـانـ­ة عن نـــوابـــ­ه. كـمـا عــلــق عـمـل املـحـكـمـ­ة الـدسـتـور­يـة املــــؤقـ­ـــتــــة، وهــــــي هـــيـــئـ­ــة مــــراقــ­ــبــــة دســـتـــو­ريـــة

حمة الهمامي: سعيد وضع شروطًا لالنتخابات بطريقة فردية

الــقــوان­ــن، إلــى جـانـب الـعـديـد مــن ممارسات التضييق على اإلعـــالم واملــعــا­رضــن. كذلك، فقد أجرى سعيد، بناء على تعديل الدستور، تعديالت جوهرية على قـانـون االنتخابات الـبـرملـا­نـيـة، مــن بينها االقـــتــ­ـراع لــأفــراد بـدل القوائم في االنتخابات البرملانية. كما أقصت التعديالت مزدوجي الجنسية ومنعتهم من الـــتـــر­شـــح، فـيـمـا يـنـطـبـق هــــذا الـــشـــر­ط أيـضـًا على املرشح لالنتخابات الرئاسية، إذ نص الدستور الجديد على ذلك في املادة 98، علمًا أن شــــروط الــتــرشـ­ـح لـالنـتـخـ­ابـات الـرئـاسـي­ـة تحكمها تـعـديـالت الـدسـتـور الـجـديـد. وإلــى حد اآلن، يبدو كل منافسي سعيد املحتملن لــلــرئــ­اســة، والـــذيــ­ـن أعــلــنــ­وا نـيـتـهـم الــتــرشـ­ـح، إمـــــا داخــــــل الـــســـج­ـــن (األمــــــ­ـن الــــعـــ­ـام لــلــحــز­ب الجمهوري عصام الشابي، ورئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي)، أو مهددين بـاملـالحـ­قـة الـقـضـائـ­يـة خـــارجـــ­ه، كــالــزنـ­ـايــدي، واإلعالمي نزار الشعري، واألمن العام لحزب االتحاد الشعبي الجمهوري لطفي املرايحي. وفي هذا الصدد، يقول عضو جبهة الخالص الوطني القيادي فـي حركة النهضة ريـاض الشعبي، في تصريح لـ«العربي الجديد»، إن اإلشكال يتمثل «في كيفية تنظيم انتخابات حـرة ونزيهة»، مضيفًا أن «السلطة مطالبة بـتـنـظـيـ­م االنــتــخ­ــابــات وفـــق املــعــاي­ــيــر املتفق عليها». ويلفت بالتالي إلى أنه «في ظل منع املرشحن من تقديم ترشحهم بوسائل غير قـانـونـيـ­ة، والـضـغـط على هيئة االنتخابات والهيمنة عـلـى قــوانــن الـلـعـبـة، فـــإن كــل هـذا يــلــغــي الـــقـــي­ـــمـــة الـــســـي­ـــاســـيـ­ــة لـــالنـــ­تـــخـــاب­ـــات». ويشير إلـى أن «السلطة إذا حاولت التحكم في االنتخابات، فستكون بذلك قد صـادرت نتيجتها، فـيـمـا تـفـقـد هـــذه االنــتــخ­ــابــات أي أهـــمـــي­ـــة». ويــعــتــ­بــر الــشــعــ­بــي أن «الـــرســـ­ائـــل الــتــي تـرسـلـهـا الـسـلـطـة حــالــيــًا سـلـبـيـة، ومــا لــــم يــحــصــل ضـــغـــط عـــلـــى الــســلــ­طــة لــحــمــا­يــة مكسب هــام وقــع تكريسه خــالل 10 سنوات من االنتقال الديمقراطي (منذ ثـورة ،)2010 فإنها ستلغي آخــر ركــيــزة مــن هــذا االنتقال الـديـمـقـ­راطـي»، وذلـــك «بمنع املـرشـحـن (من الــــتـــ­ـرشــــح) والـــتـــ­حـــكـــم فــــي قــــوانــ­ــن وقــــواعـ­ـــد اللعبة». ويضيف أنــه «إلــى اآلن الـرسـائـل ال تـــزال سلبية». ويــقــول الشعبي إن «الجبهة ســـتـــنـ­ــاضـــل مـــيـــدا­نـــيـــًا وســـيـــا­ســـيـــًا وإعـــالمـ­ــيـــًا لـــلـــضـ­ــغـــط عـــلـــى الـــســـل­ـــطـــة، مـــــن أجــــــل تــوفــيــ­ر الــــشـــ­ـروط املـــالئـ­ــمـــة لـــالنـــ­تـــخـــاب­ـــات، واحــــتــ­ــرام قواعد املنافسة». ويشير إلى أن «الرهان هو كيفية إنقاذ البالد بالوسائل الديمقراطي­ة، وهـــو مـــا تـسـعـى إلــيــه الــجــبــ­هــة، أي الــحــرص على املشاركة في االنتخابات املقبلة والدفاع عـــن حـــق الــجــمــ­يــع فـــي الـــتـــن­ـــافـــس». ويـنـطـلـق موقف الجبهة «من اإليمان بأن الديمقراطي­ة يــمــكــن أن تـــدافـــ­ع عـــن نـفـسـهـا وتــصــمــ­د أمـــام الــتــســ­لــط»، لــكــن الـشـعـبـي يــســتــد­رك بــالــقــ­ول: «لـــأســـف، الـسـلـطـة تـــواصـــ­ل إغــــالق الـفـضـاء العام، ومنع حرية التعبير باملرسوم 45، ما يدفع بالبالد نحو مزيد من الـتـأزم والفشل على كل املستويات». وصدر املرسوم عدد 54 في سبتمبر/أيلول ،2022 ويتعلق بمكافحة الــجــرائ­ــم اإللــكــت­ــرونــيــ­ة، ويــهــدف رسـمـيـًا إلـى «ضـــبـــط األحــــكـ­ـــام الـــرامــ­ـيـــة إلــــى الـــتـــو­قـــي من الـجـرائـم املتصلة بأنظمة املـعـلـوم­ـات». لكن املـــــرس­ـــــوم أثــــــار الــــجـــ­ـدل بــســبــب الـــعـــد­يـــد مـن فـصـولـه، خصوصًا الفصل 42، الـــذي يجرم حـريـة التعبير، إذ تصل العقوبات فيه إلى السجن 10 سنوات. من جهته، يرى القيادي فـي الـحـزب الـجـمـهـو­ري املــولــد­ي الـفـاهـم، في تصريح لـ «العربي الجديد»، أن «سعيد وضع دستورًا بنفسه ولن يقبل بأي منافس له أو أي مرشح جــدي». ويوضح أن «االنتخابات الرئاسية عرس ديمقراطي، وتتطلب مناخًا للمشاركة، والشعوب تفتخر بها»، مستدركًا: «لــأســف، نحن اآلن تحت وقــع املــرســو­م 45، وتمكن تسمية مـا سيحصل بــأي شـــيء، إال بكونه انتخابات». ويلفت الفاهم إلـى أنهم في الحزب الجمهوري «واكـبـوا االنتخابات في النظام البورقيبي، إذ كـان هناك الحزب الـواحـد»، وكذلك «في فترة الرئيس املخلوع بـــن عــلــي، إذ تـــعـــدد­ت الــعــنــ­اويــن، ولــكــن ويــل لــكــل مــنــافــ­س يـــتـــجـ­ــاوز الــســلــ­طــة». ويـضـيـف أنـه بعد ذلـك «جــاءت الـثـورة والديمقراط­ية، لكن حصلت خيبة أمـــل، وعـدنـا إلــى مـا قبل الــثــورة»، معتبرًا بالتالي أن «الــظــروف غير مالئمة» لالنتخابات.

 ?? (فتحي بلعيد/فرانس برس) ?? خالل الفرز بعد االستفتاء على الدستور، أريانة، 2022
(فتحي بلعيد/فرانس برس) خالل الفرز بعد االستفتاء على الدستور، أريانة، 2022

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar