موسيقى دراما رمضان... حلبة تنافس أُخرى
منذ بــدء عصر التلفزيون فـي الـشـرق، حافظ شـــهـــر رمـــــضـــــان عـــلـــى اســـتـــضـــافـــتـــه عـــــروض املــــســــلــــســــات الــــــدرامــــــيــــــة، إذ أصـــــبـــــح أشـــبـــه بـمـهـرجـان لــلــدرامــا الـعـربـيـة، تـتـنـافـس خـال أسابيعه األربــعــة أقـــوى اإلنـتـاجـات وأكبرها كلفة على الفوز بأغلى مواعيد البث، فتضمن لها أعلى نسب متابعة قبيل اإلفطار وبعده، وفي فترة السهرة، حني يتحلق أفـراد األسرة حول الشاشة، تفصلهم عنها طاولة مفروشة بــأطــايــب الـــنـــقـــارش الــحــلــوة واملـــالـــحـــة. حتى البناء الدرامي لألعمال التلفزيونية العربية، ومــطــه عـلـى مـــدى قــرابــة الـثـاثـني حـلـقـة، على الـرغـم مـن خــرق موسم هــذا الـعـام تلك العادة فــي عـــدة أعــمــال، مــا كـــان إال تماشيًا مــع أيــام رمضان، الشهر الذي يظل مناسبة جماهيرية في عموم املنطقة الناطقة بالعربية، إذ يجمع دائـمـًا، وال يـــزال، املظاهر االحتفالية الدينية والدنيوية، وتنشط فيه املمارسات الروحية واالســـتـــهـــاكـــيـــة. وكـــــــأي مـــهـــرجـــان لـــلـــدرامـــا، يـــجـــدر عــنــد اإلضــــــاء ة الــنــقــديــة عــلــى اإلنـــتـــاج الـتـلـفـزيـونـي الـــوقـــوف أيــضــًا عــلــى موسيقى املــســلــســات، ســـــواء كـــانـــت املــــــادة املـوسـيـقـيـة املــصــاحــبــة لــلــمــشــاهــد أو أغــنــيــة الــــشــــارة، إذ تعد األخـيـرة بمثابة تقليد عربي، ملا للغناء واألغنية من شـأن في الثقافة السمعية. فمع نمو ميزانيات الدراما العربية، وتقدم وسائل إنتاجها، مقابل تطور التكنولوجيا وسهولة انخفاض كلف حيازتها، بات من املمكن رفد املـــنـــتـــج الـــــدرامـــــي بــنــظــيــر صـــوتـــي مـوسـيـقـي يتمتع بسوية عالية، أقله شكانيًا، أي لجهة نوعية اإلنـتـاج وجــودة التقنيات املتبعة في تصميم الصوت وهندسته، وليس بالضرورة أن يترافق علو السوية بالكمون التعبيري أو الجوهر الفكري. وفي واقـع األمـر، ليس املراد للموسيقى التصويرية وال املـرجـو منها أن تـتـضـمـن كـمـونـًا تـعـبـيـريـًا أو جـــوهـــرًا فـكـريـًا، الـلـهـم إال إذا طـغـى إبــــداع مـؤلـفـهـا فــي مــا قـل ونـدر، وزاد عن طبيعة الوظيفة املحددة لها، أال وهـــي مـصـاحـبـة املــشــاهــد والـــدخـــول على ســـيـــرورة اإلنـــتـــاج كـــرافـــد مـــن روافـــــد صـنـاعـة الدراما التلفزيونية وليس بالضرورة كعمل فــنــي مـكـتـمـل مـسـتـقـل بـــذاتـــه. ألجـــل املسلسل املصري «الحشاشني» الذي عرض في رمضان الــفــائــت عــلــى 30 حـلـقـة (كــتــابــة عــبــد الـرحـيـم
لحنت أبيات من رباعيات الخيام لمسلسل «الحشاشين» المصري
كمال، وإخراج بيتر ميمي، وبطولة كريم عبد الـعـزيـز) كتب املوسيقى التصويرية املؤلف واملـــوزع التونسي أمــني بـوحـافـة، الـــذي تميز بنشاط تجاوز الدراما العربية إلى األفريقية والعاملية مـن خــال تأليفه سـاونـدتـراك فيلم «تمبوكتو» ،)Timbuktu( من إخراج املالي عبد الرحمن سيساكو. رشـحـت حينها موسيقى بـــوحـــافـــة لـــجـــائـــزة أفـــضـــل مـــدونـــة مـوسـيـقـيـة بـــمـــهـــرجـــان كــــــان الـــســـيـــنـــمـــائـــي ســـنـــة .2015 ألجـل الـشـارة، لحنت أبيات رباعيات الخيام الشهيرة «سمعت صوتًا هاتفًا في السحر»، أداها املصري وائل الفشني، وذلك في مسعى إلى ربط األغنية بالسياق التاريخي للعمل، إذ تظهر شخصية عمر الخيام ضمن أحداث القصة. وقد سبق للشاعر املصري أحمد رامي أن نقل الرباعيات عـن الفارسية، ليضع لها رياض السنباطي األلحان، وتغنيها أم كلثوم سـنـة 1950 مــن ضـمـن ملحمة غنائية عـرفـت بعنوان «رباعيات الخيام». تبدأ األغنية بخلفية صوتية خافتة، وإن تظل مـشـحـونـة بـــأجـــواء الــتــرقــب الـــدرامـــي، مــوزعــة ألصوات الوتريات، أو شبيهاتها اإللكترونية بتقنية الترعيد .)Tremolo( فيما تحدد اإليقاع ضـربـتـا أكــــف مـسـتـوحـاة مــن طــقــوس الــطــرق الـــصـــوفـــيـــة، كــمــوضــوعــة (ثـــيـــمـــة) ذات عــاقــة بـالـقـصـة وبـالـحـقـبـة الــتــاريــخــيــة. أمـــا الـغـنـاء، فيكون مـرسـا كصرخة فـي فـضـاء تعبيري، صــــمــــم مــــن فــــــــراغ صــــوتــــي، جـــــــرت هــنــدســتــه بـواسـطـة تقنيات الــتــردد والــصــدى الرقمية، بــغــيــة تــجــســيــد مـــعـــانـــي األبـــــيـــــات، وتــصــويــر بـــرزخـــيـــة الـــســـمـــاء مــوســيــقــيــًا، لـــحـــظـــة ولــــوج ضــوء الـنـهـار بعتمة الـلـيـل. الحــقــًا، ستتطور املـــــادة املـوسـيـقـيـة لــلــشــارة، بـــإدخـــال عناصر تــشــويــق مـــن نـــســـج هــارمــونــيــة مــعــلــبــة لجهة أنماطها التشكيلية وهويتها الصوتية، تذكر بموسيقى مـسـلـسـات «نتفليكس» وألــعــاب الفيديو، تضطلع بأدائها مجاميع الوتريات، تــرافــقــهــا طـــبـــول تـــجـــســـد أجــــــواء املــــعــــارك في الـــعـــصـــور الـــقـــديـــمـــة، تــــحــــدد مــوســيــقــيــًا نـــوع املسلسل كدراما تاريخية، قروسطية، أنتجت بـــغـــرض الــتــرفــيــه والــتــســلــيــة. «والد بــديــعــة» إنتاج سوري، تدور أحداثه في زمن معاصر، كتابة علي سيف ويامن حجلي، إخـراج رشا شـــربـــتـــجـــي وبـــطـــولـــة ســـافـــة مـــعـــمـــار. وضــــع مــوســيــقــى املــســلــســل املـــصـــري خـــالـــد الــكــمــار، الــذي اختص مبكرًا منذ عـام 2012 في كتابة الــســاونــدتــراك للسينما والــتــلــفــزيــون. اخـتـار الكمار لــون التانغو التيني األصـــول، كإطار
ُّ شـكـلـي عــــام لــلــشــارة الـــتـــي ألـــفـــت مـوسـيـقـيـة، مــن دون غــنــاء. ولـلـتـانـغـو كـمـوسـيـقـى، ســواء لجهة اإليــقــاع أو االنـسـجـامـات املحمولة به، شـخـصـيـة تــحــســن تـلـبـيـة مـتـطـلـبـات الـــدرامـــا الـعـربـيـة، خـصـوصـًا تـلـك الـتـي تـنـتـج للسوق بغاف عصري منمق ومزوق .)Kitsch( يعود ذلـك إلـى توفيرها عنصر التشويق، بموجب الضربات اإليقاعية الراقصة، الحادة والنافرة التي تبث اإلثارة داخل نسيج األلحان. مقابله، يأتي عنصر الرومانسية، بمقتضى الخطوط اللحنية الشاعرية التي تخرج عن التراكيب الهارمونية. إال أن الكمار، وبأسلوب معتاد، ومتوقع حني يتناول مؤلفون عرب موسيقى التانغو، سيلجأ إلى إدخــال عناصر شرقية، مستخدمًا إيقاعًا بنكهة تركية، وارتـجـاالت على آالت كـمـان وتشيللو، عـــادة مـا ال تـــدون وإنـــمـــا تـــضـــاف الحـــقـــًا، إذ يـسـجـلـهـا عــازفــون منفردون في استديو.