صحة الغزيين
أمراض منقولة بالمياه تنتشر وسط الحرب
تتزايد المخاطر التي تهّدد صحة الفلسطينيين وسط العدوان اإلسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ أكثر من ستة أشهر. فالمنظومة الصحية انهارت، فيما تنتشر األمراض بسبب النزوح واالكتظاظ وسوء التغذية وفقدان األدوية والنقص في المياه المأمونة
وســــط األوضـــــــاع الــصــعــبــة الـتـي يـــعـــيـــشـــهـــا الـــفـــلـــســـطـــيـــنـــيـــون فــي قــــطــــاع غـــــــزة املــــحــــاصــــر نــتــيــجــة الـحـرب التي يشنها االحـتـالل اإلسرائيلي عــلــيــه مــنــذ الـــســـابـــع مـــن أكـــتـــوبـــر/ تـشـريـن األول ،2023 تــحــذر وكــــاالت األمـــم املتحدة وكذلك منظمات دولية إنسانية وحقوقية مــن األمــــراض الـتـي تــهــدد أهـــل الــقــطــاع. في هــذا اإلطـــار، أفـــادت املتحدثة باسم منظمة الــصــحــة الــعــاملــيــة مــارغــريــت هـــاريـــس، قبل أيــــــام، بـــــأن الــــزيــــادة مــســتــمــرة فـــي مـــعـــدالت اإلصـــابـــة بـــأمـــراض مــعــديــة بـــني الــنــازحــني فـي قطاع غــزة. بـــدوره، أعلن املنسق املقيم لألمم املتحدة ومنسق الشؤون اإلنسانية (أوتـــشـــا) فــي األرض الفلسطينية املحتلة جيمي مـاكـغـولـدريـك، أخــيــرًا، أن األمـــراض املنقولة باملياه تنتشر في مناطق مختلفة من القطاع. والتحذيرات التي تأتي في هذا الـسـيـاق ليست مـسـتـجـدة، فــاألمــر مستمر مـنـذ األيــــام األولــــى مــن الـــعـــدوان املـتـواصـل اإلسـرائـيـلـي على قـطـاع غــزة وأهــلــه. وعلى سـبـيـل املـــثـــال، مــا تـضـمـنـه تـقـريـر أصــدرتــه منظمة أطباء بال حدود في فبراير/ شباط املاضي تحت عنوان «نقص املياه النظيفة يـأتـي بـــاألمـــراض واملــعــانــاة»، علمًا أن هـذا الــتــقــريــر تـــنـــاول األوضــــــاع فـــي مــديــنــة رفــح الـــواقـــعـــة أقـــصـــى جــنــوبــي قـــطـــاع غــــزة الـتـي تـسـتـقـبـل أكـــثـــر مـــن نــصــف ســـكـــان الــقــطــاع املــهــجــريــن بـفـعـل آلـــة الـــحـــرب اإلسـرائـيـلـيـة. بالعودة إلى منسق الشؤون اإلنسانية في األرض الفلسطينية املحتلة، فقد أوضــح، فـي بـيـان أخـيـر، أن «حــــرارة الطقس ترتفع بــــشــــدة فــــي قـــطـــاع غــــــزة، فــــي الــــوقــــت الــــذي يحصل فيه الــنــاس على كميات مــن املياه أقـل بكثير من تلك التي يحتاجون إليها». وبالتالي أشــار ماكغولدريك إلــى تسجيل انــتــشــار «أمـــــراض تـنـتـقـل عـــن طــريــق املــيـاه بسبب نقص املياه املأمونة وتعطل أنظمة الصرف الصحي». ويعاني الفلسطينيون فـــي مـخـتـلـف أنـــحـــاء قــطــاع غـــزة عـــدم تــوفــر مياه الشرب وكذلك مياه الخدمة، علمًا أنهم كـانـوا قبل السابع مـن أكتوبر يستفيدون من ّاملياه غير الصالحة للشرب التي كانت تـــوفـــرهـــا الـــبـــلـــديـــات لـــالســـتـــخـــدام الــيــومــي فـــقـــط. لـــكـــن املـــيـــاه الـــتـــي كـــانـــوا يـسـتـفـيـدون مـنـهـا، قـبـل الــحــرب األخـــيـــرة، صـــارت الـيـوم أسمى أمنياتهم، في ظل األحول اليوم. هم استسلموا للواقع ويطلبون املياه أيـًا كان
مصدرها. يذكر أن ثمة فلسطينيني صاروا يستحمون فـي مياه البحر، وراحـــوا كذلك يغسلون بها مالبسهم وما إلى ذلك.
الحرارة تفاقم انتشار األمراض عبر المياه
فـــــي ظــــــل هــــــذا الــــــواقــــــع، كــــثــــرت اإلصـــــابـــــات بـــأمـــراض مـنـقـولـة بــاملــيــاه، وراحــــت تـتـزايـد أخــيــرًا بـعـد انــتــهــاء فـصـل الــشــتــاء وارتــفــاع درجات الحرارة. وقد رصدت وزارة الصحة الـفـلـسـطـيـنـيـة فـــي قـــطـــاع غــــزة أكـــثـــر مـــن 15 مرضًا بسبب املياه، بحسب ما يفيد الطبيب املتخصص باألمراض الداخلية عصام أبو ركبة، موضحًا لـ«العربي الجديد» أن على رأس تلك األمـــراض التهاب الكبد مـن نوع «إيه» الذي تخطى عدد املصابني به بسبب الــنــزوح واملــيــاه ثمانية آالف مـصـاب حتى نهاية مارس/ آذار املاضي. وكانت وزارة الصحة قد أفادت بأن األمراض املـعـديـة طـاولـت نحو مليون فلسطيني في قطاع غزة، على مدى ستة أشهر من العدوان اإلســــرائــــيــــلــــي. وبـــيـــنـــت األرقـــــــــام أن انـــتـــقـــال األمــــــراض بـمـعـظـمـهـا ســجــل بـــني الــنــازحــني، مشيرة إلـى أن أكثر من نصف الحاالت أتت مـنـقـولـة عـبـر املــيــاه نتيجة تـلـوثـهـا، وكـذلـك
بسبب استخدام حمامات قليلة، إذ يخصص مــــثــــال حــــمــــام واحـــــــد ملــــئــــات األشـــــخـــــاص فـي مناطق النزوح وفي مراكز اإليواء باملدارس. ويوضح أبو بركة أن «الحرارة املرتفعة تزيد من تفاعالت الكائنات الحية الدقيقة، لكن أعــراض األمـــراض املنقولة باملياه تختلف، وهي ترتبط بوضع الفرد الصحي وبحالة جهازه املناعي ومستوى مقاومة األجسام الـــغـــريـــبـــة». لــكــنــه يـــشـــدد عــلــى أن «املــنــاعــة ضـعـيـفـة لــــدى كــثــيــريــن مـــن الفلسطينيني فــــي قـــطـــاع غــــــزة، وال ســـيـــمـــا لـــــدى األطـــفـــال واملــصــابــني بـــأمـــراض مــزمــنــة، بـسـبـب سـوء الـتـغـذيـة». ويـتـحـدث الطبيب الفلسطيني عـــن رصـــد أعـــــراض أمـــــراض خــطــرة تنقلها املياه، الفتًا إلى أنها املـرة األولـى في خالل حياته املهنية املـمـتـدة على 25 عـامـًا التي يشهد فيها قـطـاع غـــزة أعــــدادًا مماثلة من الحاالت التي تهاجم األمــراض فيّ خاللها الجهاز الهضمي. ويرى أبو بركة أن «قطاع غزة موبوء اليوم، والتخلص من األمراض لن يتم من خالل األدوية أو نقل املرضى إلى خارج القطاع لتلقي العالجات الالزمة، إنما مــن خـــالل وقـــف الــــعــــدوان». ويــشــرح أن من شأن ذلك أن يساعد في «عـودة الحياة إلى طبيعتها، فيتمكن الـنـاس مـن تـنـاول مياه
مــأمــونــة، غـيـر تـلـك الــتــي تـتــوفــر لـهـم الـيـوم فــي أمــاكــن الـــنـــزوح مــن مـخـيـمـات ومـــدارس وغـــيـــرهـــا. كـــذلـــك فـــــإن كــــل عــائــلــة تستطيع توفير النظافة في بيئتها»، عند االبتعاد عن األماكن املكتظة بسبب النزوح. يــخــبــر الــــنــــازح الـفـلـسـطـيـنـي مــحــمــد حميد «العربي الجديد» بأن أبناءه أصيبوا بطفح جلدي ووالدته بالتهاب الكبد من نوع «إيه»، وقـد أفــاده األطباء بــأن اإلصـابـات كلها أتت بسبب املياه غير املأمونة واالختالط في بيئة النزوح. وحميد كان قد نزح مع عائلته من شمالي قطاع غزة خمس مرات لبلوغ مدينة رفـــح (أقــصــى الــجــنــوب)، حـيـث يـتـابـع أفـــراد عائلته العالجات الـالزمـة في مركز صحي. ويشير حميد إلى أن «االختالط بالناس أمر ال مفر منه، ونحن نازحون في مدرسة تابعة لوكالة أونـــروا (وكـالـة األمــم املتحدة إلغاثة وتشغيل الالجئني الفلسطينيني) في مدينة رفـــح، وال مـجـال لـعـدم شــرب املــيــاه. حتى لو علمنا بأنها سوف تتسبب في وفاتنا بعد عــام، فإننا ســوف نشربها ألنـهـا املـتـوفـرة». يضيف حميد أن «هذا العدوان لم يرحمنا ال من األمراض وال من الفقر وال من الجوع... كل ما نفعله هو أننا نحاول الصمود والبقاء على قيد الحياة ألطول وقت ممكن». أما في شمال قطاع غــزة املـعـزول عـن باقي مناطق الـقـطـاع، فتبدو الـظـروف أكثر صعوبة مما هـــي عــلــيــه فـــي الـــوســـط والـــجـــنـــوب وصــــوال إلــى رفــح فــي أقــصــاه. ومـنـذ انـسـحـاب قــوات االحتالل من مجمع الشفاء الطبي في األول مــن إبــريــل/ نيسان الــجــاري، تــحــاول بلدية مـديـنـة غـــزة تـوفـيـر خـــدمـــات للفلسطينيني املنكوبني فيها، وعلى رأسها املياه. وتزامن ذلـــــك مــــع إصـــــدارهـــــا بـــيـــانـــًا حـــــــذرت فـــيـــه مـن انتشار األمـــراض، نتيجة قلة املـيـاه وتزايد انتشار الحشرات الضارة.
هكذا يؤمن الفلسطينيون المياه في غزة
وتعد أزمـة املياه في قطاع غزة من األزمـات املــتــفــاقــمــة فــــي األعــــــــوام املـــاضـــيـــة، عــلــمــًا أن
الفلسطينيني فـيـه كـــانـــوا، قـبـل الــســابــع من أكـــتـــوبـــر، يـــعـــتـــمـــدون بــنــســبــة 84 فــــي املـــائـــة على اآلبـــار الجوفية كمصدر مـيـاه رئيسي لــلــمــنــازل عــبــر الــبــلــديــات املــحــلــيــة، فـــي حني يــحــصــلــون عــلــى 12 فـــي املـــائـــة مـــن خـطـوط أنابيب املياه اإلسرائيلية وثالثة ّفي املائة مــــن مـــحـــطـــات تــحــلــيــة املـــــيـــــاه. لـــكـــن تــشــديــد الحصار على القطاع، منذ الـيـوم األول من العدوان، أثر سلبًا على توفر املياه. من جهة أخرى، جمدت سلطات االحتالل كل خطوط املياه والكهرباء التي تزود القطاع، ومنعت إدخال الوقود الالزم من معبر كرم أبو سالم لتشغيل محطات تحلية املياه. ويعمد قطاع غــزة فـي األعـــوام األخــيــرة إلــى تحلية املـيـاه، سواء املياه الجوفية أو مياه البحر. ويتجاوز عدد محطات تحلية املياه في قطاع غزة 150 محطة، 25 منها تابعة للبلديات وهي األكبر فــي الـقـطـاع، فيما املـحـطـات الباقية خاصة وعــــدد مـنـهـا ال يــتــوافــق مــع شــــروط منظمة الصحة الـعـاملـيـة. والــيــوم، تعمل 25 محطة فــقــط مـــن املــجــمــوع، مـــن بـيـنـهـا ســبــع تابعة لبلديات جنوب القطاع ووسطه. ويتحدث محمد عزيز، نــازح فلسطيني من شمالي قطاع غزة إلى مدينة رفح في أقصى الــجــنــوب، عــن كيفية قـضـائـه يـومـيـًا مــا بني سـاعـتـني وثـــالث سـاعـات لتعبئة املــيــاه. وإذ يـشـيـر لـــ«الــعــربــي الــجــديــد» إلـــى تــحــســن في واقـــع املــيــاه أخــيــرًا، يـقـول إنــهــا غـيـر مأمونة
وبــالــتــالــي غــيــر صــالــحــة لـــلـــشـــرب. مـــن جهة أخــــرى يــقــول عــزيــز إن ثــمــة مـشـكـلـة تتعلق بالعبوات املستخدمة التي ال يمكن تنظيفها مثلما يجب، باإلضافة إلى أنها مصنعة من مواد بالستيكية وتتأثر بالحرارة. في سياق متصل، يبني الطبيب املتخصص باألمراض الجلدية عمر سالم أن ثمة التهابات طفيلية عديدة تنتشر بني األطفال بسبب املياه، من قبيل داء البلهارسيات. يضيف لـ«العربي الـجـديـد» أن ثـمـة فـطـريـات تنتشر كـذلـك من خــالل املــيــاه املــلــوثــة، وفــي إمكانها التسبب فـــي الــتــهــابــات جــلــديــة وأخــــــرى فـــي الــجــهــاز التنفسي. ويلفت كـذلـك إلــى عـــدوى فيروس الروتا الذي يصيب الرضع واألطفال الصغار، فيتسبب في إسهال حاد وبحمى وتجفاف. ويـشـدد على «وجـــوب تنظيف عـبـوات املياه والخزانات وغيرها»، لكنه يردف أن «أدوات التعقيم ال تتوفر في قطاع غزة».
النقص في المياه المأمونة وتعّطل الصرف الصحي يتسببان في أمراض عدة