Al Araby Al Jadeed

عن الموقف العربي من إيران

- لميس أندوني

هــنــاك انــقــســ­ام فـــي الـــشـــا­رع الــعــربـ­ـي والــقــوى الـسـيـاسـ­يـة حــيــال املـــوقــ­ـف مـــن إيـــــران، بعضه حـــــاد ومـــتـــط­ـــرف إلــــى درجـــــة رؤيــتــهـ­ـا تـهـديـدًا أكــبــر وأخــطــر مــن إســرائــي­ــل، ويــعــود هـــذا، في جــزء منه، إلــى دور إيـــران فـي الـعـراق تحديدًا وفي سورية، ومناورتها السياسية بني دعم املــقــاو­مــة وتـثـبـيـت مـصـالـحـه­ـا ومــــد نـفـوذهـا في العالم العربي، ما أثر على املوقف من أي تصعيد عسكري بني إسرائيل وإيران.

ٍّ الـــتـــخ­ـــوفـــات واملــــحـ­ـــاذيــــ­ر مــــن مـــصـــال­ـــح إيـــــران مـفـهـومـة بـــدرجـــ­ات مـخـتـلـفـ­ة، لـكـن اإلشـكـالـ­يـة األســـــا­س تـظـهـر فـــي االنــســي­ــاق مـــع الـسـيـاسـ­ة األميركية في اعتبار إيـران الخطر الوجودي األكـــبــ­ـر، وبــالــتـ­ـالــي، الــدفــع بـاعـتـبـا­ر إسـرائـيـل حليفا «طبيعيا» للعالم العربي لوال «عقبة» القضية الفلسطينية، أي أن «القضية» مجرد عـــامـــل مــصــطــن­ــع يـمـكـن إزالـــتــ­ـه أو عــلــى األقـــل تحييده خدمة ملصالح أميركا االستراتيج­ية. ويـــقـــع ســيــاســ­يــون (وبـــعـــض الــــــدو­ل) فـــي هــذا املطب، ألن هـذه املقوالت تناسب مصالحهم، لكن كثيرين أيضا يـنـقـادون إليها خوفا من «مـــــد شــيــعــي» أو العـــتـــ­قـــاد يـــجـــري تـرسـيـخـه مفاده أن إيران بلد عدو عبر التاريخ. السياسة األميركية واضحة، مصلحتها في البقاء القوة العظمى الوحيدة، والهيمنة على اإلقليم تقتضي إنـهـاء القضية الفلسطينية وتـجـاوز حقوق الشعب الفلسطيني تمهيدًا

إلقامة حلف عربي إسرائيلي أمني عسكري تــقــوده أمــيــركـ­ـا. وقـــد اتــخــذت خــطــوات عملية أهمها ضـم إسرائيل تحت القيادة الوسطى لـلـجـيـش األمـــيــ­ـركـــي، أي فـــي اإلقـــلــ­ـيـــم، بــعــد أن كـــانـــت الـــدولــ­ـة الــصــهــ­يــونــيــ­ة مــنــضــو­يــة تحت عباء ة قيادة الجيش األميركي في أوروبا. وما الدفع إلى تطبيع تحالفي كامل، واالستعجال فـــي تـطـبـيـع ســـعـــود­ي إســرائــي­ــلــي، إال مسعى إلـــى اسـتـكـمـا­ل املــخــطـ­ـط األمـــيــ­ـركـــي. ويتطلب هـذا تصوير إيــران أنها التهديد األكبر الذي يــســتــو­جــب تــشــكــل هــــذا الــحــلــ­ف اإلســرائـ­ـيــلــي العربي. عليه؛ يجب أن نحافظ على البوصلة األســــــ­اس؛ فـــي اعــتــبــ­ار املـــشـــ­روع الـصـهـيـو­نـي اإلحـــالل­ـــي هــو الـخـطـر الـــوجـــ­ودي األكــبــر على العالم العربي؛ الذي لفلسطني امتداد تاريخي وجــــغـــ­ـرافــــي مـــعـــه، فـــنـــزع االلـــــت­ـــــزام بـالـقـضـي­ـة الـفـلـسـط­ـيـنـيـة مـــن الـــوعـــ­ي الــجــمــ­عــي الــعــربـ­ـي شرط ضروري لتحقيق أهداف أميركا املعلنة، ألنـهـا ليست ســريــة، وال مخفية. لـكـن هـــذا ال يعني توظيف التبرير لقمع أي نظام شعبه، ويــجــب إدانــــة أنـظـمـة عـربـيـة حليفة ألمـيـركـا تستخدم الخوف من إيران ونفوذها للتنكيل بــمــعــا­رضــيــهــ­ا. ال يــمــكــن إنـــكـــا­ر أن لــلــمــو­اقــف املــــعــ­ــاديــــة أو املـــــعـ­ــــارضـــ­ــة إليـــــــ­ــران مــعــطــي­ــات ومسببات، فهي، بصفتها قوة إقليمية، تضع مصالحها أوال، ولذا نراها تناور بني دعمها املقاومة وتفاهمات مع أميركا تتعارض مع مصلحة الشعوب العربية واملنطقة بأسرها. مثاال، موقف إيران السياسي والعملي عشية الـحـربـني األميركيتن­ي على الــعــراق فـي 1991 ،2003و ففي األولــى احتجزت الطائرات التي أودعها العراق لديها قبل الحرب، وفي الثانية لــم تـــعـــار­ض، بــل كـــان هــنــاك تـفـاهـم عـلـى عـدم التدخل، وحتى التواطؤ، بحجة االنتقام من شن العراق الحرب ضدها عام .1981 يجب اإلقرار بأن الحرب بدأت بإعالن الرئيس الـعـراقـي الـراحـل صـــدام حسني، بتشجيع من دول خليجية، إلغاء اتفاقية الجزائر مع إيران، لكن األخيرة استمرت، عندما انسحب الجيش العراقي من أراضيها، بعد «اكتشافه خديعة هـــذه الــــــدو­ل»، بـهـجـومـه­ـا ومــعــادا­تــهــا بــغــداد، فاملصالح واالنتقام كانا يحركان سياساتها، لكن هذا ال يعني أن قرار الحرب كان صائبا، فواشنطن، كما اتـضـح للجميع، كـانـت تريد إضعاف البلدين، والـعـراق بخاصة، بوصفه قوة رادعة إلسرائيل في املنطقة. يعني ما سبق أن العالقة بـني العالم العربي وإيـــران كانت، مــنــذ عـــقـــود، ومــــا زالـــــت، مـسـكـونـة بــمــخــا­وف، بعضها حقيقية، من إيران، وبخاصة نفوذها بـــني الـشـيـعـة فـــي دول الـخـلـيـج الــعــربـ­ـي، لكن ردود فعل تلك الــدول كانت منقادة لأجندة األميركية. لذا تضايقت واشنطن حني نجحت الـصـني بـإطـالق حـــوار سـعـودي - إيــرانــي، في الـوقـت نفسه، دعمت إيـــران، وإن بما يناسب مصلحتها، الـقـضـيـة الفلسطينية، الــتــي لم تجد من يدعمها، وإن كان هناك خيط رفيع، لكنه فـاصـل أحـيـانـا، بـني دعــم إيـــران املقاومة وتغليب املقاومة ملصالحها، كما أن تقاعس النظام العربي الرسمي يضطر املقاومة إلى الـلـجـوء الــى طـهـران للدعم بعد تخلي الــدول العربية عنها. الحل األمثل إلشكالية العالقة العربية اإليرانية هي الحوار والتفاوض مع طــهــران مــن منطلق االلـــتــ­ـزام بــالــدفـ­ـاع عــن أي حــقــوق عـربـيـة مــشــروعـ­ـة، وفـــي الــوقــت نفسه، عـــــدم الـــســـم­ـــاح لـــواشـــ­نـــطـــن بـــالـــس­ـــيـــطــ­ـرة عـلـى مـفـاهـيـم هـــذه الــعــالق­ــة. ولـــو كـــان هــنــاك نظام عربي رسمي قوي ملا تطاولت طهران أو دولة أخــرى على املصالح العربية، والحديث هنا عـن مصالح وطنية مشروعة وعــن االستناد إلــــى الـــقـــا­نـــون الــــدولـ­ـــي، ولـــيـــس إلــــى مـصـالـح ضيقة لفئاٍت حاكمة هنا وهناك. ال تــحــتــا­ج الـــفـــك­ـــرة املــقــتـ­ـرحــة أعـــــاله عـبـقـريـة، وال إبـداعـا، وإنـمـا تـحـرر العقول مـن الهيمنة السياسية الغربية، وال يعني ذلــك السكوت على أي تعد إيراني، وإنما التفكير بمصلحة الــشــعــ­وب، وهـــذا مــا يفتقده الـنـظـام الرسمي العربي وال يريده. وال نبيع الوهم هنا بالقول إن إيــــران تــراعــي مصلحة شعبها وحـقـوقـه، لكننا نتحدث عـن مسؤولية النظام العربي تجاهنا مواطنني في العالم العربي. االنـقـسـا­م وغـيـاب الـنـظـام الـعـربـي عـن حماية األمـــن الــقــومـ­ـي، وسـكـوتـه عــن جـريـمـة اإلبـــادة الـــتـــي تــرتــكــ­بــهــا إســـرائــ­ـيـــل فــــي غـــــــزة، عـــوامـــ­ل تـجـعـلـنـ­ا نــقــف مــوقــف املــتــفـ­ـرج فـيـمـا تستمر إســـــرائ­ـــــيــــ­ـل بـــتـــنـ­ــفـــيـــ­ذ املــــــش­ــــــروع الـــصـــه­ـــيـــونـ­ــي االستيطاني اإلحاللي بتسارع غير مسبوق، فأصبح طبيعيا أن ال تهتم األنظمة بقصف إسرائيل مواقع في لبنان أو في سورية، وال يهمها خــرق الـسـيـادة الـــذي تمثل فــي ضرب القنصلية اإليرانية في وسـط دمشق. نعرف أن النظام السوري غير معني، وكأن ما يحدث ليس في بلده، لكن هذا ال يعفي النظام العربي واملثقفني من املسؤولية. وإيـران دولة أصيلة في املنطقة، ولم تنشأ باستيطان واحتالل.

إذا كان العرب دائمًا مستعدين للمفاوضات مع إسرائيل، فكيف يمكن تبرير عدم الدخول في مفاوضات مع إيران بشأن أي خالفات أو مشكالت

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar