Al Araby Al Jadeed

حرٌب فاترٌة تهّدد العالم

- فاطمة ياسين

يثير تشكيل تحالف حقيقي يضم روسيا والصني قلقًا في أروقــة السياسة فـي الــواليــ­ات املـتـحـدة، حيث يعيد إلــى األذهـــان الفترة الشيوعية، عندما كانت للصني واالتحاد السوفييتي عقائد تشكل أرضية جيدة لتقارب استراتيجي في مواجهة «اإلمبريالي­ة»، لكن األفكار الشيوعية التي كانت الصني واالتحاد السوفييتي يتبنيانها وتضعهما في عداء دائم مع الواليات املتحدة، بما تمثله من أفكار رأسمالية، لم يجعل التحالف الصيني والسوفييتي بتلك القوة، بسبب أولــويــا­ت تخص الـبـلـديـ­ن، واعــتــبـ­ـارات أيـديـولـو­جـيـة مبنية على فهم كــل منهما املاركسية وتطبيقها. وبعد الـحـرب الــبــارد­ة، نبذت روسـيـا األفـكـار الشيوعية، وارتضت نظاما سياسيا أقرب إلى نظم العالم الثالث التي تعتمد على شخص ذي كاريزما وجنوح قومي وقوة بوليسية وعسكرية كبيرة ليحكم أطول فترة ممكنة، مع ترك قضايا التنمية في مستويات دنيا. أما الصني فقد أجرت تطويرًا على سياساتها، واعتمدت نوعا من القرارات البديلة التي ال تجد غضاضة في تبني أساليب رأسمالية تطلق الحرية القتصادها، مع التمسك بنظام سياسي، اقترحه الـنـمـوذج الشيوعي، يعتمد على الـحـزب الـقـوي ذي العقائد املتصلبة. تغير حال البلدين في االقتصاد والسياسة، ولكنهما ما زاال يجدان في الواليات املتحدة ندًا عنيدًا، وما زالت الواليات املتحدة تقلق من تقارب وثيق قد يربطهما. شـهـدت فـتـرة الـرئـيـس األمــيــر­كــي تــرامــب أدنـــى مـسـتـوى لـلـعـالقـ­ات مــع الـصـني، وانفراجة ضئيلة مع روسيا٬ وقد تكون عالقاته امللتبسة مع بوتني قد منعت تقاربًا يصل إلى حد التحالف القوي بني روسيا والصني. وبانتهاء عهد ترامب، لم يطور بايدن صالته مع الصني، ولكن تدهورًا كبيرًا جـرى في العالقات مع روسيا، وصل إلى أعلى مستوى بعد الغزو الروسي أوكرانيا. وكان بايدن قد عكف، منذ لحظته األولى في البيت األبيض، على عقد تحالف غربي في مواجهة الصني وروســيــا، وجــرى تطويره الحـقـا. وقــد شكل الـغـزو الـروسـي ألوكرانيا مناسبة جيدة لتظهر الصني بعض الدعم لبوتني. وساهمت العقوبات املتزايدة التي فرضها الحلف على روسيا في مزيد من اقترابها العسكري والدبلوماس­ي والسياسي مـع الـصـني، وقـد ســارت إيـــران أيضا خـطـواٍت للتقّرب مـن البلدين. ويمكن أن تلعب هذه الكتلة دورًا يعيد إنتاج حالة االستقطاب الكبرى. تمضي أشـهـر مـن الـتـرقـب الــدولــي انـتـظـارا ملـا قـد يـقـوم بـه كـل طـــرف، مـع مـا يـجـره هذا الترقب من ركود واستقطاب وطوفان في الحالة العسكرية الدولية. كان االتحاد السوفييتي في موقع القيادة سابقا، وكانت الصني تقف على درجة واحدة خلفه. تغير هذا الترتيب حاليا، فمن شأن أي تحالف لها مع روسيا أن يضع الصني في موقع القيادة بالضرورة، فهي البلد ذو النمو االقتصادي األكبر، وصاحب النظام السياسي األكثر استقرارًا، رغم األساليب ذاتها التي تعتمد القمع والقفز فوق حقوق اإلنسان وإلغاء الحريات. وجــود شكل مـن أشـكـال التكامل االقـتـصـا­دي الــذي يحتاجه البلدان يمكن أن يكرس الرغبة في التحالف، باعتبار الصني بلدا مستهلكا للطاقة، يستورد معظم ما يحتاجه من النفط والغاز من الخارج، فيما تعد روسيا بلدا منتجا للطاقة، وأجبرتها العقوبات املفروضة عليها من الغرب على البحث عن أسـواق بديلة٬ فبرزت الصني خيارًا مثاليًا. وإذا أخذنا في االعتبار املناورات العسكرية املشتركة بني روسيا والصني في العامني املاضيني، يمكننا النظر إلى املشهد الكلي أنه يشكل نـواة قوية للحلف الـذي تجد فيه الواليات املتحدة خطرًا عليها، علما أن أميركا لعبت، وال تزال، دورًا غير مباشر في نشوء هذا الحلف، فسنوات القطيعة والعداء بني ترامب والصني، واستمرار حالة شبيهة في فترة بايدن، وتمترس أعـضـاء الحلف األطلسي فـي وجــه روســيــا، وسياسة الحماية الجمركية التي تتبناها الواليات املتحدة ضد املنتجات الصينية، وإجراءات سياسية واقتصادية ودبلوماسية أخـرى، يمكن تـؤدي جميعا إلى تعزيز هذا الحلف بشكل واقعي، يتجاوز حالة الحرب الباردة إلى حرب فاترة يمكن أن تضر بجميع األطراف.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar