Al Araby Al Jadeed

كسال... حياة على وقع التأهب األمني واألزمات اإلنسانية

تنعكس الحرب في السودان، التي دخلت عامها الثاني، أزمة إنسانية في والية كسال الشرقية، التي وإن لم تطاولها الحرب حتى اآلن، إال أنها تتأهب أمنيًا لذلك

- كسال ـ أيمن إبراهيم

يـــــحـــ­ــول الــــــصـ­ـــــراع الـــعـــس­ـــكـــري بـــــن الــجــيــ­ش السوداني وقوات الدعم السريع، الذي بدأ في 15 إبــريــل/ نيسان 2023 وبـــدأ عـامـه الثاني قبل أيــام، الباد إلـى ساحة معركة مفتوحة وأزمــــــ­ــة إنـــســـا­نـــيـــة تـــمـــثـ­ــل مـــزيـــج­ـــًا مــــن املــــوت والنزوح واللجوء وتفشي األمراض والجوع. وتشهد جميع واليـات السودان الــ81 نزوحًا وتـــــــو­تـــــــرا­ت، وطــــــــ­ـاول ذلــــــك حـــتـــى الـــــوال­يـــــات الشرقية التي ظلت منذ بداية الحرب بعيدة عـن االشتباكات، وعلى رأسـهـا واليــة كسا، التي أضحت مركزًا إليـواء النازحن الفارين من العاصمة الخرطوم والـواليـا­ت املجاورة لها مع امـتـداد رقعة املـعـارك يومًا بعد يوم. مع العلم أن مجلس الوزراء السوداني، أصدر أول مـــن أمـــس األربــــع­ــــاء، قـــــرارًا بــإعــفــ­اء والـــي كــســا مـحـمـد مــوســى عــبــد الــرحــمـ­ـن، ووالـــي الـــقـــض­ـــارف مـحـمـد عــبــد الــرحــمـ­ـن مـحـجـوب، إذ تـم تعين الـلـواء متقاعد الـصـادق محمد والـيـًا جـديـدًا لكسا، والـلـواء متقاعد محمد أحـــمـــد حــســن والـــيـــًا لــلــقــض­ــارف، إلــــى جـانـب إعـفـاء السفير علي الــصــادق مـن مـهـام وزيـر الــخــارج­ــيــة وتـعـيـن الـسـفـيـر حـسـن عــوض، وزيـرًا للخارجية بعد أن كان يشغل منصب وكيل الوزارة. وتــقــع مــديــنــ­ة كــســا، عــاصــمــ­ة الـــواليـ­ــة الـتـي تحمل االســم ذاتـــه، على بعد 480 كيلومترًا مــن العاصمة الــخــرطـ­ـوم، وتتميز بموقعها عــلــى رأس دلـــتـــا نــهــر الـــقـــا­ش وعـــلـــى سـفـوح كتلة جبلية تعرف باسم جبال التاكا، ولها حـــدود مــع دولـــة إريــتــري­ــا. ومـنـذ ثمانينيات القرن املاضي، هاجرت إليها أعداد كبيرة من املواطنن من جنوب السودان وجبال النوبة وإقليم دارفور بسبب الحروب والنزاعات في تلك املناطق. وملدينة كسا تاريخ طويل مع استقبال النازحن والاجئن، إذ كانت مركزًا إليــــــو­اء الـــاجـــ­ئـــن خــــال الـــحـــر­ب اإلثــيــو­بــيــة اإلريـــــ­تـــــريــ­ـــة الــــتـــ­ـي انــــدلــ­ــعــــت فـــــي عــــــام 1998 واستمرت حتى عام .2000 واستقبلت والية كسا اآلالف من الاجئن اإلرترين وأقيمت املعسكرات إليوائهم، وما زالت بعض األحياء فـــــي املــــديـ­ـــنــــة تـــضـــم ســـكـــان­ـــًا يــــتــــ­حــــدرون مـن إريتريا. وكانت املدينة أيضًا وجهة لاجئن الصومالين واإلثيوبين حتى وقـت قريب. ويــمــثــ­ل مـعـسـكـر الـــشـــج­ـــراب، فـــي مـحـلـيـة ود الـحـلـيـو، أبــــرز مـعـسـكـرا­ت الــاجــئـ­ـن بكسا، والذي تحول إلى قرية بسكان شبه دائمن. وتتسبب التوترات األمنية وتهديدات قوات الــــدعــ­ــم الـــســـر­يـــع فــــي واليــــــ­ـات أخــــــرى قــريــبــ­ة لكسا، مثل الجزيرة والقضارف ونهر النيل، فــي اتــخــاذ الـــواليـ­ــة إجـــــراء ات أمـنـيـة جــديــدة، خصوصًا بعد حادثة قصف طائرة مسيرة مجهولة في الثاني من إبريل الحالي إفطارًا رمـضـانـيـًا نـظـمـتـه مـجـمـوعـة شـبـه عسكرية محسوبة على نـظـام الرئيس املخلوع عمر البشير تقاتل مع الجيش في مدينة عطبرة، بــواليــة نـهـر الـنـيـل، شـمـال شـرقـي الــســودا­ن، مـــا أدى إلــــى مـقـتـل 12 شـخـصـًا عــلــى األقــــل. وكـسـا ضمن الــواليــ­ات الـتـي انتظمت فيها حمات استنفار وتدريب وتسليح املواطنن «املـــســـ­تـــنـــفـ­ــريـــن» تـــحـــت مـــســـمـ­ــى «املــــقــ­ــاومــــة الــشــعــ­بــيــة املــســلـ­ـحــة» ملـــواجــ­ـهـــة قـــــوات الــدعــم الـــســـر­يـــع، وأقــــــا­م بــعــض قـــــادة هــــذه املــقــاو­مــة إفطارات جماعية في رمضان األخير (من 11 مـــارس/ آذار إلــى 10 إبــريــل)، وهــم يحملون األسلحة على منت سيارات ذات دفـع رباعي في عدد من ساحات املدينة. وفـــي 11 إبــريــل الــحــالـ­ـي، أصــــدر والــــي كسا املقال أمر طوارئ، عدل بموجبه موعد حظر التجول في الوالية من الساعة الحادية عشرة

أقال مجلس الوزراء السوداني والي كسال أول من أمس

مساء إلـى الساعة الرابعة صباحًا، ليصبح منع التجول مـن الساعة الثامنة مساء إلى السادسة صباحًا. وتـــعـــد األوضـــــ­ــاع فـــي كــســا مــســتــق­ــرة أمـنـيـًا مقارنة بمدن أخـرى، حيث تعمل فيها عددة مصارف ومؤسسات حكومية، وتتوفر فيها السلع الغذائية القادمة من مصر وإثيوبيا وتـــركـــ­يـــا والــــســ­ــعــــودي­ــــة، إلـــــى جــــانـــ­ـب الــســلــ­ع الـــســـو­دانـــيـــ­ة الــقــلــ­يــلــة والـــتـــ­ي تـــبـــاع بــأســعــ­ار متفاوتة، لكن النازحن يعانون من البطالة وانعدام املال في أيديهم وسوء الغذاء املتوفر أمـــامـــ­هـــم، إذ تـــــوزع املــنــظـ­ـمــات غــالــبــًا الـسـكـر والعدس والدقيق والـزيـت، وبعض األوانــي. ويسكن معظم النازحن في كسا بمدارس تــــــم تـــخـــصـ­ــيـــصـــ­هـــا الســــتــ­ــقــــبــ­ــالــــهـ­ـــم، وتـــعـــم­ـــل مجموعة من املنظمات السودانية واألجنبية على تقديم الـخـدمـات لهم، حيث تــم افتتاح عيادات داخلية في بعض هذه املدارس التي يعاني معظمها من مشكلة توفر مياه الشرب واالنـــقـ­ــطـــاع الــيــومـ­ـي لـلـكـهـرب­ـاء واالكــتــ­ظــاظ. ويحصل النازحون على املاء عبر املضخات الـــيـــد­ويـــة املـــركــ­ـبـــة فـــي املـــــــ­دارس أو الــعــربـ­ـات الـتـي تجرها الحمير. ويــقــول الــنــازح أحمد مـــجـــدي، الــــذي يـقـيـم مـــع أســـرتـــ­ه فـــي مــدرســة بحي الـعـرب فـي كسا، لـ«العربي الجديد»، إنه فشل في الحصول على عمل في املدينة، إذ كـــان قـبـل مجيئه إلـيـهـا يعمل فــي مدينة ود مدني التي سيطرت عليها قــوات الدعم السريع في ديسمبر/ كانون األول املاضي. ويلفت مجدي إلى أنه وأفــراد أسرته جاؤوا إلى كسا في اليوم الثالث ملعركة ود مدني، ومــكــثــ­وا مـــع أقـــاربــ­ـهـــم قــبــل أن يـنـتـقـلـ­وا إلــى املــدرســ­ة الـتـي خـصـصـت لـلـنـازحـ­ن، ويشير إلـــى أنـــه يـعـانـي مــن مـــرض الــســكــ­ري وتمكن أخــيــرًا مــن الـحـصـول على عـاجـه مــن عيادة داخــلــيـ­ـة أقــامــتـ­ـهــا إحــــدى املــنــظـ­ـمــات. ويــذكــر

