Al Araby Al Jadeed

الضربة «العقالنية» اإليرانية

- حسام كنفاني

ال يمكن تقليل وال تضخيم ما قامت به إيـران يوم السبت املاضي عبر إطالق مجموعة من الصواريخ واملسيرات باتجاه إسرائيل ردًا على استهداف القنصلية اإليرانية في دمشق. الضربة كانت محسوبة بدقة، بحيث ال تجر ردود فعل أوسع. الحسابات اإليرانية أخذت العديد من األشكال، بداية من االتصاالت والتبليغ قبل 48 ساعة من الهجوم، وهو ما اتضح الحقًا عبر التسريبات التي أشــارت إلى أن طهران أطلعت أنقرة على موعد الضربة، والتي بدورها أوصلت الرسالة إلى واشنطن. وإن لم يكن ذلك كافيًا فإن طهران أعلنت مع إطـالق مقذوفاتها عن موعد وصولها، سواء بالنسبة إلى الطائرات املسيرة أو صواريخ كروز، ما أتاح مجاال العتراضها قبل سقوطها. كثيرة هي التعليقات التي سخرت من الهجوم اإليراني، على اعتبار أنه «مسرحية منسقة»، لكن ال يمكن إال النظر إليه على أنه سابقة في تاريخ الصراع في املنطقة. فهي املرة األولى التي توجه فيها طهران ضربة مباشرة، وليس عبر وكالء، إلى إسرائيل. طهران كانت مجبرة على الــرد، بعد االستهداف املباشر ألراضيها ممثلة بالقنصلية، لكنها في الوقت نفسه ليست راغبة في الدخول بحرب واسعة تفقدها املـنـجـزا­ت الـتـي حققتها فـي املنطقة خــالل الـعـقـود املـاضـيـة، وبالتالي كانت حريصة على أال يكون الرد كبيرًا، رغم إطالق نحو 300 مقذوف باتجاه إسرائيل، لم يصل منها إال تسعة. هذه الحصيلة دفعت الكثيرين إلى التشكيك بالصناعة العسكرية اإليرانية، لكن في الواقع فإن الهجوم ال يعكس حقيقة القدرة الحربية اإليرانية املتراكمة على مدى عقود، بل على العكس هو يعطي مؤشرًا إلى تطور في األسلحة اإليرانية التي استطاعت إصابة أكثر من قاعدة عسكرية إسرائيلية، بحسب ما كشفت الصحف العبرية، رغم محاولة االحتالل نفي ذلك، وهو أمر سيكون في حسابات القيادات العسكرية اإلسرائيلي­ة واألميركية في تقديرات أي مواجهة مقبلة مع إيران في املستقبل. وكما ال يمكن السخرية من الهجوم، كذلك ال يجب املبالغة في أهميته. فرغم أن طهران دخلت للمرة األولى بشكل مباشر في املواجهة مع إسرائيل، إال أنها في الوقت نفسه لم تقدم على هذه الخطوة قبل التأكد من أنها لن تؤدي إلى رد فعل يوصل إلى حرب استنزاف تكون إيران فيها طرفًا بشكل مباشر، وهو فعليًا ما تحقق. فالرد اإليراني واألضرار القليلة التي أحدثها رفعا الحرج عن طهران أمام حلفائها، من دون أن يقودها إلى سيناريو ال يرغب به أحد، وال سيما الواليات املتحدة. فمع انقضاء الساعات األولى من الهجوم، حرصت واشنطن على اعتبار أن الرد اإليراني عقالني، وبالتالي ال يستدعي ردًا إسرائيليًا، وهو ما أوصلته إلى دولة االحتالل. ورغم الحديث في إسرائيل عن التحضير لشيء ما ضد إيران، فإنه مرتبط بـ«الوقت املناسب»، وهو بالتأكيد ليس اآلن، ومن املستبعد أن يكون أيضًا داخل األراضي اإليرانية، وهو يفتح الباب أمام دائرة الرد املضاد، وهو ما ال يرغب به حلفاء إسرائيل والداعمون لها، والـذيـن ساهموا في صد الهجوم اإليراني األول. من املمكن القول إن معادلة الكل رابح تحققت من الهجوم الذي نفذته إيران ضد إسرائيل، بداية من طهران التي أثبتت أنها قــادرة على تنفيذ تهديداتها، بعد سنوات من االستهداف اإلسرائيلي لها في سورية ولبنان، وأنها تمتلك قدرات عسكرية بإمكانها الوصول إلى أراضي «العدو»، وهو ما لم يكن قد تم اختباره فـي الـسـابـق. فـي املـقـابـل، فــإن إسـرائـيـل أيـضـًا يمكن أن تـكـون رابــحــة، إذ إنها اختبرت حلفاءها في صد الهجوم اإليراني، وهو أمر أيضًا يحدث للمرة األولى. فرغم الدعم الكبير الذي تعلنه الدول الغربية لدولة االحتالل، فإنها لم يسبق أن اضطرت إلى التدخل بشكل مباشر لتأمني الحماية إلسرائيل كما حصل أخيرًا.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar