توزيع أدوار في السياسة الخارجية الفرنسية
احــتــفــلــت وســــائــــل اإلعـــــــام اإلســـرائـــيـــلـــيـــة، الـــيـــمـــيـــنـــيـــة والـــيـــمـــيـــنـــيـــة املــــتــــطــــرفــــة، بــمــا ورد مـــــن فـــــي مـــطـــالـــعـــة رئــــيــــس الـــــــــوزراء الـــفـــرنـــســـي الــــشــــاب غـــابـــريـــيـــل عـــــتـــــال، فـي مــــعــــرض إجـــابـــتـــه عـــلـــى مـــجـــمـــوعـــة نــــواب حـــــــزب فــــرنــــســــا األبـــــيـــــة وبــــعــــض الــــنــــواب الـشـيـوعـيـن، الــذيــن طـلـبـوا مــن الحكومة، فــــي جــلــســة اســـتـــجـــواب عــــاديــــة، الـــتـــوقـــف فـــورًا عـن تصدير األسلحة إلــى إسرائيل. تقمص عـتـال دور املـدعـي الـعـام فـي قاعة مـــحـــكـــمـــة، ال دفــــــاع فــيــهــا وال شـــهـــود وال محلفن وال قـضـاة حـتـى. وبلهجة حــادة تـجـاوزت عمره القانوني، لتظهر وكأنها صـــــــراخ فــــي بـــاحـــة مــــدرســــة، اتـــهـــم الـــرجـــل مثيري املوضوع من ممثلي أحزاب اليسار «املتطرف»، بأنهم ممن يؤيدون «إرهاب» حـــركـــة حــــمــــاس. وبـــأنـــهـــم يـــتـــحـــدثـــون عـن الجيش اإلسرائيلي بسلبية عالية الجرعة وكأنه «هو من قام بهجوم 7 أكتوبر»، وذلك حسب تعبير السياسي الشاب القادم من صفوف الحزب االشتراكي قبل أن ينخرط فـــي املــجــمــوعــة الــرئــاســيــة املـنـتـخـبـة سنة 2017 مــــع الـــرئـــيـــس ايـــمـــانـــويـــل مــــاكــــرون. وقــــــد اســــتــــفــــاض وكــــأنــــه كــــــان مـسـتـمـتـعـًا بهذا الـــدور، حيث قـال إن «مـا يحصل من أحداث مؤسفة في غزة )...( جاء إثر حادثة إرهابية قميئة وهمجية ارتكبتها حماس عــلــى األراضــــــي اإلســرائــيــلــيــة، وهــــو األمـــر
ّّ الذي يتجاهله نواب حزب فرنسا األبية». ولقد عبر، مستمرًا في الصراخ، عن أسفه لتكرار مـوقـف هــذا الـحـزب الـــذي دائـمـًا ما «يـتـجـاهـل طبيعة الــحــدث ووجــــود ثاثة مـــن الـــرهـــائـــن الــفــرنــســيــن بــيــد حـــمـــاس». ولكي يظهر مدى امتعاضه من موقف هذا الـحـزب، املؤيد وقـف إطــاق نــار فوريًا في غـــزة، واملـطـالـب بمحاسبة املـسـؤولـن عن جـرائـم الـحـرب والـجـرائـم ضـد اإلنسانية، من أي جهة أتــت، فقد أشــار بسخرية إلى أن في توجيههم اللوم دائمًا إلى إسرائيل، وكأن قيادتها السياسية والعسكرية «قد استيقظت صباحًا وقـــررت غــزو القطاع» من دون سبب، مجانبة لحقيقة ما حصل. وبالطبع، لـم يـتـطـرق غابرييل عــتــال، في مــرافــعــتــه الــســمــيــدعــيــة هـــــذه، بــكــلــمــة إلــى عشرات اآلالف من الضحايا الفلسطينين والــــــدمــــــار املـــمـــنـــهـــج الـــشـــامـــل الـــــواقـــــع فـي الـــقـــطـــاع، فـــهـــذا يـــبـــدو لــــه، وإن لـــم يــصــرح بــذلــك جـــهـــارًا، ال يــعــدو أن يــكــون تفصيا وحـــــادثـــــًا مـــؤســـفـــًا ال يـــســـتـــحـــق الـــتـــوقـــف عنده خال دفاعه عن العملية العسكرية اإلسـرائـيـلـيـة ضــد قــطــاع غــــزة. وذلـــك على الرغم من أن السياسة الخارجية الفرنسية قد وضعت بعضًا من املـاء، ولو عكرًا، في نبيذ تأييدها املطلق إلسرائيل، والذي برز فــي بــدايــة الــحــرب اإلسـرائـيـلـيـة على غــزة. وفيما تبقى لـه مـن وقــت محدد لإلجابة، انــتــقــل رئــيــس الــحــكــومــة لــيــقــول إن وزيـــر الدفاع سيباستيان ليكورنو يكرر، ومنذ أشهر، أن الصادرات العسكرية الفرنسية إلى جيش «الدفاع» اإلسرائيلي محدودة لـــلـــغـــايـــة ولـــــم تـــتـــجـــاوز مــبــلــغ 15 مــلــيــون يـورو سنة 2022 (ونحن في سنة ،)2024 مضيفًا أنـهـا مـحـصـورة بمكونات تدخل فـــي تـجـهـيـز أســلــحــة دفــاعــيــة إسـرائـيـلـيـة، كالقبة الحديدية، والغاية منها «حماية األراضـــــي اإلســرائــيــلــيــة مـــن االعــــتــــداءات». يبدو واضحًا، إذًا، أن السياسة الفرنسية تـتـقـاسـم األدوار، فـفـي حــن يــوقــع رئيس الـــجـــمـــهـــوريـــة مـــــاكـــــرون مــــقــــاال صــحــافــيــًا إلـــى جـانـب الـرئـيـس املــصــري عـبـد الفتاح الـــســـيـــســـي والــــعــــاهــــل األردنـــــــــي عـــبـــد الــلــه الـــثـــانـــي، نـــشـــرتـــه صــحــيــفــة لـــومـــونـــد قـبـل أيـــام، فيه دعــوة واضـحـة إلـى وقـف إطـاق النار، يتحدث وزير خارجيته عن إمكانية إيـــقـــاع عـــقـــوبـــات عــلــى إســـرائـــيـــل فـــي حــال استمرت االنتهاكات الواقعة على العمال اإلنـــســـانـــيـــن مــــن األجـــــانـــــب، وصـــــــوال إلـــى رئـيـس الـــــوزراء الـــذي يـركـض ذات اليمن
اتهم رئيس الوزراء الفرنسي ممثلين عن أحزاب اليسار «المتطّرف» بأنهم ممن يؤيدون «إرهاب حماس»
وذات اليسار ليعبر عن دعمه ما تقوم به
ُُ تل أبيب «بغموض بـنـاء»، ربما يساعده الحـــقـــًا فــــي الـــتـــمـــلـــص مـــنـــه، فـــهـــو يـــســـارع التــخــاذ مـوقـف حـاسـم مـمـا يعتبره عما «مـعـاديـًا للسامية» إثــر خــاف فــي معهد عــال بن الطلبة املؤيدين لحقوق الشعب الفلسطيني والطلبة املؤيدين العتداءات قـــوات االحــتــال اإلسـرائـيـلـي، وذلـــك طبعًا من دون أن يستطلع التفاصيل. غابرييل عـــتـــال، وبــعــد أن كــــان نــاطــقــًا حـكـومـيـًا ثم صـــار وزيــــرًا للتربية وصــــوال إلـــى موقعه الحالي في رئاسة الحكومة، تبنى دائمًا مواجهة الحديث عـن الـديـن الـعـام الهائل أو عن انهيار القطاع الصحي أو عن فقر قــطــاع الـتـربـيـة والـتـعـلـيـم، بـالـتـركـيـز على عــبــاءة الـتـلـمـيـذات أو حـجـابـهـن، مـفـضـا تــمــيــيــع املــــوضــــوع فــــي حــــديــــث مــبــهــم عـن علمانية تكاد تصبح دينًا له متشددوه، مـا يـــؤدي إلــى إطـاحـة مبادئها الحقيقية عرض الحائط. واليوم، تضاف إلى جعبته ذخيرة فعالة، تهمة «معاداة السامية».