Al Araby Al Jadeed

جديد وثيقة المناطق الثالث في سورية

- راتب شعبو

صـدر في 8 الشهر املاضي (مــارس/ آذار) إعـــان مـشـتـرك بــن ثـــاث مـنـاطـق سـوريـة (درعــا البلد، القريا، ريف حلب الشمالي) تـحـت اســـم وثـيـقـة املــنــاط­ــق الـــثـــا­ث، وهـي مجموعة مبادئ يطمح املـبـادرو­ن إلـى أن تــكــون «مـــوضـــع تـــوافـــ­ق وتــرحــيـ­ـب شعبي عـلـى امــتــداد الـــبـــا­د». لـيـس لـكـل مــا يمكن أن يـقـال بـشـأن هــذه املــبــاد­رة أن يخفي أو يقلل قيمة مسعى أصـحـابـهـ­ا الجديرين بالتقدير الذي يستحقه كل من ينشغل في إيجاد مخرج الئق لشعبه وبلده املنكوبن. وينطبق القول نفسه على املنضمن تاليًا إلــــى املــــبــ­ــادرة الـــتـــي تـخـتـلـف عـــن عــشــرات ظـــهـــرت فـــي الـــســـن­ـــوات األخــــيـ­ـــرة فـــي أنــهــا األكثر تعبيرًا عن انقسام الواقع السوري. انــطــلــ­قــت املـــــبـ­ــــادرات الـــســـا­بـــقـــة دائــــمــ­ــًا مـن مركزية وطنية سـوريـة مفترضة تمثلها املبادرة نفسها، حتى لو نظرت إلى املناطق والجماعات السورية بوصفها كيانات قد تصل كيانيتها، في بعض املـبـادرا­ت، إلى حد اقتراح إدارات ذاتية. كانت كل مبادرة بمثابة مركز سـوري مفترض يسعى إلى إعادة ترتيب سورية، وإن يقترح بعضها قدرًا واسعًا من الامركزية. وقد انعكست هـــــذه االشـــتــ­ـمـــالـــ­يـــة الـــســـو­ريـــة فــــي تـسـمـيـة املـــبـــ­ادرات الـسـابـقـ­ة، فمن الــنــادر أن تبنت مـــبـــاد­رة تـسـمـيـة تخلو مــن كلمة ســوريــة، اسـمـًا أو صـفـة. على هـــذا، يمكن الـقـول إن وثــيــقــ­ة املــنــاط­ــق الـــثـــا­ث تــنــفــر­د بـاعـتـمـا­د مــنــظــو­ر آخـــر يـنـطـلـق مـــن مــســتــو­ى أدنـــى، هو مستوى الواقع السوري الفعلي، واقع تـــعـــدد الــســلــ­طــات وتــبــايـ­ـن شـــــروط الـعـمـل السياسي بن املناطق، فتنطلق لذلك من اقـتـراح العمل املشترك بـن ثــاث مناطق، ليس للمبادرين سلطة مهمة في أي منها، األمر الذي يجعل الوثيقة أقرب إلى وثيقة عهد. بسبب انكماش الدولة الرسمية في سـوريـة وفقدانها السيطرة الكاملة على املجال الجغرافي السوري، سنوات، صار ســكــان ســوريــة يعيشون أزمــنــة سياسية مختلفة بــاخــتــ­اف الـسـيـطـر­ة السياسية واألمــنــ­يــة فــي املــنــاط­ــق، ذلـــك أن االنـشـغـا­ل السياسي للسكان وشروط عملهم صارت مــخــتــل­ــفــة بـــاخـــت­ـــاف الــســلــ­طــة املــســيـ­ـطــرة فـــي مــنــاطــ­قــهــم، األمـــــر الـــــذي جــعــل الـعـمـل الــســيــ­اســي الـــســـو­ري فـــي الـــداخــ­ـل مشتتًا. املــــفــ­ــارقــــة الــــتـــ­ـي أنـــتـــج­ـــهـــا هـــــذا الـــــواق­ـــــع أن املهتمن من السورين في الخارج باتوا، بسبب «خارجيتهم» وتحررهم من انقسام الـــزمـــ­ن الــســيــ­اســي الــــســـ­ـوري، األقــــــ­در على تمثيل عمل ســوري موحد. هـذا ما يفسر أن مـعـظـم املــــبــ­ــادرات الـــتـــي نــتــكــل­ــم عليها تنشأ فــي الـــخـــا­رج وتـبـحـث عــن مـرتـكـزات داخلية لـهـا. االنـطـاق مـن «املـنـاطـق» هو الجديد الوحيد في الوثيقة التي يحسب لها الجرأة في النظر إلى الواقع السوري في عينيه. إنه واقع عميق التمزق كما لم يسبق له أن تمزق من قبل، ويفتقد إلى أي سلطة تعلو على هذا التمزق، وتمتلك من ثم فرصة توحيد ما تمزق. في املرحلة التي جرى فيها تقسيم سورية رســـمـــي­ـــًا، فـــي ظـــل االســـتــ­ـعـــمـــا­ر الــفــرنـ­ـســي، بـــدايـــ­ة عـشـريـنـي­ـات الـــقـــر­ن املـــاضــ­ـي، كـانـت ســـلـــطـ­ــة االســــتـ­ـــعــــمـ­ـــار نـــفـــسـ­ــهـــا تــســتــط­ــيــع توحيد سورية حن تشاء، كما استطاعت تقسيمها حـن شـــاءت، فقد كـانـت تمتلك الـــقـــو­ة فــــوق هــــذا الـتـقـسـي­ـم ومــــن خـــارجـــ­ه. الـيـوم، ال تمتلك أي من السلطات القائمة في سورية القوة السياسية وال األخاقية وال العسكرية الـتـي تسمح لـهـا بتوحيد ســـوريـــ­ة. املـــبـــ­ادرات الـتـي حــاولــت توحيد إرادة الــــســـ­ـوريــــن حـــــول مــــركـــ­ـز ســيــاســ­ي بـــمـــبـ­ــادئ ديـــمـــو­قـــراطـــ­يـــة أو إســـامـــ­يـــة أو بـيـنـهـمـ­ا، كـــانـــت تـفـتـقـد كــثــيــرًا إلــــى الــقــوة املادية. حتى لو آمن السوريون بما تقول هـــــذه املـــــبـ­ــــادرات وبـــأصـــ­حـــابـــه­ـــا، فـــهـــذا لـن يفيد في التغلب على عطالة الواقع الذي تحميه فوق ذلك سلطات محلية تحميها سلطات خارجية. لم تكن العلة في توفر املـــبـــ­ادئ وال فـــي صــيــاغــ­ة األوراق وال في وجود الشخصيات الوطنية املحترمة ذات اإلرادة، بل في غياب األداة وآليات العمل املــحــدد­ة. حتىّ الــدعــوة اإلسـامـيـ­ة األولــى لــم تـكـن لـتـتـمـكـ­ن وتـثـبـت فــي األرض لـوال توفرها على القوة املادية، وما كان لها أن تجمع القبائل العربية حول أفكار عاملية تعلو على االنقسامات القبلية، لوال ذلك. هـل تنجح الوثيقة املــذكــو­رة فـي تجميع

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar