الدول اإلسالمية... كيف توجع الكيان الصهيوني؟
حــالــة مــن الـعـجـز شــعــرت بـهـا الــشــعــوب الـعـربـيـة واإلســامــيــة، بسبب املوقف السلبي لحكوماتها تجاه املمارسات اإلسرائيلية فـي الـحـرب على غــزة، واألمــر مـن ذلـك أن بعض الــدول العربية مثل اإلمارات سارعت لدعم دولة الكيان الصهيوني، وإمدادها بما تحتاجه من سلع ومنتجات، عبر ممر بري يبدأ من الخليج وحتى دولة االحتال مرورا باألردن ودول عربية أخرى، وذلك بعد تضييق الخناق على التجارة البحرية إلسرائيل، بسبب هجمات جماعة الحوثيني اليمنية في البحر األحمر ومضيق باب املندب وخليج عدن. والافت أن ممارسات الحوثيني، والتضييق على االقتصاد اإلسرائيلي وتجارته الخارجية، كانت رسالة واضحة للحكومات العربية واإلسامية، ولكن كان مصيرها لألسف التجاهل، ولم تلتفت إليها إال تركيا في وقت متأخر جدا، وقبلها ماليزيا التي أعلنت في 20 ديسمبر املاضي أنها ستفرض حظرا على جميع السفن اململوكة إلسرائيل والتي ترفع العلم اإلسرائيلي، وكذلك أي سفن متوجهة إلى إسرائيل، ما سيمنعها من الرسو في موانئها. لقد تأخرت تركيا كثيرًا في اتخاذ خطوة معلنة في مواجهة همجية املمارسات العسكرية للكيان الصهيوني ضد أهالي غـــزة، لكن قبل أيـــام تحركت وقـــررت تقييد تصدير نحو 54 سلعة تركية إلى الكيان الصهيوني. أتت الخطوة التركية بعد مـا يـزيـد عـن 6 أشـهـر مـن حــرب إبـــادة شنتها دولـــة االحـتـال على شعب غزة، وكان ينتظر أن تكون هذه الخطوة في األيام األولــى، بل كان الشارع اإلسامي ينتظر من تركيا على وجه التحديد املـزيـد مـن ردود األفــعــال، التي يمكنها أن تؤثر على مسار الحرب اإلسرائيلية على غزة. وللتذكير هنا فإن تركيا تحتل املرتبة األولى من حيث التعامات االقتصادية والتجارية مـع إسـرائـيـل مـن بـني دول الـشـرق األوســـط، بنحو 7 مليارات دوالر ســنــويــا. وبـــا شــك فـــإن الــخــطــوة الـتـركـيـة سـيـكـون لها تأثيرها على أداء النشاط االقتصادي في إسرائيل، وبخاصة في ظل التداعيات السلبية على االقتصاد اإلسرائيلي بسبب الحرب على غــزة، ألنها تأتي في إطــار الحصار االقتصادي. وهــذا الـنـوع مـن الحصار، كما يقولون أضعف اإليـمـان، ولكن لـه تأثير ملموس، وبخاصة أن إسـرائـيـل تعتمد على واردات مهمة ودعـــم لوجستي مـن بعض الـــدول العربية واإلسـامـيـة، ففي الوقت الذي تذهب بعض التقديرات إلى أن أذربيجان تمد إسرائيل فيه بنحو %40 من احتياجاتها من النفط، نجد أن مـصـر قبلت أن تـكـون محطة عـبـور لتصدير الــغــاز الطبيعي الـــذي تنهبه دولـــة االحـــتـــال اإلســرائــيــلــي مــن مــــوارد فلسطني املحتلة إلى أوروبا. فلو شعرت ًإسرائيل أن امداداتها من النفط األذربيجاني سوف تتأثر سلبيا، لجعلها ذلك تعيد حساباتها بشكل كبير، فاطمئنانها لتدفق النفط إليها دون أية مشاكل، سواء من قبل أذربيجان أو تركيا التي يمر نفط أذربيجان عبر أراضيها إلـى إسرائيل، يجعلها تتصرف بأريحية في سوق الغاز الطبيعي، وتمتلك أوراق ضغط اقتصادية، تناور بها في املحيطني اإلقليمي والدولي.
دور مخز لبعض الحكومات
لـوحـظ أن الـــدور الشعبي فـي املقاطعة االقـتـصـاديـة، كــان قويا منذ اللحظات األولى للحرب اإلسرائيلية على غزة، حيث أغلقت فروع لشركات عاملية داعمة إلسرائيل، بسبب املقاطعة الشعبية، وأعلنت بعض الشركات العاملية معاناتها مـن خسائر قـدرت بمليارات الـــدوالرات بسبب املقاطعة ملنتجاتها بسبب دعمها إلســرائــيــل. ولـكـن لـألسـف تـطـوعـت بـعـض الـحـكـومـات العربية للوقوف في مواجهة املقاطعة الشعبية، وادعاء أن هذه استثمارات وطنية، وهو أمر يخالف الحقيقة، ألن هذه االستثمارات الوطنية تــابــعــة لــلــشــركــات األم مـــن خــــال شـــــراء حـــق االمـــتـــيـــاز. بقي الـــدور على الحكومات، فـي إحـكـام الحصار االقـتـصـادي على إسرائيل، وقد وضعت تركيا بخطوتها األخيرة بمنع تصدير بعض السلع إلسرائيل، جميع الــدول العربية واإلسامية أمام مسئولياتها، اإلنسانية والتاريخية. فهناك 57 دولـة إسامية، لديها تعاماتها االقـتـصـاديـة والـتـجـاريـة مـع إسـرائـيـل بشكل مباشر، ومع دول وشركات كبرى داعمة إلسرائيل، ومع تفعيل الحصار االقتصادي من قبل الــدول العربية واإلسامية على إسرائيل وداعميها، سيكون لذلك أثر ملموس با شك.
امنعوا استقبال السياحة اإلسرائيلية
لــألســف الــشــديــد أصــبــحــت الــســيــاحــة واحـــــدة مـــن أهـــم األنـشـطـة االقــتــصــاديــة لـلـعـديـد مـــن الـــــدول الــعــربــيــة واإلســـامـــيـــة، فـــي ظل ضعف األداء اإلنتاجي والعلمي القتصاديات هذه الدول، وحسب تصنيفات منظمة السياحة العاملية، فإن دولتني إساميتني، ضمن أكبر 10 مقاصد سياحية في العالم، وهما تركيا وماليزيا. وقد استغلت إسرائيل هــذه الـنـافـذة، لتحقق العديد مـن مآربها غير الــشــريــفــة، مـــن عـمـلـيـات تـجـسـس وتـنـفـيـذ اغــتــيــاالت ضـــد رمـــوز وعلماء فلسطينيني، كما حدث عام 2018 باغتيال عالم الهندسة الكهربائية الدكتور فادي البطش في ماليزيا. كذلك لم تسلم تركيا من ممارسات إسرائيل الشائنة، من الــزج بالعديد من شبكات التجسس في تركيا، سـواء على أهــداف تركية، أو أهــداف عربية وإسامية مقيمة في تركيا. وال يعني ذلك أن باقي الدول العربية واإلسـامـيـة فـي مأمن مـن املـمـارسـات اإلسرائيلية القائمة على التجسس والتخريب االقـتـصـادي، فقد عانت مصر كثيرا منذ توقيعها اتفاقية السام مع إسرائيل في عام ،1979 من املمارسات اإلسرائيلية بالتجسس، ونشر املخدرات، ومع ذلك مازالت سيناء مرتعا للسائحني اإلسرائيليني. لذلك مـن املناسب جــدا فـي ظل الحرب اإلسرائيلية على غزة، أن تتخذ الدول العربية واإلسامية موقفا تجاه السياحة اإلسرائيلية، فهي شر محض، وسيكون قـرار املنع، حتى ولـو كـان غير رسمي، له تداعياته السلبية على إسرائيل ومواطنيها، لشعورهم بالعزلة، ومن جهة أخـرى وقف نشاطهم القائم على التجسس عبر بوابة السياحة.