Al Araby Al Jadeed

من شنغهاي إلى شفشاون

- عائشة بلحاج

تبدأ الرحالت من مكان وتنتهي في آخـر. وإذا لم تختتم بسبب، فهي ال شك تبدأ به، فلماذا اختار الصينيون شفشاون املغربية إحدى أحب مدن العالم إليهم؟ كما لو أنها ال تقل صينية عن شنغهاي وبكني. ففي املدينة مطاعم صينية أكثر من مثيالتها في املغرب كله مجتمعة، وفـنـادق خاصة بهم، هم الذين يـــزورون املدينة أكثر من باقي الجنسيات األخــرى، مجتمعة، عبر شركات سفر صينية، يقيمون في فنادقها، ويأكلون طعامها. وكل ما تحصل عليه املدينة منهم الدعاية املجانية إلنعاشها بسياح آخرين ال شركات لهم. ولشعبية املدينة الزرقاء لدى الشعب الصيني الشقيق، أنشئت نسخة طبق األصل من دروبها في مركب سياحي صيني. كما حدث مع باريس ولندن ومـدن أخرى. حتى أن السفارة الصينية احتفلت بالسنة الصينية الجديدة، في املدينة، عام .2019 لكن شفشاون إبان «الغزو الصيني» ما زالت تتنفس مغربيًا، في فصل الربيع على األقل، طاملا أن نصف العطل التي يسافر فيها املغاربة داخل بالدهم كل ربيع تتجه إلى شفشاون، فيما يتجه النصف اآلخر إلى مراكش. وألن عطلة العيد هي األولى في هذا الربيع، اتفق املغاربة، من غير أن يتفقوا، على الوجهتني. ولكن كيف تتسع املدينة للجميع؟ لقد نفد الخبز فـي اليومني األولـــني مـن العطلة، من شعب يشكل الخبز العمود الفقري لنظامه الغذائي. ونام الناس في سياراتهم، المتالء الفنادق. فاشتكت الجحافل من قلة التسيير السياحي. بدل أن تلوم نفسها على االزدحام في مدينة لن تتسع لهم جميعًا، حتى لو تمددت من أجلهم. ذهبت أيضًا، لكن في آخر يوم من العطلة، بإلحاح من ابنتي. ووجدنا متسعًا في الفنادق واملطاعم، لكن االزدحام املتبقي حول شوارع املدينة القديمة وساحتها إلى سوق شعبي، يطغى فيه البشر على املكان، ويبرز بينهم الحضور الضاج ألطفال يبكون، أو يركضون بشغب. وعليك التسلل في أزقة غير مأهولة بما يجذب الزوار، لترتاح نفسك، وتستمتع بصفاء األزرق. ولكن خـارج مواسم العطل، ما من شيء يعكر اللقاء املباشر بروح املدينة، التي مثل غيرها، لها مزاجها الخاص. تبدو املدينة لألجانب جزيرة زرقاء صغيرة وسط الجبال. حتى أنها صارت، حسب صحيفة ديلي ميل البريطانية، أكثر املـدن على وجـه األرض )Instagramm­able( «إنستغرامية». فـأفـواج املؤثرين والبلوغرز مـن كـل الـــدول يهرعون إليها مـن أجل خلفية زرقــاء فـريـدة، و«سيلفي مثالي». لـذا تمثل النساء جــزءًا كبيرًا من السياح الصينيني، خاصة الشابات املدفوعات بتأثير «اإلنستراغم­وز». ولكن أهم ما في املدينة التي أنشأها املوريسيكو­ن الذين طردوا من األندلس هندستها بأقواس أزقتها، بحيث يمكن أن تتوازى األقواس وبيوتها من كل جهة، عرضيًا أو طوليًا. لكن األدراج التي تصعد بأهلها على منت الجبال، التي روضت لتكون سكنًا، أكثر لفتًا لالنتباه بفضل الصباغة بالنيلة، فتختفي الهندسة في وجه اللون. ويتجول الصينيون بصمت، حاملني كاميرات احترافية، في كل زاوية، ال أطفال بينهم وال كبار سن. على عكس السياح الغربيني الذينُ يتنوعون بني األسر بأطفالها، ومجموعات متقاعدين وشباب يسافر خفيفًا. كنت محظوظة باالقتراب من تفاصيل املدينة، حـني تجولت فيها لـيـال، منذ سـنـوات، قبل أن تصبح بهذا االكـتـظـا­ظ. وتعمقت في دروبها الهندسية التي تشبه متاهة من منازل صغيرة. كأنها ُرسمت على قطعة قماش صغيرة، مثل آالف اللوحات التي يبيعها شباب املدينة بأسعار بسيطة، تمثل دربًا أو بابًا في دروب شفشاون. في اليومني اللذين قضيناهما في املدينة، خططنا لتذوق أطباق مطاعمها الصينية، لكن رائحة األطباق املغربية هناك سرقتنا والرائحة نصف الوجبة. جودة طواجني اللحم والدجاج بالليمون تفوق الوصف، بل هي على قّمة املطاعم في املغرب، مع أنها كانت، إلى عهد قريب، من بني األسوأ. كنت تحار أين وماذا تأكل. وبعد سنوات من غيابي عن املدينة، فوجئت بجودة األكل الذي تقدمه مطاعم الساحة «وطــاء الحمام». لم يستغل أهـل املدينة بعد بشكٍل كــاٍف السطوح كمقاه تمنح إطالالت دافئة على تفاصيل املدينة الزرقاء وجبالها الخضراء. لكن األفق األزرق مفتوح الحتماالت كثيرة. مع احترام الطاقة االستيعابي­ة للمدينة، التي يفوق السياح فيها عدد سكانها ومساحتها.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar