عن الموقف العربي من إيران
هــنــاك انــقــســام فـــي الـــشـــارع الــعــربــي والــقــوى الـسـيـاسـيـة حــيــال املـــوقـــف مـــن إيـــــران، بعضه حـــــاد ومـــتـــطـــرف إلــــى درجـــــة رؤيــتــهــا تـهـديـدًا أكــبــر وأخــطــر مــن إســرائــيــل، ويــعــود هـــذا، في جــزء منه، إلــى دور إيـــران فـي الـعـراق تحديدًا وفي سورية، ومناورتها السياسية بني دعم املــقــاومــة وتـثـبـيـت مـصـالـحـهـا ومــــد نـفـوذهـا في العالم العربي، ما أثر على املوقف من أي تصعيد عسكري بني إسرائيل وإيران.
ٍّ الـــتـــخـــوفـــات واملــــحــــاذيــــر مــــن مـــصـــالـــح إيـــــران مـفـهـومـة بـــدرجـــات مـخـتـلـفـة، لـكـن اإلشـكـالـيـة األســـــاس تـظـهـر فـــي االنــســيــاق مـــع الـسـيـاسـة األميركية في اعتبار إيـران الخطر الوجودي األكـــبـــر، وبــالــتــالــي، الــدفــع بـاعـتـبـار إسـرائـيـل حليفا «طبيعيا» للعالم العربي لوال «عقبة» القضية الفلسطينية، أي أن «القضية» مجرد عـــامـــل مــصــطــنــع يـمـكـن إزالـــتـــه أو عــلــى األقـــل تحييده خدمة ملصالح أميركا االستراتيجية. ويـــقـــع ســيــاســيــون (وبـــعـــض الــــــدول) فـــي هــذا املطب، ألن هـذه املقوالت تناسب مصالحهم، لكن كثيرين أيضا يـنـقـادون إليها خوفا من «مـــــد شــيــعــي» أو العـــتـــقـــاد يـــجـــري تـرسـيـخـه مفاده أن إيران بلد عدو عبر التاريخ. السياسة األميركية واضحة، مصلحتها في البقاء القوة العظمى الوحيدة، والهيمنة على اإلقليم تقتضي إنـهـاء القضية الفلسطينية وتـجـاوز حقوق الشعب الفلسطيني تمهيدًا
إلقامة حلف عربي إسرائيلي أمني عسكري تــقــوده أمــيــركــا. وقـــد اتــخــذت خــطــوات عملية أهمها ضـم إسرائيل تحت القيادة الوسطى لـلـجـيـش األمـــيـــركـــي، أي فـــي اإلقـــلـــيـــم، بــعــد أن كـــانـــت الـــدولـــة الــصــهــيــونــيــة مــنــضــويــة تحت عباء ة قيادة الجيش األميركي في أوروبا. وما الدفع إلى تطبيع تحالفي كامل، واالستعجال فـــي تـطـبـيـع ســـعـــودي إســرائــيــلــي، إال مسعى إلـــى اسـتـكـمـال املــخــطــط األمـــيـــركـــي. ويتطلب هـذا تصوير إيــران أنها التهديد األكبر الذي يــســتــوجــب تــشــكــل هــــذا الــحــلــف اإلســرائــيــلــي العربي. عليه؛ يجب أن نحافظ على البوصلة األســــــاس؛ فـــي اعــتــبــار املـــشـــروع الـصـهـيـونـي اإلحـــاللـــي هــو الـخـطـر الـــوجـــودي األكــبــر على العالم العربي؛ الذي لفلسطني امتداد تاريخي وجــــغــــرافــــي مـــعـــه، فـــنـــزع االلـــــتـــــزام بـالـقـضـيـة الـفـلـسـطـيـنـيـة مـــن الـــوعـــي الــجــمــعــي الــعــربــي شرط ضروري لتحقيق أهداف أميركا املعلنة، ألنـهـا ليست ســريــة، وال مخفية. لـكـن هـــذا ال يعني توظيف التبرير لقمع أي نظام شعبه، ويــجــب إدانــــة أنـظـمـة عـربـيـة حليفة ألمـيـركـا تستخدم الخوف من إيران ونفوذها للتنكيل بــمــعــارضــيــهــا. ال يــمــكــن إنـــكـــار أن لــلــمــواقــف املــــعــــاديــــة أو املـــــعـــــارضـــــة إليـــــــــران مــعــطــيــات ومسببات، فهي، بصفتها قوة إقليمية، تضع مصالحها أوال، ولذا نراها تناور بني دعمها املقاومة وتفاهمات مع أميركا تتعارض مع مصلحة الشعوب العربية واملنطقة بأسرها. مثاال، موقف إيران السياسي والعملي عشية الـحـربـني األميركيتني على الــعــراق فـي 1991 ،2003و ففي األولــى احتجزت الطائرات التي أودعها العراق لديها قبل الحرب، وفي الثانية لــم تـــعـــارض، بــل