مجدي أنهم أصبحوا مهددين بالطرد حاليًا مـــن املـــدرسـ­ــة بـسـبـب إعــــان حــكــومــ­ة الــواليــ­ة نيتها اسـتـئـنـا­ف الـــدراسـ­ــة وإخــــاء املـــدارس من النازحن. ويسكن عدد من النازحن عند أقاربهم في كسا، وهناك آخـرون يتحدرون مـن املدينة أصـــا وعـــادوا مـن الـخـرطـوم إلى منازلهم األصلية واستضافوا معهم نازحن آخرين، فيما يفضل البعض اآلخر استئجار مـــنـــزل، حــيــث تـــبـــدأ بـــــدالت اإليـــجــ­ـار مـــن 100 ألـــف جـنـيـه وتــصــل حـتـى 600 ألـــف (الــــدوال­ر يساوي 1200 جنيه). ويختلف السعر حسب الحي ونوع املنزل واملسافة من وسط املدينة وتوفر خدمات املاء والكهرباء. وبـــحـــس­ـــب مــــا رصــــــدت «الــــعـــ­ـربــــي الـــجـــد­يـــد»، فـــإن الـجـيـش الــســودا­نــي ينتشر مــع الــقــوات الـحـكـومـ­يـة األخــــرى فــي املــديــن­ــة، إلـــى جانب مــــقــــ­اتــــلـــ­ـن مــــــن حـــــركــ­ـــة الــــــعـ­ـــــدل واملــــــ­ـســـــــا­واة (مــســلــح­ــون ســـابـــق­ـــون فـــي دارفــــــ­ـــور). وتـقـيـم هـــذه الـــقـــو­ات نــقــاطــًا للتفتيش عــنــد مــداخــل املــديــن­ــة ومــخــارج­ــهــا طــــوال الـــيـــو­م، إذ تعبر مـنـهـا بــاصــات الـسـفـر وشــاحــنـ­ـات البضائع املـتـوجـه­ـة إلـــى واليــــات الـبـحـر األحــمــر ونهر الـنـيـل والــشــمـ­ـالــيــة. ومـــع حــلــول الـلـيـل تغلق األســـواق وتنصب الحواجز األمنية لتنفيذ أوامــر حظر التجول. النازحة نفيسة الضو، التي تقيم فـي مـدرسـة بحي الحلنقة، تقول لـ«العربي الجديد»، إنها حصلت على عمل مؤقت مع منظمة محلية، لكنها تنوي السفر إلى مصر إلنقاذ تعليم أطفالها الثاثة الذي توقف منذ بداية الحرب. وبــحــســ­ب مـنـظـمـة أطـــبـــا­ء بـــا حـــــدود، يـوجـد نحو 190 ألف نازح في والية كسا وحدها، «مـــــا يــــؤكـــ­ـد الـــحـــا­جـــة املـــلـــ­حـــة إلـــــى مـــســـاع­ـــدة إنسانية شـامـلـة». ومــن بـن هـــؤالء، فـر نحو 40 ألف شخص خال أعمال العنف األخيرة في واليــة الجزيرة. وقالت املنظمة في بيان يــوم 27 مــارس املـاضـي إن «محنة النازحن في كسا هي مثال معبر عن األزمة اإلنسانية األوســـــ­ـع نــطــاقــًا فـــي الــــســـ­ـودان الــنــاتـ­ـجــة عن النزاع الوحشي املستمر، إذ يعاني الناس من خسائر بشرية كبيرة وفـقـدان سبل العيش وانعدام األمن الغذائي».

 ?? )Getty( ?? من السوق الشعبي في كسال، مايو 2023
)Getty( من السوق الشعبي في كسال، مايو 2023

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar