«المركزي» يلوذ بالقضاء
تعدت الديون املستحقة للبنوك لـدى الجزائريني الخطوط الـحـمـراء، فـي وقــت تعيش فيه الـبـاد أزمـــة سيولة خلفتها األزمـــة االقـتـصـاديـة الناجمة عـن تـداعـيـات جائحة كـورونـا والــحــرب الــروســيــة فــي أوكــرانــيــا والــتــي ال تـــزال ارتــداداتــهــا حــاضــرة، مـا جعل الـبـنـوك تتحرك السـتـرجـاع مـا يمكن من أموال بقوة القانون. وذكر مصدر في البنك املركزي الجزائري لـ«العربي الجديد» أن ديـون البنوك غير املسترجعة بلغت حوالي 90 مليار دوالر، بما يمثل %21 من مجمل القروض املمنوحة فــي العشرين عـامـا األخـــيـــرة. وأكـــد املــصــدر الــذي فـضـل عــدم ذكــر اسـمـه أن «املــركــزي الـجـزائـري راســـل البنوك العمومية والخاصة ملباشرة عملية تحصيل الديون العالقة لـدى املدينني، سـواء كانوا أشخاصا طبيعيني أو معنويني (شـــركـــات)، وذلـــك بـاالسـتـعـانـة بـالـقـضـاء، بـعـدمـا استنفدت البنوك طرق التحصيل الودية التي لم تف بالغرض»، مضيفا أن «الــبــنــك املـــركـــزي أمـــر الــبــنــوك الـعـمـومـيـة أيــضــا بتحويل ملفات الـقـروض الكبيرة إلـى مصالحة ملتابعتها مركزيا». ويمنح الـقـانـون الــجــزائــري للبنوك هامشا مــن الـحـركـة في ما يتعلق بتحصيل الديون املترتبة على القروض، إذ جعل امللف خاضعا ملبدأ «التفاهم» الودي قبل أن ينتقل امللف إلى مرحلة «التحصيل عن طريق القضاء». وفي السياق يوضح املحامي املختص في املنازعات التجارية عبد الله حماني أنه «بعد استام الزبون (املقترض) رسالة التذكير بـوصـول موعد االستحقاق وعــدم تسديده القسط يــقــوم الــبــنــك أوال بـــإرســـال اإلخـــطـــار األول بــعــد يــــوم واحـــد يمهل املـديـن 15 يـومـا لـدفـع األقــســاط مـع دفــع غـرامـة مالية عن التأخير، وفي حالة عدم االستجابة يقوم البنك بإرسال إخطار ثـان، لينتقل امللف وفق القانون التجاري الجزائري إلى القضاء». ويشير حـمـانـي، فـي حـديـث مـع «الـعـربـي الـجـديـد»، إلــى أنه «في حالة عدم استجابة املدين لإلخطار الثاني يقوم البنك بتحرير محضر معاينة ليرى سبب عـدم دفـع القرض فإذا كــان السبب هـو التهرب العمدي يقوم البنك بتكوين ملف وتقديمه إلــى الـعـدالـة مـن أجــل التحصيل، وإذا كــان املدين مفلسا يتم الحجز على ممتلكاته، وكذلك الضمانات التي قدمها عن طلب القرض البنكي عن طريق استصدار أمر لدى رئيس املحكمة وتحمل املدين مصاريف الدعوة». ويضيف أنـه «يمكن للمدين املتابع قضائيا أن يطلب إعـــادة جدولة الـــديـــن، وإذا لــم يطلب يــقــوم الـبـنـك ببيع ممتلكات الــزبــون في املـزاد العلني وإذا لم تغط قيمة املمتلكات قيمة القرض يــصــدر الــقــاضــي أمــــرًا بـسـجـن املـــديـــن مـــع إرغـــامـــه عــلــى دفــع الـقـرض بــأي وسـيـلـة». إال أن املتابعني للشأن املصرفي في الـجـزائـر يــرون أن مسألة تحصيل الــديــون، خاصة الكبيرة منها، تبقى مرهونة بمتغيرات أخرى غير اإلطار القانوني. فحسب وزير الصناعة السابق والخبير االقتصادي فرحات أيــــت عــلــي فــــإن «تــحــصــيــل الــــديــــون الــبــنــكــيــة املــتــرتــبــة على القروض تبقى مرهونة بمدى وجود نية سياسية لفعل ذلك، حيث تكون النية السياسية املحرك لآللة القضائية، فكثيرًا مـــن الـــقـــروض الـضـخـمـة بـقـيـت غــيــر مـحـصـلـة، خــاصــة لــدى البنوك العمومية، وذلك ألن املقترض يكون من رجال األعمال النافدين أو املقربني مـن دائـــرة الحكم فـي الـبـاد، وإال كيف نفسر حجم القروض غير املحصلة الذي يستحيل أن يكون كله قروضا صغيرة». وأضاف أيت علي لـ«العربي الجديد» أن «القانون هو نفسه منذ سنوات، وملاذا لم يطبق إال اليوم، وهل سيطبق على جميع املقترضني الذين تهربوا من دفع الديون البنكية املستحقة في حقهم، أظن أن مصداقية البنك املركزي ومن ورائه البنوك العمومية خاصة والقضاء أيضا اليوم هي على املحك في هذا امللف». كـان البنك املركزي قد اضطر للتدخل في العديد من املـرات في السوق املصرفية في الباد، خال السنوات املاضية، بعد تفاقم األزمة املالية وما ترتب عليها من نقص في السيولة، التي تفاقمت مع الجائحة الصحية بني 2020 ،2022و إذ دفع نحو مراجعة سقف احتياطي املصارف العمومية والخاصة التي هوت من %12 نهاية 2019 إلى %1 نهاية ،2022 بهدف توفير السيولة املطلوبة لألسواق.