كـــان هــنــاك تـفـاهـم عـلـى عـدم التدخل، وحتى التواطؤ، بحجة االنتقام من شن العراق الحرب ضدها عام .1981 يجب اإلقرار بأن الحرب بدأت بإعالن الرئيس الـعـراقـي الـراحـل صـــدام حسني، بتشجيع من دول خليجية، إلغاء اتفاقية الجزائر مع إيران، لكن األخيرة استمرت، عندما انسحب الجيش العراقي من أراضيها، بعد «اكتشافه خديعة هـــذه الــــــدول»، بـهـجـومـهـا ومــعــاداتــهــا بــغــداد، فاملصالح واالنتقام كانا يحركان سياساتها، لكن هذا ال يعني أن قرار الحرب كان صائبا، فواشنطن، كما اتـضـح للجميع، كـانـت تريد إضعاف البلدين، والـعـراق بخاصة، بوصفه قوة رادعة إلسرائيل في املنطقة. يعني ما سبق أن العالقة بـني العالم العربي وإيـــران كانت، مــنــذ عـــقـــود، ومــــا زالـــــت، مـسـكـونـة بــمــخــاوف، بعضها حقيقية، من إيران، وبخاصة نفوذها بـــني الـشـيـعـة فـــي دول الـخـلـيـج الــعــربــي، لكن ردود فعل تلك الــدول كانت منقادة لأجندة األميركية. لذا تضايقت واشنطن حني نجحت الـصـني بـإطـالق حـــوار سـعـودي - إيــرانــي، في الـوقـت نفسه، دعمت إيـــران، وإن بما يناسب مصلحتها، الـقـضـيـة الفلسطينية، الــتــي لم تجد من يدعمها، وإن كان هناك خيط رفيع، لكنه فـاصـل أحـيـانـا، بـني دعــم إيـــران املقاومة وتغليب املقاومة ملصالحها، كما أن تقاعس النظام العربي الرسمي يضطر املقاومة إلى الـلـجـوء الــى طـهـران للدعم بعد تخلي الــدول العربية عنها. الحل األمثل إلشكالية العالقة العربية اإليرانية هي الحوار والتفاوض مع طــهــران مــن منطلق االلـــتـــزام بــالــدفــاع عــن أي حــقــوق عـربـيـة مــشــروعــة، وفـــي الــوقــت نفسه، عـــــدم الـــســـمـــاح لـــواشـــنـــطـــن بـــالـــســـيـــطـــرة عـلـى مـفـاهـيـم هـــذه الــعــالقــة. ولـــو كـــان هــنــاك نظام عربي رسمي قوي ملا تطاولت طهران أو دولة أخــرى على املصالح العربية، والحديث هنا عـن مصالح وطنية مشروعة وعــن االستناد إلــــى الـــقـــانـــون الــــدولــــي، ولـــيـــس إلــــى مـصـالـح ضيقة لفئاٍت حاكمة هنا وهناك. ال تــحــتــاج الـــفـــكـــرة املــقــتــرحــة أعـــــاله عـبـقـريـة، وال إبـداعـا، وإنـمـا تـحـرر العقول مـن الهيمنة السياسية الغربية، وال يعني ذلــك السكوت على أي تعد إيراني، وإنما التفكير بمصلحة الــشــعــوب، وهـــذا مــا يفتقده الـنـظـام الرسمي العربي وال يريده. وال نبيع الوهم هنا بالقول إن إيــــران تــراعــي مصلحة شعبها وحـقـوقـه، لكننا نتحدث عـن مسؤولية النظام العربي تجاهنا مواطنني في العالم العربي. االنـقـسـام وغـيـاب الـنـظـام الـعـربـي عـن حماية األمـــن الــقــومــي، وسـكـوتـه عــن جـريـمـة اإلبـــادة الـــتـــي تــرتــكــبــهــا إســـرائـــيـــل فــــي غـــــــزة، عـــوامـــل تـجـعـلـنـا نــقــف مــوقــف املــتــفــرج فـيـمـا تستمر إســـــرائـــــيـــــل بـــتـــنـــفـــيـــذ املــــــشــــــروع الـــصـــهـــيـــونـــي االستيطاني اإلحاللي بتسارع غير مسبوق، فأصبح طبيعيا أن ال تهتم األنظمة بقصف إسرائيل مواقع في لبنان أو في سورية، وال يهمها خــرق الـسـيـادة الـــذي تمثل فــي ضرب القنصلية اإليرانية في وسـط دمشق. نعرف أن النظام السوري غير معني، وكأن ما يحدث ليس في بلده، لكن هذا ال يعفي النظام العربي واملثقفني من املسؤولية. وإيـران دولة أصيلة في املنطقة، ولم تنشأ باستيطان واحتالل.
إذا كان العرب دائمًا مستعدين للمفاوضات مع إسرائيل، فكيف يمكن تبرير عدم الدخول في مفاوضات مع إيران بشأن أي خالفات أو مشكالت