هذا المشهد في اإلقليم

أصبح كل شـيء في غـزة خـارج الخدمة، تحولت مستشفيات عديدة إلـى خـراب. وتـحـت ركـــام مــن الـحـجـارة دفـــن تحته مـئـات مــن الـجـرحـى واملــرضــى، لــم يتوقف الصهاينة عن اقتراف عدوانهم الوحشي. صام الغزويون في رمضان على الفتات. تواصل صيام كثيرين منهم أياما من دون أن يدخل بطونهم شيء باستثناء املاء والتراب املتعفن وأوراق الشجر. هل يصح وصف الذين ارتكبوا كل هذه الجرائم بالجيش؟ لم يتركوا منزال وال مدرسة وال مسجدًا وال كنيسة وال كشكًا إال وأصابوه بدبابتهم وطائرتهم التي تسلموها من أميركا. هل هذه أخالق الجيوش؟ وهل ما فعلوه باألطفال والنساء والـشـيـوخ مـن قـواعـد الـحـرب؟ لهذا قـــرروا اسـتـهـداف الصحافيني. ال يوجد في العالم عسكريون أو خبراء في القانون والعلوم السياسية يعتبرون هذا السلوك مشروعا. يجمع الكل على أن ما حدث ويحدث شغل عصابات املافيا التي من عـادات زعمائهم «من يتحداني أقتل أبناءه وأحفاده حتى يستسلم وأتمكن من قتله». هذا ما حصل لعائلة الزعيم الصابر إسماعيل هنية، الذي لن يستسلم. رغم الدعم األميركي املستمر وبعض املساندين للبيت األبيض، فإن العنجهية اإلسرائيلية إنتاج ردود فعل عكسية، فكلما طالت الحرب واتسعت دائرة االنتقام الوحشي وتجلى الـدمـار فـي أبشع صـــوره، كانت النتيجة مناقضة ملـا يتوقعه مرتكبوها. هناك وعــي جديد يتسع تدريجيًا فـي العالم بــأن الصهيونية أشـد خطرًا وهمجية من النازية. الصهيونية تعني، بكل وضوح، تهديدًا للقيم اإلنسانية بمجملها. وهذا ما جعل السيناتور األميركي السابق بيرني ساندرز، وهو ذو توجه تقدمي، يعلن بكل شجاعة «كل الشياطني صهاينة». ولخص املمثل األعلى للسياسة الخارجية لالتحاد األوروبــي، جوزيف بوريل، املأساة في قوله «كانت غـزة قبل الحرب أكبر سجن مفتوح، واليوم باتت أكبر مقبرة في الهواء الطلق، ومقبرة ألهم مبادئ القانون اإلنساني». تتواتر االجراءات العقابية ضد إسرائيل من أصدقاء األمس. تتجه إسبانيا نحو االعتراف بالدولة الفلسطينية، وترى هذا ضمن املصلحة االستراتيجية ألوروبا، فرئيس وزرائها بيدرو سانشيز يقدر أن أوروبا أصبحت مهيأة لالعتراف بدولة فلسطني التي يرفض نتنياهو حتى مجرد ذكر اسمها. وتركيا بعد تردد طويل تعلن «قرارها تقييد صادرات إلى إسرائيل يشمل 54 منتجا، منها اإلسمنت وحديد اإلنشاءات والفوالذ املسطح والرخام والسيراميك». ومن شأن هذا أن يؤدي إلى «زيادة في األسعار، ما سيؤثر بشكل فوري على تكلفة املعيشة ونشاط االقتصاد اإلسرائيلي بأكمله»، حسب رئيس قطاع األعـمـال في إسرائيل دوبــي أميتايو. هـذا في وقـت تستأنف فيه لألسف املباحثات بني اسرئيل وأندونيسيا من أجل تطبيع قريب رغم الحرب الظاملة ضد غزة!. وتدرس عدة دول احتمال اتخاذ قرار بوقف بيع األسلحة إلى إسرائيل مثل كندا وحتى بريطانيا. أصبح دخول إيران في الحرب وشيكا. ويندرج في حقها في الدفاع الشرعي بعد استهداف مقر دبلوماسي لها في دمشق. وبالتالي، منطقة الشرق األوسط مهددة بحرب واسعة، بعد أن أكدت واشنطن أنها ستدافع عما تسميه أمن إسرائيل. وهذا يعني أن تل أبيب تشكل حاليًا تهديدًا مباشرًا وعاجال لألمن الدولي. وستشهد األيام املقبلة تحوالت كبرى ملسار الحرب املرشحة لتصبح حربًا إقليمية، وليست فقط عدوانًا على مدينة غــزة، فالهجوم اإليراني لن يكون نزهة عابرة، وسيكون الرد اإلسرائيلي األميركي قويا، لكنه لن يضعف إيران التي استعدت ملثل هذا اليوم منذ مدة طويلة. وحزب الله سيكثف من هجماته، وربما تقرر الحكومة الصهيونية اكتساح لبنان. فهل ستتمكن اسرائيل من مواجهة الجميع كما يدعي نتنياهو، فاملنطقة مرشحة لدخول مرحلة جديدة.