مخاطر التوتر بين تل أبيب وطهران
األسواق تتوقع ارتدادات للرد اإليراني على اقتصاد إسرائيل
على الرغم من أن تل أبيب تزعم أن الضربة اإليرانية لم تسبب خسائر لها، إال أن التوتر الذي سبب حالة من القلق والترقب في األسواق العالمية ال تزال تهدد بارتفاع أسعار النفط والسلع األساسية في االقتصادات الغربية الداعمة لها وزادت من عدم الثقة االستثمارية في إسرائيل
ربــمــا تـتـضـاعـف الـكـلـفـة الـبـاهـظـة لحرب إسرائيل على غـزة بعد أن جـــرت تــل أبـيـب إيـــران إلــى الحرب عقب ضربها للسفارة اإليـرانـيـة فـي سورية وردت إيـــــــران مـــســـاء الـــســـبـــت. عـــلـــى صـعـيـد االقـــتـــصـــاد الـــداخـــلـــي، يــــــزداد عــــدم الــثــقــة في إســرائــيــل كــوجــهــة اســتــثــمــاريــة، خــاصــة وأن االقـــتـــصـــاد اإلســـرائـــيـــلـــي يـــدخـــل الـــعـــام 2024 بـعـجـز كـبـيـر فـــي املــــوازنــــة يـــزيـــد عـــن %6 من الـــنـــاتـــج املـــحـــلـــي اإلجـــمـــالـــي بــســبــب الــــزيــــادة املتوقعة فـي اإلنــفــاق العسكري واإلجــــراءات املــرتــبــطــة بـــحـــرب غـــــزة، وهــــو يـعـيـش وضـعـا مــــن الـــهـــشـــاشـــة عـــلـــى صــعــيــد االســـتـــثـــمـــارات الــخــارجــيــة الــتــي تـــواصـــل الـــهـــروب وارتـــفـــاع نسبة الـديـن الـخـارجـي وزيـــادة كلفة خدمته بسبب تخفيض التصنيف السيادي لألصول اإلسرائيلية. ويعتقد مسؤولون فـي مكتب املــحــاســب الـــعـــام فـــي تـــل أبـــيـــب، املـــســـؤول عن إدارة الــديــون، أن ديــون إسرائيل بلغت أكثر مـن 300 مليار دوالر، حسب مـا نقلت وكالة «بلومبيرغ» في 11 فبراير/ شباط املاضي. وفــــــي حــــن أن الــــهــــجــــوم اإليــــــرانــــــي املـــبـــاشـــر بـــاســـتـــخـــدام الــــصــــواريــــخ والــــطــــائــــرات بــــدون طـيـار ضــد إسـرائـيـل فــي 13 إبــريــل/ نيسان، لــــم يــتــســبــب فــــي أضــــــــرار جــســيــمــة لــلــمــواقــع العسكرية، أو خسائر فـي صـفـوف املدنين، حـسـب الـتـصـريـحـات الـرسـمـيـة اإلسـرائـيـلـيـة، ولـــكـــنـــه غـــيـــر مــــن ديــنــامــيــكــيــة املـــواجـــهـــة بـن طـــهـــران وتـــل أبـــيـــب، وزاد مـــن فــرصــة نـشـوب حــــرب إقــلــيــمــيــة فـــي الـــشـــرق األوســــــــط. وفــي أعـقـاب الهجوم تصر الحكومة اإلسرائيلية على الــرد واالنـتـقـام، رغـم معارضة الواليات املتحدة لذلك حتى اآلن. وهذا االنتقام، حتى لو تم إرساله مع تحذير ومعايرة، يمكن أن يؤدي إلى تصعيد جديد، وهو تصعيد ربما يكون عرضة لسوء التقدير واالستجابة غير املتناسبة من كال الجانبن. ومن غير املستبعد أن ينتهي الرد إلى خروج إســرائــيــل مـــن حـــرب واحـــــدة ملــحــاربــة تهديد إقليمي ووجــــودي محتمل، أو تـخـوض فيه ثـــالث حـــروب فــي وقـــت واحــــد. وبـالـتـالـي فـإن الـــضـــربـــة اإليــــرانــــيــــة ومـــــا تـــالهـــا مــــن تــهــديــد إسرائيلي بالرد أضافت بعدًا جديدًا للحرب ضـــــد غــــــزة ورفـــــعـــــت مـــــن الــــتــــوتــــر واملـــخـــاطـــر الـجـيـوسـيـاسـيـة واالقـــتـــصـــاديـــة فـــي املنطقة الـتـي تـعـد «خــــزان الـطـاقـة ومـفـتـاح الصناعة فــي الــعــالــم». فــي هـــذا الــصــدد، يـقـول مصرف «غــولــدمــان ســاكــس» االسـتـثـمـاري األمـيـركـي في تعليق على تأثير الضربة اإليرانية نقلته وكالة «يــورو نـيـوز»، إنـه في حن أن التأثير املباشر للهجمات اإليرانية على أسواق السلع األساسية كان ضعيفا نسبيا، فإن التوترات الــجــيــوســيــاســيــة املـــســـتـــمـــرة واالســـتـــجـــابـــات الـــســـيـــاســـيـــة ســـتـــســـتـــمـــر فـــــي الــــتــــأثــــيــــر عــلــى معنويات املستثمرين ودفـع تقلبات السوق فـــي األيـــــام املــقــبــلــة. وهــــذا االضـــطـــراب بـــدوره ستكون له تداعيات على االقتصادات الغربية واألميركية الداعمة إلسرائيل. ويرى محللون أن التوتر سيزيد من عدم الثقة االستثمارية في إسرائيل وتصبح تلقائيا وجهة غير آمنة للمستثمرين. وحتى على الصعيد الداخلي، فإن الزحام في املطارات اإلسرائيلية لسكان الــكــيــان الـــهـــاربـــن مـــن مــخــاطــر الــتــوتــر الـــذي نــشــرتــه مـــواقـــع الـــتـــواصـــل االجـــتـــمـــاعـــي هــذا األسبوع، يشير بوضوح إلى أن إسرائيل لم تعد مكانا آمنا لالستثمار من قبل الشركات الـــعـــاملـــيـــة ورجــــــــال األعـــــمـــــال الـــغـــربـــيـــن وفـــق مـراقـبـن. ومــعــروف أن االســتــقــرار السياسي يعد أهم ركائز جذب رأس املال. على الصعيد االقـتـصـادي، قـد يـكـون التوتر اإليــرانــي اإلسرائيلي مكلفا لتل أبـيـب، حتى وإن لــــم تـــــرد إســــرائــــيــــل. حـــيـــث إن اقـــتـــصـــاد إسرائيل ال يزال يعاني من كلفة الحرب على غزة التي كلفته أكثر من 60 مليار دوالر دون حساب النفقات االجتماعية. وكان بنك إسرائيل املركزي ذكر في نوفمبر/ تشرين الثاني، أن الحرب على غـزة ستكلف الــكــيــان مـــا يــقــرب مـــن 53 مــلــيــار دوالر حتى العام ،2025 وذلك بحساب أن الحرب ستكون قاصرة على قطاع غزة. واستند هذا التقدير إلـــــى تـــوقـــعـــات بـــــزيـــــادة الـــنـــفـــقـــات الـــدفـــاعـــيـــة وغـيـرهـا مــن الـنـفـقـات، إلـــى جــانــب انخفاض عـــــائـــــدات الـــــضـــــرائـــــب. ولــــكــــن يــــبــــدو أن هـــذه الـحـسـابـات متواضعة جــدًا ومحسوبة على أساس أن الحرب ستقتصر على قطاع غزة لن تتوسع. ومنذ أكتوبر/تشرين األول املاضي، دعمت الحكومة اإلسرائيلية رواتب ما يقرب من 360 ألـف جندي احتياطي منتشرين في غـــزة ، وكــثــيــرون مـنـهـم مــوظــفــون فـــي مـجـال الــتــكــنــولــوجــيــا الــفــائــقــة والــتــمــويــل والـــذكـــاء االصطناعي واألدويـــة والــزراعــة. كما يعاني االقــتــصــاد اإلسـرائـيـلـي مــن ارتــفــاع التضخم
ونقص العمالة في قطاعات الزراعة والبناء، وفـقـا تـقـاريـر عـبـريـة. وحـسـب أرقــــام رسمية صـــــادرة فـــي تـــل أبـــيـــب، جــــاءت قـــــراءة مـؤشـر أسـعـار املستهلك لشهر مــــارس/آذار املاضي أعلى من املتوقع، وربما يحول ذلك دون خفض الفائدة في اجتماع بنك إسرائيل املركزي في اجـتـمـاعـه الـشـهـر املــقــبــل. وهـــو خـفـض كانت تنتظره الــشــركــات والـقـطـاعـات االقـتـصـاديـة التي تعاني لخفض كلف التمويل. كما تعاني سوق املال اإلسرائيلية من هروب املستثمرين وشح في السيولة النقدية. في هذا الصدد، قـــال رئــيــس اسـتـراتـيـجـيـة األســــــواق فـــي بنك ليئومي العبري، كوبي ليفي، إن أحداث نهاية األسبوع تزيد بشكل كبير من التوترات في الشرق األوسط، وتشير إلى أن الصراع اتسع
وال يتوقع أن ينتهي قريبا. ويتوقع الخبير املــــالــــي فــــي تــعــلــيــقــات بـــتـــل أبــــيــــب، نــقــلــتــهــا « صحيفة «غلوبس» أمس الخميس، أن تستمر حـــالـــة عــــدم الــيــقــن والــتــقــلــبــات فـــي األســـــواق املـــالـــيـــة، ولـــيـــس فــقــط فـــي إســـرائـــيـــل، بسبب حساسية أسعار النفط للتوترات واحتمال التصعيد األمــنــي فــي الــشــرق األوســــط. على صـعـيـد األســـــواق الــعــاملــيــة، تمكنت األســــواق الــعــاملــيــة مـــن امــتــصــاص الــضــربــة اإليــرانــيــة، لثالثة أسباب رئيسية، وهي أنه تم حسابها وتسعيرها مبكرًا في تعامالت يـوم الجمعة املاضي، حيث ارتفعت أسعار النفط فوق 90 دوالرًا فـي نهاية تعامالت الجمعة ، كما أن رأس املـــال الـصـهـيـونـي الـنـشـط فــي األســـواق الــعــاملــيــة، خــاصــة فـــي «وول ســتــريــت» خفف
مـــن آثـــــار املـــضـــاربـــة عــلــى الــســلــع األســاســيــة، مــثــل الــنــفــط واملـــعـــادن الـرئـيـسـيـة لـلـصـنـاعـة، ولـكـن ال تـــزال الــتــوتــرات الجيوسياسية في الـــشـــرق األوســــــط مــســتــمــرة بـــال هـــــــوادة، مما يشكل مخاطر محتملة على أســـواق الطاقة واالقتصادات الغربية املتحالفة مع إسرائيل،
التوتر فاقم الشكوك حول سمعة إسرائيل االستثمارية وزاد من احتمال زيادة سعر النفط
خـاصـة دول أوروبـــا والهند وأمــيــركــا. يذكر أن إدارة الـــرئـــيـــس جــــو بــــايــــدن تـــدخـــل عـــام االنتخابات متكئة على نجاحات االقتصاد في خفض معدل التضخم. وبالتالي، فإن الرد املحتمل على الهجوم اإليراني قد يعقد املشهد الـــســـيـــاســـي واالقــــتــــصــــادي إلعـــــــادة انــتــخــاب بــايــدن، إذا مــا ترتبت عليه قـفـزة فــي أسعار الـسـلـع خــاصــة الـــوقـــود. عـلـى صـعـيـد مـوقـف الـــتـــجـــارة اإلســرائــيــلــيــة عــاملــيــا حــــذر مـحـافـظ بنك إسـرائـيـل، أمـيـر يــــارون، فـي مـحـادثـة مع صحيفة « كالكاليست» الـعـبـريـة جـــرت هـذا األسبوع، حكومة نتنياهو من تنامي مشاعر الــغــضــب ضـــد إســـرائـــيـــل، وقـــــال «يـــجـــب على الـحـكـومـة اإلسـرائـيـلـيـة اتــخــاذ قــــرارات بشأن دمج اليهود املتشددين، وإدراك أن هناك ثمنا اقتصاديا للمشاعر املتغيرة باستمرار في العالم تجاه إسرائيل». يذكر أن العالم شهد تظاهرات هـــادرة ضـد الـحـرب على غــزة، كما تعرضت الشركات الداعمة للحرب ضد غزة ملقاطعة شعبية واســعــة وشــرســة فــي الــدول الغربية. وفي حال مواصلة إسرائيل للحرب ضـد غــزة والـــرد على إيـــران، فــإن ذلــك سيقود إلــى ارتــفــاع التضخم فــي الـــدول الرأسمالية وربــمــا يـرفـع أســعــار الـنـفـط فـــوق 100 دوالر، وبالتالي فـإن التوتر ربما يصب في صالح الصني وضد أميركا وحلفائها بسبب ارتفاع التضخم. ومعروف أن النفط الغاز الطبيعي يدخان في معظم الصناعة وساسل اإلنتاج. على صعيد ارتــــدادات التوتر على مؤشرات االقـــتـــصـــاد اإلســـرائـــيـــلـــي وعـــاقـــات إســرائــيــل التجارية بالخارج وارتـفـاع معدل التضخم والضرائب التي تنتظر سكان الكيان املحتل لتغطية كـلـف الــحــرب، يـــرى أمــيــر يــــارون في حديث لصحيفة «كالكاليست» العبرية يوم األربـــعـــاء، أن االقــتــصــاد اإلســرائــيــلــي يعتمد كــثــيــرًا عــلــى الــــصــــادرات والـــــــــواردات، ولــذلــك، يــقــول إن انــفــتــاح االقـــتـــصـــاد والـــعـــاقـــات مع بقية الـعـالـم مـهـم جـــدًا إلســرائــيــل. ويضيف أن هــنــاك شـيـئـا يـصـعـب قــيــاســه وتــحــديــده، وهـو رأس املــال غير امللموس الــذي يمكن أن تخسره إسرائيل بسبب استمرار التوتر في الــشــرق األوســــط وتــأثــيــره عـلـى االقــتــصــادات الغربية وأســــواق املـــال الـعـاملـيـة. كما ينصح الـحـكـومـة اإلســرائــيــلــيــة بـــضـــرورة االسـتـمـاع للرأي األميركي.