األفغانيات مرغمات على طاعة المعنفين
يتفشى الـعـنـف األســــري فــي أفغانستان منذ زمــن بعيد بتأثير األعــــراف القبلية املتجذرة التي تخضع املجتمع لقوانني وعادات خاصة ال يمكن أن يتجاوزها أي شخص. ومـــن األصــــول الــراســخــة فــي الــقــوانــني القبلية أن الرجل هو السيد، ويفترض أن يطاع من الجميع بـا أي قـيـود، وتنفيذ جميع أوامــــره مهما كانت األحـــوال. وهكذا تطيع املــرأة األفغانية الرجل في جميع شـــؤون حياتها وأمــورهــا االجتماعية من دون أخذ رأيها في االعتبار، وأن تملك أي حق في رفع صوتها ملناقشة أي أمر مهما بلغت أهميته، ويــتــعــلــق بـــالـــدرجـــة األولـــــــى بــحــيــاتــهــا الــخــاصــة وظروفه. وما يضاعف معاناة املرأة األفغانية في حياتها الـيـومـيـة تـعـرضـهـا لـضـرب وعـنـف داخــل األسرة من دون أن تستطيع رفع صوتها أيضًا أو أن تحظى بمساندة من أي شخص. والافت أن الزوج ال يمارس وحده العنف مع املرأة، بـل أبـــوه وأمـــه وأخــواتــه وأيـضـًا أخـواتـهـا الـذيـن قد يــضــربــونــهــا، لــكــن أشــخــاصــًا يــتــحــدثــون عـــن تغير بـعـض هـــذه الــتــصــرفــات فــي الــســنــوات األخـــيـــرة، إذ بـات باقي رجــال األســرة ال يستطيع ضـرب النساء باستثناء الـــزوج الــذي ينفذ ذلــك متى يشاء وبـأي ذريعة. تقول غل سانغه، املتحدرة من والية خوست (جــنــوب)، لــ«الـعـربـي الـجـديـد»: «حــني تـزوجـت كان زوجي يضربني ألي سبب، وكان هذا األمر مقبوال بحسب األعـــراف القبلية التي تمنح الرجل حقوقًا كثيرة، ومنها الضرب واستخدام العنف، وتفرض طــاعــة الـجـمـيـع لـــه، لـكـن مــا يـؤسـفـنـي حـتـى اآلن أن أبــا الــزوجــة الـــذي نسميه الـجـد كــان يـضـرب بــدوره زوجـات أبنائه بأي ذريعة من دون أن تستطيع اي منهن رفع صوتها». وتــحــكــي أنـــهـــا تــعــرضــت مــــرة لـــضـــرب مـــع جميع النساء في املنزل على يد أبي زوجها. وحصل ذلك حــني جــاء كثير مــن الـضـيـوف إلــى املــنــزل، وكانت حـجـرة االسـتـقـبـال مليئة بـالـنـاس، فبعدما راقـب الجد ما يجري في املطبخ طلب منا تجهيز الغداء قــبــل صـــاة الــظــهــر، لــكــن هـــذا األمــــر تــأخــر بسبب الضغط والعمل، فجاء الجد غاضبًا لكنه من دون أن يـقـول شـيـئـًا. وبـعـدمـا أعــددنــا الـطـعـام ومضى الـــيـــوم وذهـــــب الـــضـــيـــوف ســــأل الـــجـــد ملـــــاذا تــأخــر الــغــداء فقلنا لــه إن األمـــر حصل ألســبــاب معينة، وجـــادلـــتـــه إحـــــدى الـــنـــســـاء فـــأخـــذ عــصــًا وضــربــنــا كلنا في حضور أزواجنا الذين لم يحركوا ساكنًا بسبب طاعتهم له، أو ألنهم كانوا يخافون من أن يحرمهم من امليراث. وفي اليوم التالي قدمت مع النساء لطلب العفو من الجد الذي بادرنا جميعنا إلى تقبيل يده، وانتهى األمر بهذه الطريقة». لكن غل تقول إن «األمور تختلف حاليًا، ففي أماكن كثيرة ال يمكن ضرب املرأة إال من زوجها، وأنا لدي أربــع كنات ال يحق ألي شخص أن يـمـارس العنف ضــدهــن، بــل أزواجــهــن فـقـط، لكن األبــنــاء يضربون زوجاتهن، رغـم أنني أحــاول أن أمنعهم مع زوجي لكنهم يفعلون ذلـك مثل عــادة باقي األزواج، وهذا أمر مؤسف للغاية، لكنه يحصل». وكـــانـــت الــحــكــومــة األفــغــانــيــة الــســابــقــة تـــؤكـــد قبل إنهيارها أنها تعمل دائبة لتحسني أوضـاع املـرأة، خاصة فـي مـا يتعلق بالعنف. ويـقـول محمد شاه الـــذي عمل موظفًا فــي وزارة الــشــؤون االجتماعية بـالـحـكـومـة الــســابــقــة لـــ«الــعــربــي الـــجـــديـــد»: «كــانــت حكومة أشرف غني تعمل دائبة كي تستطيع املرأة تــحــســني أحـــوالـــهـــا، وواجــــهــــت صـــعـــوبـــات وعــقــبــات كبيرة أبـرزهـا األعـــراف السائدة املتجذرة، ووجـود حـــركـــة طـــالـــبـــان الـــتـــي كـــانـــت تـسـيـطـر عــلــى مـنـاطـق شـــاســـعـــة، وكــــانــــت تـــقـــيـــد املــــــــرأة، وأيــــضــــًا مـشـكـات تـفـشـي الــفــســاد املـــالـــي واإلداري فـــي الــحــكــومــة، ما جعل مشاريعها ناقصة ومعرقلة. أما بعد سيطرة طــالــبــان عـلـى الـحـكـم فــبــات وضـــع املـــــرأة أســــوأ إلـى أقــصــى حـــد رغــــم تــأكــيــد حــكــومــة طــالــبــان مــــرات أن حكومتها تضمن منح املـرأة األفغانية كل حقوقها وفق الشريعة اإلسامية». وتقول الناشطة صفية وزير لـ«العربي الجديد»: «كل ما تقوله حكومة طالبان ال يسمن وال يغني من جـوع، فهي تزيد وضـع املــرأة سـوءًا وتحرمها من التعليم والعمل في ظل وضع معيشي متدهور عمومًا. ويؤدي ذلك إلى مشكات أسرية تقع املرأة ضحيتها. من هنا إذا كانت طالبان تريد فعا أن تحسن أوضــاع املــرأة يجب أن تمنحها حقها في التعليم قبل املـيـراث الــذي يبقى بـا تنفيذ أيضًا وعلى الورق فقط». تضيف: «الرجال عاطلون عن العمل فـي مـنـازل كـثـيـرة، وأيـضـًا الـنـسـاء اللواتي يجلسن فـي املـنـازل بسبب سياسات طـالـبـان، ما يـؤدي إلى مشكات أسرية كثيرة بينها ممارسة العنف ضدهن وضربهن».