نتنياهو كالمستجير من الرمضاء بالنار
لـــم يــعــد خــافــيــا عــلــى أحــــد أن رئــيــس حكومة االحتالل، نتنياهو، يحاول إطالة أمد العدوان الـــــجـــــاري عـــلـــى قــــطــــاع غــــــــزة، بــــل يـــســـعـــى إلـــى توسيعه، ليتحول إلى حرب إقليمية شاملة إن استطاع. ويمثل هذا املوقف خالصة لعاملني يتحكمان فــي سـلـوك الـحـكـومـة اإلسرائيلية املــتــطــرفــة. يــخــص األول نـتـنـيـاهـو شخصيا، وربــمــا وزيـــر خارجيته كـذلـك وقــــادة الجيش الـذي أهني يوم 7 أكتوبر. ويـدرك نتنياهو أن آخــر يــوم فـي الــعــدوان على غـــزة سيكون أول يـوم لنهايته السياسية، إذ سيواجه عندها، هـــو وقـــــادة الــجــيــش ووزيـــــر جــيــش االحـــتـــالل غاالنت، حسابا عسيرًا على أمرين. أوال، الفشل املاحق في 7 أكتوبر، وثانيا، فشل الحرب التي شنوها على القطاع في تحقيق أهدافها، إذ لـم يستطيعوا، كما وعــــدوا، اقـتـالع املقاومة، وال اســتــرداد األســـرى بالقوة، وال استطاعوا فرض سيطرة عسكرية على القطاع، وفشلوا بسبب صمود أهل غزة وبسالتهم، في تنفيذ الهدف الرئيسي لهجومهم بتنفيذ التطهير الــعــرقــي والـتـهـجـيـر لـسـكـان قــطــاع غـــــزة. غير أن نتنياهو يـواجـه كذلك أربــع قضايا فساد يــمــكــن لــكــل واحــــــــدة مــنــهــا أن تـــذهـــب بـــه إلــى غــيــاهــب الـــســـجـــون. الـــعـــامـــل الـــثـــانـــي، يــحــّركــه اليمني العنصري الـفـاشـي بـقـيـادة الـوزيـريـن سموتريتش وبن غفير الذي يسعى إلى إبادة جماعية شاملة، ليس لسكان قطاع غزة فقط، بل للشعب الفلسطيني عموما. ولذلك يواصل
نتنياهو مـحـاوالت تعطيل أي صفقة تبادل لـــأســـرى مـــع الــجــانــب الـفـلـسـطـيـنـي، يـرافـقـهـا وقـف إطــالق نـار شامل. وقـد تعمد، باعتراف أعضاء وفـده التفاوضي، تعطيل املفاوضات مـــــّرة بـتـقـلـيـص صــالحــيــات الـــوفـــد املـــفـــاوض، ومـــّرة بتغيير التعليمات لـهـم، ومـــّرة برفض العروض املقدمة. وقد سبب سلوك نتنياهو كثيرًا من الحرج للحكومات الغربية الداعمة له باملال والسالح والدعم السياسي، خصوصا للرئيس األميركي بايدن الذي انحطت سمعة إدارتـــــــه إلــــى الــحــضــيــض، وصـــــار عــلــى حــافــة فــقــدان االنــتــخــابــات الـرئـاسـيـة املقبلة بسبب دعمه ومشاركته فـي الـحـرب العدوانية على قطاع غــزة، وبعد أن صـارت حكومات عديدة تــخــشــى الـــتـــعـــرض لـلـمـحـاسـبـة عــلــى جـريـمـة اإلبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل. وبـعـد أن مـــررت الــواليــات املـتـحـدة قـــرار وقف إطالق النار في مجلس األمن، مع أنها حاولت تخفيف أثـره بالتضليل بشأن إلزاميته، لجأ نتنياهو إلـى إرتكاب ثـالث عمليات استفزاز خـــطـــيـــرة، امــــــال أن تـــجـــر إلــــى انـــفـــجـــار شــامــل، أولها اغتيال فريق املساعدات التابع للمطبخ الـدولـي املــركــزي، وأتبعها بقصف القنصلية االيرانية في دمشق، ثم جريمة اغتيال وحشية لــثــالثــة مـــن أبـــنـــاء رئـــيـــس املــكــتــب الــســيــاســي لحركة حماس إسماعيل هنية مع أربعة من أطفالهم، وواصـل، في الوقت نفسه، عمليات القصف الهمجي لقطاع غزة، وهجمات جيش االحتالل واملستوطنني في الضفة الغربية. ال يفكر نتنياهو إال في إنقاذ نفسه ومكانته السياسية، وهو ال يعبأ حتى بحياة األسرى اإلسرائيليني الذين ال يهمه أن يموتوا جميعا بالقصف اإلسرائيلي، ولكنه يبدو كاملستجير من الرمضاء بالنار، فكلما طال أمد العدوان، تـــعـــاظـــم تـــأثـــيـــر خــمــســة عــــوامــــل ال يـسـتـطـيـع الـــــهـــــروب مـــنـــهـــا. أوال، الـــخـــســـائـــر الـــبـــشـــريـــة اإلسرائيلية، التي تجاوز حجمها ما خسرته إسرائيل في عدوانها عام 1967 وهزمت خالله ثالثة جيوش عربية. ثانيا، الصمود البطولي للشعب الفلسطيني في قطاع غزة واالستعداد األســـطـــوري للتضحية والـــثـــبـــات، كــمــا رأيــنــا في موقف القائد إسماعيل هنية عندما علم باستشهاد أبنائه وأحـفـاده. ثالثا، الخسائر الضخمة التي يعانيها االقتصاد اإلسرائيلي، مــا أدى إلـــى تخفيض التصنيف االئـتـمـانـي إلســـرائـــيـــل وبـــنـــوكـــهـــا، بـــمـــا فــــي ذلـــــك انــهــيــار قــطــاعــي الــســيــاحــة والــــزراعــــة وتـــدهـــور قـطـاع تكنولوجيا املعلومات الـذي يصدر %50 من الصادرات اإلسرائيلية، وانخفاض الصادرات العسكرية اإلسرائيلية بنسبة تصل إلى ،%25 بـاإلضـافـة إلــى هـــروب اسـتـثـمـارات كثيرة من إسـرائـيـل وقــــرارات صناديق استثمار عاملية كــــبــــرى، كـــصـــنـــدوقـــي االســـتـــثـــمـــار الــنــرويــجــي واأليـــرلـــنـــدي، سـحـب اسـتـثـمـاراتـهـا مــن بنوك وشــركــات إسرائيلية كـثـيـرة. رابــعــا، التدهور الــحــاد فــي سمعة إســرائــيــل وتـعـاظـم عزلتها الــــدولــــيــــة إلـــــى حــــد أصــــــاب بــــايــــدن وكــثــيــريــن مــن الـــقـــادة الـغـربـيـني بـالـرعـب والـــخـــوف على مستقبل ربيبتهم وحليفتهم االستراتيجية. خــامــســا، تـعـاظـم مــظــاهــرات االحــتــجــاج الـتـي تــنــظــمــهــا عــــائــــالت األســــــــرى اإلســـرائـــيـــلـــيـــني، والتي اندمجت مع املظاهرات املطالبة بإقالة نتنياهو وإسقاط حكومته وإجراء إنتخابات جديدة. ويترافق ذلك كله مع اتساع مظاهرات االحتجاج الشعبية وحركاتها في دول غربية عــديــدة إلــى درجــــة أجــبــرت بعض حكوماتها عــلــى تــغــيــيــر مــواقــفــهــا إلــــى حـــد مــنــع تــوريــد األسلحة إلى إسرائيل، كما فعلت كندا. دفـــع الـشـعـب الفلسطيني ثـمـنـا بـاهـظـا لهذا الــعــدوان، وضريبة ال مثيل لها للصمود في وجهه، بما في ذلك ما ال يقل عن أربعني ألف شهيد، منهم 16 ألف طفل وأكثر من عشرة آالف امرأة. وما يزيد على 76 ألف جريح، يتعرض جـــزء كبير منهم لالستشهاد بسبب تدمير إسرائيل املستشفيات واملرافق الطبية. ولكن املحصلة العامة تفيد بــأن حكومة نتنياهو الـــفـــاشـــيـــة تـــســـيـــر نـــحـــو مـــصـــيـــرهـــا الــحــتــمــي بـالـفـشـل، مهما حــاولــت إطــالــة عـمـر عـدوانـهـا ومهما تمادت في جرائمها. ولن يقتصر األمر على مصير نتنياهو وحكومته، بل سيتعداه إلى مصير إسرائيل نفسها نتيجة االنعطاف الفاشي ملعظم مكونات املجتمع اإلسرائيلي، وإلى مستقبل كل ما يسمى املجتمع الدولي، والقانون الدولي، ومواثيق حقوق االنسان. غــــزة بـقـعـة صــغــيــرة فـــي عــالــم واســــع وكـبـيـر، ولكن فعلها هز أركان العالم بأسره من شماله إلـــى جـنـوبـه ومـــن شـرقـه إلـــى غــربــه. والــســؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي ستفعله الشعوب الغاضبة على سلوك حكوماتها، خصوصا منها الـتـي تنكرت آلالم الشعب الفلسطيني ومـــعـــانـــاتـــه؟ ومـــــا الــــــذي ســتــفــعــلــه املــنــظــومــة الــــدولــــيــــة بـــعـــد انـــكـــشـــاف املـــســـتـــوى الــخــطــيــر الزدواجــيــة املعايير ودرجـــة التنكر للمبادئ والقيم األخالقية وحقوق االنسان التي طاملا تشدقت بها تلك املنظومة؟ لم تعد قضية فلسطني مسألة تخص الشعب الفلسطيني وحـــده، والـتـي وصفها نيلسون مـــانـــديـــال بـــأنـــهـــا قــضــيــة الــضــمــيــر اإلنـــســـانـــي األولــــى فــي عــصــرنــا، بــل صــــارت، بـعـد جـرائـم الـــحـــرب الـــدمـــويـــة فـــي غــــــزة، االخـــتـــبـــار األكــبــر لإلنسانية جمعاء.
تسير حكومة نتنياهو الفاشية نحو مصيرها الحتمي بالفشل، مهما حاولت إطالة عمر عدوانها ومهما تمادت في جرائمها