«إرهاب إسالمي» حسب الطلب
لــلــمــرة الــثــانــيــة، تـلـغـي جــامــعــة فـرنـسـيـة، هي جامعة ريـن 2، لقاء طالبيا بحضور املــرشــح الـرئـاسـي الـسـابـق ورئـيـس حزب فـــرنـــســـا األبـــــيـــــة، جـــــان لـــــوك مـــيـــالنـــشـــون، واملـــرشـــحـــة الــتــاســعــة فـــي قــائــمــة الــحــزب إيـــمـــا فــــــورو. مــنــذ أســـابـــيـــع، تـهـيـئ نـقـابـة طلبة الجامعة وكلية العلوم السياسية فيها لهذا اللقاء الذي كان من املنتظر أن يستقبل أعـــدادا غفيرة مـن الــطــالب، وفي آخر لحظة ألغته رئاسة الجامعة، بحجة اســتــالمــهــا بــالــبــريــد اإللـــكـــتـــرونـــي رســالــة «تهديد بعملية إرهــاب إسالمية». ورغم شكوك أبداها ميالنشون في فيديو نشره ليعتذر عن إلغاء الجامعة اللقاء، إال أنه قـــال إنــهــم فــضــلــوا إلـــغـــاءه، ألن املــهــم أمـن املكان واألشخاص. وما حصل هو «عملية إسالموفوبية للترهيب»، فقد ظهر، بعد اســتــفــســار جـــان لـــوك مــيــالنــشــون ونـــواب مـــن حــــزب فــرنــســا األبـــيـــة لــــدى املـحـافـظـة وشرطتها، أنهم لـم يستلموا أي تحذير مـن عملية إرهـابـيـة، وأن إدارة املحافظة بــكــل أقــســامــهــا مــســتــعــدة لــتــأمــن املــكــان واألشخاص في حالة الضرورة، لكنهم لم يستلموا من الجامعة طلبا للقيام بذلك! هــــذا هـــو اإللـــغـــاء الــثــالــث مــنــذ 7 أكـتـوبـر وبـــدايـــة حـــرب اإلبـــــادة اإلســرائــيــلــيــة على غــــــــزة، إذ جــــــرى إلــــغــــاء مـــؤتـــمـــر ثــــــان فـي اليوم نفسه ملرشحة الحزب ريما حسن، وقــبــل ذلـــك ألــغــي مـؤتـمـر آخـــر فــي بـــوردو فـي أكـتـوبـر/ تشرين األول املــاضــي. وقد عــلــق أعـــضـــاء حــــزب فــرنــســا األبـــيـــة على هــذا اإللــغــاء فـي أوج الحملة االنتخابية األوروبـــــيـــــة بـــالـــقـــول إنـــــه يــــرتــــدي مــعــنــى سياسيًا واضحًا ال لبس فيه. كانت الحرب قائمة أصال، قبل 7 أكتوبر، عـلـى حـــزب فـرنـسـا األبــيــة وعــلــى رئيسه جـــــان لـــــوك مـــيـــالنـــشـــون، وبــــاألخــــص مـن اإلعـــــــالم املــهــيــمــن ونـــجـــومـــه الــصــهــايــنــة أتـــــبـــــاع املــــحــــافــــظــــن الـــــجـــــدد املـــتـــبـــاريـــن واملـــــنـــــظـــــريـــــن لـــشـــيـــطـــنـــة أي شــخــصــيــة أو حــــــزب، مـــنـــذ واليــــــة الـــرئـــيـــس نــيــكــوال ســـــاركـــــوزي، يـــعـــارض حـــــروب الـــواليـــات املــــــتــــــحــــــدة ويـــــنـــــتـــــقـــــد دولــــــــــــة االحــــــتــــــالل الـعـنـصـريـة ويـــدافـــع عـــن الـفـرنـسـيـن من أصـــــول عــربــيــة مــســلــمــة. ولـــكـــن املــفــاجــأة غــيــر املــتــوقــعــة لعملية طـــوفـــان األقــصــى ونتائجها وتفاعل شعوب العالم معها دفـعـت قـائـد حــزب فرنسا األبـيـة ونـوابـه الــ 71 في الجمعية الوطنية إلـى صـدارة املـشـهـد الـفـرنـسـي املـــدافـــع عــن غــــزة وعـن حــــقــــوق الـــشـــعـــب الـــفـــلـــســـطـــيـــنـــي، لــيــكــون الحزب الذي حشد ألكثر التظاهرات التي تـشـهـدهـا فــرنــســا، الـــحـــزب الــــذي يستمر منذ 7 أكـتـوبـر بـالـدعـوة إلــى وقــف النار حاال وإلى االعتراف بالدولة الفلسطينية وإيـــــقـــــاف تـــــزويـــــد الــــكــــيــــان الــصــهــيــونــي باألسلحة واألمــوال واملطالبة بمحاكمة مزدوجي الجنسية الفرنسين املشاركن بـــــــاإلبـــــــادة وإيــــــقــــــاف الـــــتـــــعـــــاون املــتــمــيــز لــالتــحــاد األوروبـــــــي مـــع دولـــــة االحـــتـــالل ومستعمراتها، وهو ما لم يطالب به إال حزب فرنسا األبية إسبانيا وأيرلندا في دول االتحاد األوروبــي. لكن الحرب على حـزب فرنسا األبية ال تقتصر على ذلك، بـل كانت الحملة االنتخابية األوروبـيـة التي بدأت في 16 الشهر املاضي (مارس/ آذار) حملة ضـد حــرب اإلبـــادة على غـزة وحملة لتحشيد الـــرأي الـعـام الفرنسي، للضغط على الرئيس إيمانويل ماكرون، وعـلـى الحكومة مــن أجــل إيــقــاف الحرب حــــــاال، واالعـــــتـــــراف بــــدولــــة فـلـسـطـيـنـيـة، األمــــر الــــذي زاد مـــن شـعـبـيـة الـــحـــزب في صــفــوف طـــالب الــجــامــعــات والــثــانــويــات بــشــكــل واســـــع يــفــتــح لــقــائــمــتــه بـسـهـولـة مقاعد االتـحـاد األوروبــــي، وهـو مـا أقلق الـيـمـن وأتــبــاعــه وفـــي مقدمتهم اللوبي الـصـهـيـونـي الــــذي أغــاظــه أيــضــا وصــول املرشحة الفرنسية مـن أصــل فلسطيني املـــحـــامـــيـــة ريــــمــــا حـــســـن إلعــــطــــاء الـــكـــالم للصوت الفلسطيني املهجر منذ النكبة لـشـرح مــأســاة الـشـعـب الفلسطيني منذ 75 عامًا، وليس منذ 7 أكتوبر كما يردد صــهــايــنــة املـــشـــهـــد اإلعــــالمــــي الــفــرنــســي لطمس الحقائق عن الرأي العام، ما شكل تنغيصا ووجــعــا كـبـيـرا لـلـمـدافـعـن عن حكومة املجرم نتنياهو. جاء خطاب ريما حسن عن فلسطن ليعزز خـــطـــاب حـــــزب فـــرنـــســـا األبــــيــــة، ولـــيـــخـــرب على اللوبي أكاذيبه ودعايته في املاكنة الـحـكـومـيـة واإلعــالمــيــة والـثـقـافـيـة، حتى أصــبــح االســـتـــمـــرار فـــي الـــدفـــاع عـــن نـظـام الفصل العنصري الصهيوني، وما يسمى الجيش األكثر أخالقية تحديا صعبا ملن يريد ذلــك! وملواجهة الـواقـع الجديد غير املنتظر، سارع اللوبي إلى إنقاذ ما يمكن إنـــقـــاذه، إذ نـشـر أحـــد أقــطــابــه الـشـرسـن، بـــرنـــار هـــنـــري لــيــفــي، كــتــابــا يـــبـــدو وألول مـــرة فــي تــاريــخ هـــذه الشخصية وتـاريـخ إصــداراتــهــا أنـــه بـيـع أفـضـل مــن غـيـره من كــتــبــه ألنـــــه مــــوجــــه إلـــــى الـــيـــهـــود، فـــحـــواه طمأنة اليهود بــأن مـا تفعله «إسرائيل» هو دفاع عن الوجود، وعليهم أال يشعروا بالذنب إزاء ما يقترفه جيشها الذي كتب عنه بالنص «لقد رأيت جيشا همه األول أمــــن املـــدنـــيـــن» . لــقــد عــــرف لـيـفـي بحجم األكاذيب التي يأخذها حقائق، وال يخجل مـن نشرها فـي صحف مثل «الـلـومـونـد» وفـــي كـتـبـه، لـكـن هـــذه الـكـذبـة فضيحة له أمـــام مــن يشاهد جــرائــم الــحــرب واإلبـــادة والتجويع في العالم. ولذا خصص رئيس معهد العالقات الدولية واالستراتيجية، بــاســكــال بــونــيــفــاس، واحــــــدة مـــن حلقات قناته السياسية لتفنيد أطروحات الكاتب بعنوان «الحجج الكاذبة ألكثر الداعمن إلســـرائـــيـــل»، وأخـــــرى عــنــوانــهــا «خــدمــات بعد بيع جرائم الحرب»، يصف كل حجج ليفي وغيره من داعمي النظام العنصري بالضعيفة التي تنكر املـجـازر والجرائم الـــتـــي يـــطـــلـــع عــلــيــهــا الـــعـــالـــم ويــدحــضــهــا الـــواقـــع الـفـلـسـطـيـنـي ومـــأســـاتـــه فـــي غـــزة الـــيـــوم ومـــنـــذ 75 عـــامـــا، يـــشـــرح ملـتـابـعـيـه كــيــف أن إســرائــيــل كــانــت تــرفــض الــســالم مـنـذ عــقــود، وتــرفــض حــل الــدولــتــن وفـق معاهدة أوسلو التي تغنب حقوق الشعب الفلسطيني، كما رفضت املبادرة العربية. وإثـــــر إلـــغـــاء املـــؤتـــمـــر املـــزمـــع إقـــامـــتـــه في جامعة ريـن 2، دان رئيس نقابة الطالب فــي الجامعة هـــذا، وقـــال «قــرأنــا الرسالة املـــوجـــهـــة إلـــــى الـــجـــامـــعـــة، وواضـــــــح أنــهــا مرسلة من اليمن املتطرف، ومـن ضمنه رابطة الدفاع اليهودي ،)LDJ( املمنوعة في إسرائيل واملسموح لها هنا، وال يمكن أن تـقـوم الجامعة بـإلـغـاء مؤتمر فـي كل مرة تصل لها رسائل تهديد. يــشــهــد الـــعـــالـــم الــــيــــوم وقــــــوف الـــشـــبـــاب، وخـــصـــوصـــًا طــــالب الــجــامــعــات فـــي دول كـــثـــيـــرة مــــع الـــشـــعـــب الــفــلــســطــيــنــي ومـــع املقاومة في غــزة كأهم داعــم عاملي مؤثر يغيظ منظمات مثل «أيـبـاك» في أميركا و«الــــكــــريــــف» فــــي فـــرنـــســـا، ألنـــهـــا تــعــرف حــــق املـــعـــرفـــة الــتــأثــيــر اإلعــــالمــــي الـكـبـيـر فــي املـعـركـة الـــدائـــرة عـلـى أرض فلسطن املحتلة، ومن يقف وراء الضغط والترهيب هي هذه األوساط الصهيونية العنصرية الـتـي أنتجت املفاهيم، مثل الـحـرب على اإلرهـــــــاب اإلســــالمــــي ومــصــطــلــحــات مثل اإلســــالمــــو يــــســــاري لـــنـــزع الـــشـــرعـــيـــة عـن الـــوجـــود الــعــربــي وتــشــويــهــه فـــي أمـيـركـا وأوروبــــا لتبرير العنصرية ضــده وعـدم تمتعه كـمـواطـن بالديمقراطية فـي هذه البلدان خدمة لخططها في فلسطن وفي كامل منطقتنا. اعــــتــــراف الـــشـــرطـــة فــــي مـــديـــنـــة ريـــــن بـــأن ال عـــلـــم لـــهـــا بــالــتــهــديــد اإلرهـــــابـــــي الــــذي اسـتـلـمـه رئــيــس الـجـامـعـة، واسـتـعـدادهـا لــتــأمــن األمـــــن لــلــمــكــان ولـــلـــطـــالب، دلــيــل عـلـى خـــوف رئــيــس الـجـامـعـة وخـضـوعـه لـضـغـوط الـلـوبـي الصهيوني (الـكـريـف) الذي استدعى قبل أيام رئيس الجامعات الفرنسية ليعطيه تعليمات تقول بعدم الـــتـــســـامـــح مــــع «مـــــعـــــاداة الـــســـامـــيـــة» بـن الـــطـــالب الــتــي يــجــب «أن ال تـتـسـامـح مع نقد دولـة االحتالل ونقد اإلبــادة وجرائم الحرب». وقد استدعت لجنة في مجلس الــــشــــيــــوخ الـــفـــرنـــســـي رؤســـــــــاء جـــامـــعـــات ومختصن الستجوابهم بشأن جهودهم ملكافحة «معاداة السامية» ونقد الكيان، فقدم أحد رؤساء الجامعات إحصائيات عـن هـذه الــحــوادث، بلغت 67 حـادثـة عام 2023 مـــــن مـــجـــمـــوع طــــــالب الـــجـــامـــعـــات الــبــالــغ عـــددهـــم مـلـيـونـا وثــالثــمــائــة ألــف طالب، أحيلت 11 حادثة منها إلى لجنة االنـضـبـاط و41 حـادثـة منذ ستة أشهر، أحيلت ست منها إلى القضاء. وتتضمن هـــــــذه الــــــــحــــــــوادث، كــــمــــا يـــــبـــــدو، تـــســـاهـــل األســاتــذة والجامعة مـع ادعــــاءات كاذبة ومـــرضـــيـــة أو قــفــشــات وفـــكـــاهـــات عــاديــة وعفوية يتبادلها الطالب فيما بينهم من املستوى االبتدائي إلى املتوسط وتستمر فــــي الـــجـــامـــعـــة، ال تـــخـــص الـــيـــهـــود فـقـط بــل تتعلق أيـضـا بـالـعـرب والبلجيكين وسكان شمال فرنسا واألفارقة، وهو ما أكدته أستاذة الفلسفة التي قدمت للجنة مـجـلـس الــشــيــوخ تـقـريـرهـا عـــن «مـــعـــاداة الــســامــيــة» فـــي الـــوســـط الــطــالبــي. وقـالـت إنها تنتشر بن أعمار 25-15 سنة، وإن ال فـــرق فــي العقلية الـطـفـولـيـة لـــدى هـذه الشريحة العمرية، موضحة أن القضية الفلسطينية، مـثـل غـيـرهـا مــن القضايا، أثــــرت عــلــى الـــطـــالب بـشـكـل كــبــيــر، لكنها عــــادت تــنــاقــض نـفـسـهـا، ربــمــا ألنــهــا في لجنة حكومية، وال يمكنها إال أن تقول ما يرغب بعضهم سماعه، أن «فكاهات» هذه الشريحة هي «تعبير عن معاداة السامية « شرعنته الحرب على غزة.
استدعت لجنة في مجلس الشيوخ الفرنسي رؤساء جامعات ومختصين الستجوابهم بشأن جهودهم لمكافحة «معاداة السامية» ونقد الكيان