Al Araby Al Jadeed

سنوات تقشف جديدة في تونس... كبح االستيراد وال توظيف

تواصل تونس سياسة التقشف، إذ أرسلت الحكومة توجيهات للوزارات تقضى بغلق باب التوظيف الحكومي وكبح االستيراد وترشيد دعم المواد األساسية، في استمرار للنهج المتبع منذ ست سنوات

- تونس ــ إيمان الحامدي

كـــــشـــ­ــفـــــت حــــــكــ­ــــومــــ­ــة تـــــــون­ـــــــس عـــن الخطوط العريضة ملـوازنـة العام الــــقـــ­ـادم، ضــمــن وثــيــقــ­ة توجيهية أرسـلـتـهـ­ا إلـــى الــــــوز­ارات تضمنت توصيات بـــشـــأن ضــبــط الــنــفــ­قــات لـــعـــام 2025 لخفض عـجـز املـــوازن­ـــة، والــحــد فــي الــوقــت نفسه من االسـتـدان­ـة والتعويل على املـــوارد الداخلية. وتـــنـــو­ي الــحــكــ­ومــة وفــــق الــوثــيـ­ـقــة مــواصــلـ­ـة التحكم في كتلة األجــور والتحكم في الدعم وتحديد نفقات االستثمار بناء على ضوء التنفيذ الفعلي لـلـمـشـار­يـع. ووفـــق الوثيقة الـتـي اطلعت عليها «الـعـربـي الـجـديـد»، فإن الحكومة تستهدف خفض عجز املوازنة إلى مـا دون %6.6 مـن الناتج املحلي اإلجمالي، والتي قدرتها الحكومة للعام الجاري. وبحسب النوايا املفصح عنها تتجه حكومة أحمد الحشاني إلى مواصلة ذات السياسات الـــتـــق­ـــشـــفــ­ـيـــة الــــتـــ­ـي اعـــتـــم­ـــدتـــهـ­ــا الـــحـــك­ـــومـــات السابقة، عبر مواصلة غلق بــاب التوظيف فـي القطاع الحكومي وكـبـح االسـتـيـر­اد إلى جانب ترشيد دعــم املـــواد األسـاسـيـ­ة. ومنذ أكثر من ست سنوات تعتمد تونس سياسات تقشفية في إطار خطة لإلصالح االقتصادي، غير أن البالد لم تتمكن من استعادة النمو االقتصادي وتحسني مؤشرات عجز املوازنة. وخــــالل عـــام 2023 لــم تــتــجــا­وز نـسـبـة النمو املعلنة %0.4 في العام بأكمله، كما صعدت الـــبـــط­ـــالـــة إلـــــى %16.4 خـــــالل الــــربــ­ــع األخـــيــ­ـر (أكتوبر/تشرين األول إلى نهاية ديسمبر/ كــانــون األول). ويــــرى أســتــاذ االقــتــص­ــاد في الــجــامـ­ـعــة الــتــونـ­ـســيــة رضــــا الــشــكــ­نــدالــي، أن وثيقة التوجيهات الحكومية تـكـرس رؤيـة الــســلــ­طــة عــلــى املـــــدى املـــتـــ­وســـط، مــشــيــر­ا إلــى أنــــهـــ­ـا ال تــبــتــع­ــد عـــمـــا يـــطـــال­ـــب بــــه صـــنـــدو­ق النقد الدولي. وقال الشكندالي، في تصريح لـ «العربي الجديد»، إن رؤية الحكومة ملوازنة 2025 لم تختلف عن رؤيتها ملوازنات األعوام الـسـابـقـ­ة، معتبرا أن االنـكـمـا­ش الـــذي ضرب االقــــتـ­ـــصــــاد الـــتـــو­نـــســـي كـــــان جــــــراء خـــيـــار­ات خاطئة توجهت نحو خيار تسديد الديون الخارجية على حساب تزويد السوق باملواد األساسية، خاصة املــواد األولـيـة الضرورية لعملية اإلنـــتــ­ـاج. ويـنـعـكـس الـتـقـشـف سلبًا عـلـى مـعـيـشـة الـتـونـسـ­يـني الـــذيـــ­ن يـضـطـرون يوميًا للبحث عن املـواد التموينية املفقودة من السوق، فضال عن نقص الــدواء وتراجع الخدمات العامة، وال سيما النقل والصحة والــتــعـ­ـلــيــم. وخـــــالل عــــام 2023 تـــراجـــ­ع عجز املــيــزا­ن الـتـجـاري للبالد بنسبة %32.4 إلى 17 مليار دينار 5.4( مليارات دوالر) مقارنة مـع 25.2 مليار ديـنـار 8.1( مـلـيـارات دوالر) في ،2022 وهو ما تعتبره السلطات نجاحًا ودافعًا إلى املزيد من خفض نفقات االستيراد خالل العام الجاري. لكن الخبير رضا الشكندالي قال إن ما تراه السلطات إنجازًا، لم يكن في الحقيقة كذلك، مــــؤكـــ­ـدا أن تـــحـــسـ­ــن عـــجـــز املــــيــ­ــزان الـــتـــج­ـــاري لــم يـكـن مــن خـــالل تـطــور فــي الـــصـــا­درات، بل بسبب تقشف عـلـى مـسـتـوى واردات املـــواد األولية ونصف املصنعة واملــواد األساسية،

لــم تــتــجــا­وز نـسـبـة النمو االقــتــص­ــادي خـــال الـعـام الـــمـــا­ضـــي ،%0.4 كـمـا صعدت نسبة البطالة إلى %16.4 خــال الـربـع األخير من العام (أكتوبر/تشرين األول إلـى نهاية ديسمبر/ كانون األول)، وفق البيانات الرسمية.

وهـــو مــا أضـــر بـاالقـتـص­ـاد الـوطـنـي وأحـــدث انكماشًا اقتصاديًا وفقدان املـواد األساسية مــــن الــــســـ­ـوق. وأشـــــــ­ار إلـــــى أن هـــبـــوط الـنـمـو االقــــتـ­ـــصــــاد­ي إلـــــى %0.4 مـــقـــاب­ـــل تـــقـــدي­ـــرات %1.8ـب أفقد ميزانية الدولة أكثر من ملياري ديـــــنــ­ـــار(346 مــلــيــو­ن دوالر) كــمــا لـــم يـسـاعـد املنحى التنازلي للتضخم على كبح األسعار التي واصلت ارتفاعها الجنوني، خاصة على مستوى املواد الغذائية الضرورية واألدوية، وفق قوله. وغالبا ما واجهت سلطات تونس انــتــقــ­ادات بسبب تنفيذ سـيـاسـات تقشفية ضــمــن خــطــة إصــــالح اقـــتـــص­ـــادي دون بـلـوغ األهــــــ­داف املــــرجـ­ـــوة، كــمــا لـــم تــتــوصــ­ل الــبــالد إلـى توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي يفضي إلـى حصولها على تمويالت بقيمة 1.9 مليار دوالر. ويـــرى الخبير االقــتــص­ــادي ووزيــــر الـتـجـارة األسبق محسن حسن، أن تواصل السياسات الـــتـــق­ـــشـــفــ­ـيـــة الــــتـــ­ـي اعـــتـــم­ـــدتـــهـ­ــا الـــحـــك­ـــومـــات املـتـعـاق­ـبـة بــغــايــ­ة الـتـحـكـم فـــي كـتـلـة األجــــور ثبت فشلها، في ظل مستويات ضعيفة من النمو وتــواصــل ارتــفــاع مستويات البطالة. وقــــال حــســن لـــ«الــعــربـ­ـي الــجــديـ­ـد» إن زيـــادة نـــســـب الـــنـــم­ـــو الــــعـــ­ـام واســــتــ­ــعــــادة األنـــشــ­ـطـــة االقتصادية املهمة وتحريك االستثمار، هي األدوات الـــوحـــ­يـــدة الــــقـــ­ـادرة عــلــى اسـتـيـعـا­ب كـتـلـة أجــــور عـالـيـة مــقــارنـ­ـة بـالـنـاتـ­ج املحلي اإلجمالي. وأكد املتحدث أن من أكبر املخاطر التي تهدد البالد هو تردي مناخ االستثمار وتـراجـع جاذبية تونس فـي مجال األعـمـال، مشيرا إلى أن تحريك النمو يحتاج إلى دفع جديد لكل القطاعات املهمة. وأكد أن استمرار االنــكــم­ــاش االقـــتــ­ـصـــادي ســيــكــو­ن لـــه تبعات اجتماعية كبيرة بسبب زيادة نسبة البطالة. واعتبر أن سياسة التقشف التي اعتمدتها الحكومات السابقة أثبتت فشلها ولم تمكن مـن زيـــادة النمو وال خلق الـوظـائـف. وشـدد على ضـرورة اعتماد الحكومة على سياسة مالية توسعية تقوم على اإلنفاق العمومي، من أجل إنعاش االقتصاد وخلق فرص عمل جديدة للحد من نسب البطالة والفقر. ويدعم الرئيس التونسي قيس سعيد فكرة الـتـعـويـ­ل عـلـى الـــــذات والـــحـــ­د مـــن االقـــتــ­ـراض الـــخـــا­رجـــي، كــمــا يـــرفـــض تـنـفـيـذ إصـــالحــ­ـات صــنــدوق الـنـقـد الــدولــي الـتـي تـمـس بالسلم املــجــتـ­ـمــعــي. وفــــي املـــقـــ­ابـــل، لـــجـــأت الـحـكـومـ­ة فـــي فــبــرايـ­ـر/شــبــاط املـــاضــ­ـي إلـــى االقـــتــ­ـراض املباشر من البنك املركزي التونسي وسحب 7 مليارات دينار 2.25( مليار دوالر) في شكل تمويل مباشر للخزينة.

 ?? (فرانس برس) ?? كبح االستيراد تسبب في نقص العديد من السلع األساسية باألسواق
(فرانس برس) كبح االستيراد تسبب في نقص العديد من السلع األساسية باألسواق

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar