جرائم أبو غريب... محكمة أميركية تنظرللمرة األولى في االنتهاكات
مر 20 عامًا على نشر صور وفضح عمليات تعذيب في سجن أبو غريب، في وقت بدأت هيئة محلفين بوالية فيرجينا األميركية النظر في قضية رفعها ثالثة عراقيين بسبب تعذيبهم، األمر الذي يعد سابقة
بـــــــــدأت هـــيـــئـــة مـــحـــلـــفـــني بــــــواليــــــة فـــيـــرجـــيـــنـــا األميركية النظر فـي قضية فيدرالية رفعها ثالثة عراقيني قبل 16 عامًا ضد شركة مركز التحليل املـوحـد CACI (ســـي. إي. ســي. آي)، وهــــي شـــركـــة أمــيــركــيــة مـــتـــعـــددة الـجـنـسـيـات لـلـخـدمـات املهنية وتكنولوجيا املـعـلـومـات، تــقــدم خـدمـاتـهـا لـلـعـديـد مــن فــــروع الحكومة الفيدرالية األميركية بما في ذلك الدفاع، واألمن الداخلي، واالستخبارات، والرعاية الصحية، متهمني عـامـلـني فيها بتعذيبهم فــي سجن أبو غريب. وهذه هي املرة األولى منذ أحداث 11 سـبـتـمـبـر/ أيـــلـــول واجـــتـــيـــاح أفـغـانـسـتـان والـــعـــراق الـتـي يتمكن فيها ضـحـايـا تعذيب وانــتــهــاكــات حــقــوق اإلنـــســـان غــيــر أمـيـركـيـني
مـــن االســتــعــانــة بمحكمة أمــيــركــيــة لـلـبـت في قضيتهم، بحسب «مركز الحقوق الدستوري» األميركي الذي تولى رفع القضية. ويصادف بـدء موعد املحاكمة مــرور عشرين عامًا على نــشــر الـــصـــور وفــضــح عـمـلـيـات الــتــعــذيــب في سـجـن أبـــو غـريـب نـهـايـة إبــريــل/ نـيـسـان عـام 2004 على محطة «سـي بي إس» األميركية. كــمــا يـــأتـــي بــــدء املــحــاكــمــة بــعــد 16 عـــامـــًا من رفع مركز الحقوق الدستورية، بالتعاون مع جهات أخـرى، القضية باسم الناجني الثالثة وهـــــم ســهــيــل الـــشـــمـــري، وصــــــالح الــعــجــيــلــي، وأسعد الزوبعي. وكانوا قد اعتقلوا وزج بهم فـي سجن أبــو غريب وتــم تعذيبهم واإلفـــراج عنهم الحـقـًا مـن دون توجيه أيــة تـهـم إليهم. وتعرف القضية باسم «الشمري وآخرون ضد سي. إي. سي. آي». وعملت الشركة الخاصة، ومــقــرهــا الــرئــيــســي فـــي واليــــة فـيـرجـيـنـا منذ عــام ،2008 ملصلحة الحكومة األمـيـركـيـة في الـــعـــراق مـنـذ عـــام .2003 وحـــاولـــت ولـسـنـوات الـطـعـن فــي شـرعـيـة االدعـــــاء والـحـيـلـولـة دون بـــــدء املـــحـــاكـــمـــة تـــحـــت حـــجـــج مــخــتــلــفــة، بـمـا فـيـهـا حـصـانـتـهـا وحــصــانــة الـعـامـلـني لديها مــن املـحـاكـمـة. ورفــعــت الــدعــوى وفـقـًا لقانون أميركي صادر عام ،1789 وهو قانون الضرر األجـــنـــبـــي .)ATS( ويـــســـمـــح الــــقــــانــــون لـغـيـر املواطنني الذين تعرضوا النتهاكات راسخة لــلــقــانــون الــــدولــــي مــثــل الــتــعــذيــب واملــعــامــلــة القاسية، برفع دعوى أمام املحاكم األميركية، بــمــا فـــي ذلــــك ضـــد شـــركـــات أمــيــركــيــة، عـنـدمـا تـكـون هـنـاك صلة كافية بـالـواليـات املتحدة، بــحــســب املــــركــــز. وتـــقـــول الــبــاحــثــة فـــي الــشــأن العراقي في منظمة «هيومان رايتس واتش» ســارة صنبر، لـ «العربي الجديد»: «هــذه أول حالة تصل إلى املحاكمة ويمكن أخيرًا لهؤالء الــرجــال العراقيني الـحـصـول على حقهم بأن تكون هناك محاكمة، ونأمل أن يأمر القاضي بـتـعـويـضـات واالعــــتــــراف الــــذي يستحقونه. عــلــى الـــرغـــم مـــن ذلــــك، فـــإن هــــؤالء الـــرجـــال هم مــن الــقــالئــل جـــدًا املـحـظـوظـني الــذيــن تمكنوا بعد عقدين من االنتهاكات ضدهم من قبول البت في قضيتهم وبدء املحاكمة بعد كل هذا الـــوقـــت. وهــــذه حــالــة نـــــادرة، إذ لـــم تـنـجـح كل محاوالت الشركة إلسقاط القضية». وفي ما يتعلق بالسياق العام، تشرح صنبر أن «أحــــد أســـبـــاب نــجــاح ذلـــك عـلـى الـــرغـــم من الصعوبات الهائلة هـو أن القضية هـي ضد شـــركـــة مــتــعــاقــدة مـــع الــحــكــومــة ولـــيـــس ضد الــحــكــومــة نـفـسـهـا. وكـــانـــت هــنــاك الـكـثـيـر من الــــدعــــاوى الـــتـــي رفـــعـــت فـــي مـــحـــاولـــة إلجــبــار الحكومة األميركية على تحمل مسؤوليتها واملحاسبة، إال أنها أسقطت باستمرار بسبب قــانــون تــم تبنيه عـــام 1946 يـعـطـي حصانة
للقوات األميركية من املحاسبة عن أي جرائم تــرتــكــب خــــالل حـــروبـــهـــا». وتــلــفــت إلــــى «عـــدم وجــــود أيــــة مـــحـــاوالت جــديــة مـــن الـحـكـومـات املتعاقبة على فرض املحاسبة أو التعويض بصورة منظمة وجدية للضحايا»، مضيفة: «لــــن تـــكـــون هـــنـــاك عـــدالـــة حـقـيـقـيـة إال عـنـدمـا تتحمل الـحـكـومـة األمــيــركــيــة املــســؤولــيــة عن أفعالها». ويشير مركز الحقوق الدستورية إلـــــى أنـــــه «خــــــالل الـــعـــقـــديـــن األخــــيــــريــــن، جـنـت الـــشـــركـــات (الـــعـــســـكـــريـــة الـــخـــاصـــة) مـــلـــيـــارات الـــــــــدوالرات مـــن خــــالل تــقــديــمــهــا خـــدمـــات في الـــــعـــــراق وأفـــغـــانـــســـتـــان واملـــنـــطـــقـــة املــحــيــطــة، تــــتــــراوح مـــا بـــني تـــأمـــني الــحــمــايــة ملــســؤولــني حـكـومـيـني وجــمــع املــعــلــومــات االسـتـخـبـاريـة والتحليل والــدعــم الـلـوجـسـتـي»، مــؤكــدًا عدم وجـــــود نـــظـــام مــحــاســبــة وإشــــــراف عــلــى عمل تلك الـشـركـات باملستوى الــــالزم. ويشير إلى أن وزارة الـــعـــدالـــة األمــيــركــيــة تـتـحـمـل كـذلـك املسؤولية للتحقيق وتقديم شكاوى ضد تلك الشركات املتعاقدة في حـال ارتكابها جرائم دولــيــة، إال أن ذلـــك نــــادرًا مــا يــحــدث، ولـــم تقم وزارة الـعـدل بتوجيه أيــة اتـهـامـات ضـد أحد من املتعاونني النتهاكات التعذيب أو جرائم حـرب في الـعـراق. وتؤكد صنبر على أن «من الضروري أن نتذكر أننا هنا نتحدث عن بشر عانوا وتم تعذيبهم وأثرت تلك الجرائم التي ارتــكــبــت ضــدهــم عــلــى حــيــاتــهــم. مــــر عــشــرون عــــامــــًا، لـــكـــن الـــصـــدمـــة الـــجـــســـديـــة والــنــفــســيــة واالجتماعية وغيرها تبقى معهم وتذكرهم دائـمـًا بما حــدث. كما أن عـدم حصولهم على عــدالــة ال يـسـاعـد فــي شـفـائـهـا، والــحــاجــة إلـى الــعــدالــة لــن يـمـحـوهـا مـــرور عـشـريـن عــامــًا أو أكـثـر على االنـتـهـاكـات الـتـي مـورسـت بحقهم وعلينا أن نتذكر هذا».
المحاكمة
يتوقع مركز الحقوق الدستورية أن تستمر املـــحـــاكـــمـــة وجـــلـــســـات االســــتــــمــــاع إلـــــى قـــرابـــة ثالثة أسـابـيـع. وحـاولـت الشركة وعلى مدى سـتـة عـشـر عــامــًا وحـــوالـــي عـشـريـن مـــرة (فـي قضايا وقـضـايـا استئناف مختلفة) الطعن فـي شرعية القضية وإسقاطها. ورفــع املركز القضية بموجب القانون املذكور آنفًا بادعاء انـــتـــهـــاكـــات لـــلـــقـــانـــون األمــــيــــركــــي والــــقــــانــــون الدولي، في قضايا تشمل التعذيب، واملعاملة القاسية أو الالإنسانية أو املهينة، وجـرائـم حرب واالعتداء والضرب واالعتداء الجنسي، والـتـسـبـب املـتـعـمـد فــي االضـــطـــراب العاطفي واإلهـمـال في التوظيف واإلشــــراف. ويسعى املــــركــــز مــــن خــــــالل الـــقـــضـــيـــة لـــلـــحـــصـــول عـلـى تعويضات عقابية. ويرى املدعون أن الشركة شــــاركــــت فــــي مــــؤامــــرة الرتــــكــــاب ســـلـــوك غـيـر
قانوني بما في ذلك التعذيب وجرائم الحرب فـــي ســجــن أبـــو غـــريـــب، إذ كــانــت قـــد تـعـاقـدت مـع الحكومة األمـيـركـيـة على تقديم خدمات االســـتـــجـــواب. ويــشــيــر املـــركـــز إلـــى أن املــدعــني الثالثة كانوا محتجزين جميعًا ما بني 2003 2004و فـــي ســجــن أبــــو غـــريـــب، واســتــخــدمــت ضدهم أقسى أساليب التعذيب واالنتهاكات الالإنسانية.
عدالة غائبة أو مؤجلة
يــلــفــت مـــركـــز الـــحـــقـــوق الـــدســـتـــوريـــة االنــتــبــاه إلـــى أن دور شــركــة «ســــي. إي. ســـي. آي» في التعذيب وســوء املعاملة الخطيرة للمدنيني الـعـراقـيـني فــي أبــو غـريـب مـوثـق جــيــدًا. وهنا يـتـحـدث عــن تـقـريـر أعــــده الـــلـــواء فــي الجيش األمـــيـــركـــي أنـــتـــونـــيـــو تـــاجـــوبـــا، حـــــول مـــزاعـــم إســــاءة مـعـامـلـة املعتقلني فــي أبـــو غــريــب في عام .2004 وخلص إلى أنه في الفترة ما بني أكـــتـــوبـــر/ تــشــريــن األول وديــســمــبــر/ كــانــون األول عــــــام 2003 «وقــــعــــت حــــــــوادث عـــديـــدة تتضمن انتهاكات إجرامية سادية وصارخة ووحـــشـــيـــة ضـــد الـــعـــديـــد مـــن املــعــتــقــلــني، وقــد وجــهــت االســتــخــبــارات الـعـسـكـريـة األمـيـركـيـة وشركة سـي. إي. سـي. آي أوامــر إلـى الشرطة الــعــســكــريــة بــتــهــيــئــة الـــــظـــــروف» الســـتـــجـــواب املعتقلني. ويفيد تقرير املـركـز بــأن «أعضاء من الشرطة العسكرية األميركية شهدوا أنه كــان متفاهمًا عليه بــني محققي شـركـة سي. إي. سي. آي والجنود أن مصطلحات التليني واملعاملة الخاصة تعني إلحاق ضرر جسدي وعـقـلـي خطير بـاملـعـتـقـلـني». ولـــم يـكـن تقرير تــاجــوبــا الــرســمــي الــوحــيــد الــــذي خــلــص إلــى نتائج مشابهة بـارتـكـاب انـتـهـاكـات وجـرائـم بــحــق عـــراقـــيـــني فـــي أبــــو غـــريـــب. عــلــى سبيل
املــــثــــال، خــلــص تــقــريــر عــســكــري آخــــر (فــــاي/ جـــونـــز) صـــدر فـــي أغــســطــس/ آب ،2004 إلــى أن «الــــشــــرطــــة الـــعـــســـكـــريـــة، وجــــنــــود طــبــيــني، ومـــقـــاولـــني مــدنــيــني يـتـحـمـلـون درجــــة مـــا من املسؤولية أو التواطؤ في االنتهاكات في أبو غــريــب». وتـمـت اإلشــــارة إلــى تـــورط ثـالثـة من موظفي شركة «سي. أي. سي. آي» على األقل فــي االنــتــهــاكــات. ويـلـفـت املــركــز االنـتـبـاه إلـى األدلة الدامغة التي تمكن املركز من الحصول عليه من خالل الدعوى والتي تشمل الرسائل اإللـكـتـرونـيـة وســجــالت املـحـاكـمـة العسكرية وشهادات تظهر دور مقاولي «سي. أي. سي. آي» في االنتهاكات. وتذهب تلك األدلــة أبعد من ذلك، إذ إن الشركة رفضت التصرف حتى بــعــد وجـــــود تـــقـــاريـــر مـــحـــددة عـــن انــتــهــاكــات وسوء سلوك ارتكبه موظفوها. واألدهـى من ذلك أنها قامت بمحاوالت التستر على ذلك، بـحـسـب املـــركـــز. وتـــدعـــي الــشــركــة عــكــس ذلـــك، إال أن مركز الحقوق الدستورية يؤكد وجود «أدلــة موثوقة على أنها ساعدت أو حرضت أو ساهمت بطريقة أخرى في مؤامرة لتعذيب وإساءة معاملة املدعني الثالثة وفقًا للقانون األميركي والدولي».
عدالة مؤجلة
نـــشـــرت مــنــظــمــة «هـــيـــومـــان رايـــتـــس واتـــــش»،
بــــاإلضــــافــــة إلـــــى مـــنـــظـــمـــات حـــقـــوقـــيـــة أخـــــرى، عـــــــــددًا مــــــن الــــتــــقــــاريــــر والــــتــــحــــقــــيــــقــــات حــــول مـــــوضـــــوع املــــحــــاســــبــــة عــــلــــى الـــــجـــــرائـــــم الـــتـــي ارتـــكـــبـــهـــا األمـــيـــركـــيـــون وقــــــوى الـــتـــحـــالـــف فـي الــعــراق ومـنـاطـق أخـــرى كأفغانستان، فضال عـــن تـوثـيـقـهـا عـمـلـيـات الــتــعــذيــب. وفـــي أحــد التقارير الصادر مؤخرًا في سبتمبر/ أيلول املــــاضــــي، أشـــــــارت إلـــــى مــــا أســـمـــتـــه «تــقــاعــس الحكومة األمـيـركـيـة عــن تقديم التعويضات وغــيــرهــا ســبــيــال إلنـــصـــاف الــعــراقــيــني الــذيــن تـعـرضـوا للتعذيب واالنـتـهـاكـات مــن الـقـوات األمـــيـــركـــيـــة والـــشـــركـــات املـــتـــعـــاقـــدة مــعــهــا في سجن أبو غريب، وسجون ومعتقالت إضافية كــانــت تــحــت إداراتــــهــــا فـــي الــــعــــراق». ويـشـيـر الـتـقـريـر إلـــى أن وزارة الـــدفـــاع األمـيـركـيـة في أغـــســـطـــس/ آب عـــــام 2022 «أصـــــــــدرت خـطـة عـمـل لتقليص الــضــرر للمدنيني الـنـاجـم عن العمليات العسكرية األميركية، إال أن ذلك لم ينص على أي طريقة يمكن من خاللها منح تعويضات للمدنيني الـذيـن تــضــرروا سابقًا مـن عملياتها». وبحسب «هـيـومـان رايتس واتــــــش»، فــــإن الــــواليــــات املــتــحــدة وحــلــفــاء هــا اعتقلوا بعد الــغــزو األمـيـركـي لـلـعـراق «نحو 100 ألـــــف عــــراقــــي بــــني 2003 .»2009و كـمـا تـــتـــحـــدث املـــنـــظـــمـــة الــــدولــــيــــة عــــن تـــقـــريـــر آخـــر صـــادر عــن اللجنة الـدولـيـة للصليب األحـمـر في فبراير/ شباط 2004 موجه إلى التحالف العسكري بقيادة الــواليــات املـتـحـدة، ومفاده بأن عناصر من املخابرات العسكرية األميركية أخــبــروا الصليب األحـمـر بــأن مـا بـني سبعني وتـسـعـني فــي املــائــة مــن الــذيــن احـتـجـزوا على يد األميركيني والتحالف في العراق عام 2003 اعتلقوا عن طريق «الخطأ». وتتحدث املنظمة فــي تـقـريـرهـا عــن «اعـــتـــذار الـرئـيـس األمـيـركـي
جـــــورج بــــوش عــــام 2004 عـــن «اإلذالل الـــذي عــانــاه الـسـجـنـاء الـعـراقـيـون فــي أبـــو غـريـب»، وأقــــوال وزيـــر الــدفــاع رونــالــد رامسفيلد أمـام الكونغرس بعد فترة قصيرة، ومفادها بأنه «وجــــد طـريـقـة قـانـونـيـة لـتـعـويـض املعتقلني العراقيني الذين عانوا االنتهاكات والقسوة األليمة والوحشية على أيـــدي عــدد قليل من أفراد القوات املسلحة األميركية. هذا ما يجب فعله، وأنا عازم على أن أراه يتحقق». تصريحات بوش حاولت التستر على وجود مـشـكـلـة حـقـيـقـيـة مـنـهـجـيـة بـحـيـث تــصــف ما حــــدث بـــأنـــه ســـلـــوك مــشــني ولـــكـــن فــــــردي. لكن حــــــال الـــــواقـــــع بـــمـــا فـــيـــه تـــحـــقـــيـــقـــات أجـــرتـــهـــا هـيـومـن رايــتــس ووتــــش ومـنـظـمـات حقوقية أخرى أظهرت وجود مناخ مكن من التعذيب. كــمــا وجــــدت أن «قـــــــرارات مــتــخــذة عــلــى أعـلـى املــســتــويــات الــحــكــومــيــة مـكـنـت حــصــول هــذه املـمـارسـات أو وافـقـت عليها أو بـررتـهـا. كان أبـــو غــريــب مــجــرد مــركــز مـــن بـــني عـــدة مــراكــز اعـــتـــقـــال عــســكــريــة أمــيــركــيــة ومــــواقــــع ســــوداء تابعة لوكالة املخابرات األميركية في جميع أنحاء العالم مارس فيها العسكريون وعمالء املخابرات واملتعاقدون األميركيون التعذيب وغيرها». ويشير التقرير كذلك إلى الدور املركزي الذي لعبه وزيـــر الـــدفـــاع دونـــالـــد رامـسـفـيـلـد آنـــذاك بـــدءًا بوصفه للمعتقلني األول الـذيـن هـم في معتقل غوانتانمو بـ «مقاتلني غير شرعيني». وبـذلـك عمل على حرمانهم، بحسب هيومن رايتس ووتش، من الحماية التي توفرها لهم «اتـفـاقـيـات جنيف». وتشير املنظمة إلــى أنه وفي الشهر نفسه «كثفت إدارة بوش جهودها للتحايل على حظر التعذيب محليًا ودوليًا، وأصــدر مكتب املستشار القانوني األميركي التابع لوزارة العدل مذكرات سعت إلى تبرير التعذيب قانونيًا وحماية الضالعني فيه». وتـــؤكـــد املــنــظــمــة أن «حــــرمــــان املــعــتــقــلــني من الـحـمـايـة مـكـن رامسفيلد مــن تـوسـيـع قائمة أســـــالـــــيـــــب االســــــتــــــجــــــواب املــــســــتــــخــــدمــــة ضــد الـسـجـنـاء فــي غـوانـتـانـمـو بــني 2002 .2004و كما توصلت تحقيقات للحكومة األميركية الحــقــًا، مــن بينها تـقـريـر شليسنغر، إلـــى أن التقنيات املعززة التي وافق عليها رامسفيلد فــــي غـــوانـــتـــانـــمـــو انـــتـــقـــلـــت إلـــــى أفــغــانــســتــان والعراق، ومورست بال حدود أو ضمانات». كما تشير املنظمة إلى أنه وعلى عكس ادعاء ات رامسفيلد أمــام الكونغرس املــذكــورة آنـفـًا، لم تــجــد أي دلــيــل عــلــى أن الــحــكــومــة األمـيـركـيـة دفعت تعويضات أو قدمت أي سبل انتصاف أخـــــرى إلــــى الــســجــنــاء ضــحــايــا االنــتــهــاكــات، فــضــال عــن عـــدم تقديمها اعـــتـــذارًا رسـمـيـًا أو أشكال جبر فردية أخرى». ويواجه الضحايا من غير األميركيني الذين يريدون البحث عن املحاسبة عقبات مالية وبيروقراطية وغياب نـظـم واضــحــة أو قــنــوات لتحقيق املحاسبة. يؤكد املركز األميركي للحقوق الدستورية أن الكشف عـن انتهاكات أبــو غـريـب وفضائحه شــكــل ضــغــطــًا وارتـــفـــعـــت األصـــــــوات املـطـالـبـة بـــاملـــحـــاســـبـــة، إال أن واقــــــع الــــحــــال يــظــهــر أن املحاسبة كانت فـي الغالب ضـد عـدد صغير جـدًا من الجنود برتب منخفضة. على الرغم مما قد يتمخض عن محاكمة اليوم من نتائج، لكن مجرد بدئها يعد انتصارًا ومن دون شك هـــو رمـــــزي لــيــس لـــأفـــراد الــثــالثــة فـــقـــط، لكن لغيرهم من العراقيني ضحايا جرائم الحرب، على الرغم من أنه نقطة في بحر تلك العذابات التي سببت تدمير الـعـراق إلـى الـيـوم، لكنها من دون شك خطوة في مشوار األلف ميل.
يصادف بدء موعد المحاكمة مرور عشرين عامًا على فضح التعذيب